حقيقة قصة “البرهان، حمدوك” .. هل بورتسودان فعلاً بعيدة.؟

356

 

منعم سليمان يكتب:

حقيقة قصة “البرهان، حمدوك” .. هل بورتسودان فعلاً بعيدة.؟

قالوا له: بالأمس رأيناك تمدح الرئيس وتقبّل يده، واليوم نراك تمدح الرئيس الجديد الذي انقلب عليه وتقبّل يده، فما الذي غيّر موقفك؟

فأجاب مستغرباً: أنا لم أتغيّر، الرئيس هو الذي تغيّر!!

ولا بد هنا من التنويه إلى أن القصة أعلاه قديمة جداً، قيلت قبل زيارة وفد الاعلاميين (خلية إعلام حرب 15 أبريل) إلى بورتسودان ولقاء قائد الجيش عبد البرهان، ولكنها تبقى قصة صالحة لكل زمان ومكان، ما بقي في هذه الارض ديكتاتور وطبَّال!

كتب اثنان من وفد الإعلاميين بعد اللقاء، أن البرهان قال لهما أنّه دعا رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بالحضور إلى بورتسودان، فرد عليه حمدوك: “بورتسودان بعيدة”.

لا أعرف لماذا يكذب البرهان ويفتئت القصص والحكايات بهذا الشكل المبتذل، خصوصاً ان هذه القصة تحديداً لا تزال طازجة، وشهودها لا يزالون أحياء، ومن يتحدث عنه لا يزال حي يُرزق وموجود على ظهر هذه الأرض؟، بل ومشهود له بالأدب الجم والصدق والابتعاد عن المهاترات الصبيانية وعدم الانخراط في أي جدل حول الصغائر وتوافه الأمور التي لا طائل منها ولا فائدة.

القصة الحقيقية، هي أن البرهان أبدى أول الأمر موافقته على الجلوس مع (تقدّم) بخلاف ما يعلن طبعاً – كدأبه – لكنه بعدها وكعادته، ظل يتلكأ بحجج مختلفة، لأسباب أصبحت الآن معروفة للكل (!)، ثم شرع في الانصراف عن الموضوع الأساسي، إلى ما يُشبه الهتر الشخصي، وفي تلك الأثناء اتصل بالدكتور عبد الله حمدوك وظل يتحدث معه ويسهب في الحديث وينتقل به من موضوع إلى آخر دون أن يلمس موضوع اللقاء، وقبل ختام المكالمة، قال البرهان لحمدوك: “إنت ما ناوي تجي السودان”، لاحظ، دون أن يناقش معه موافقته على لقاء (تقدم) والذي ظل يتهرب من مناقشته طوال المكالمة، فرد عليه حمدوك: “طبعاً لازم الرجوع للسودان”، فقال البرهان: “تعال إذاً بورتسودان”، هنا رد حمدوك بعد أن أستقر في قلبه ان الرجل يراوغ ويهرب، ويحول الأمر من شأن وطني ولقاء مع (تقدم)، إلى أمر شخصي خاص، فرد عليه: “لا بأس فلنلتقي اذاً بمكتبك في الخرطوم”.

هذه هي القصة الحقيقية، وأما قصة “بورتسودان بعيدة” فتلك من بنات خيال قائد الجيش، مثلها مثل قصص كثيرة أخرى له، لا تُعد ولا تُحصى، ليس هنا مجالها، ولكن المهم ان ما ورد على لسان البرهان لا علاقة له بما دار من حديث، بل هو كذب صريح- لغاية الأسف!

هذا هو كل ما حدث بحذافيره، لكن أيضاً ما هو معروف لدى من يعايشون الأمر من مكان قريب، أن البرهان وافق على مقابلة (تقدّم) بل على مقابلة (حميدتي) نفسه، وعندما هاجمه الإعلام الكرتي وصبية السوشيال ميديا و”اللايفاتية” مدفوعي الأجر، تراجع إلى النقيض، وها هو الآن يفترع قصة من خيالٍ غير خصب، ليمنحها إلى ضيوفه، فيغرقون بها السوشيال ميديا، ربما لشغل الرأي العام وصرفه عن الهزائم الميدانية الأخيرة التي مُنى بها الجيش في ولاية سنار، ما أدى إلى انخفاض شعبيته إلى الحضيض، بل وصل الأمر ببعض حلفائه من الكيزان أنفسهم أن طالبوا بتغييره وإقالته، وحتى قتله كما ألمح بعضهم!

هذا هو الهدف من تمرير قصة (بورتسودان بعيدة) سيئة الإخراج والصنعة، والتي قوبلت بسخرية واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي وردود أفعال أشبه بانقلاب السحر على الساحر، حيث أراد من سربوا هذه (الخبرية) صرف النصر عن الهزائم التي لحقت بالجيش، لكن يشاء الله أن تفشل القصة لهزالتها، وأيضاً لتزامنها مع سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة “الدندر” في ذات الوقت الذي أطلقت فيه الشائعة هذه، وما خلفته من إستياء شعبي كبير ضد قائد الجيش.

وما زاد الطين بلَّة، ما قاله أحد أعضاء الوفد بان البرهان وصف ما يحدث في البلاد بانها (زوبعة) ليس إلا – يا ألطاف الله- وهو وصف أقل ما يقال عنه انه يفتقد إلى الحد الأدنى من الحساسية الإنسانية، ويسخر من الموت ومن معاناة الشعب السوداني ومن آلامه وأحزانه وتشريده من دياره ونزوحه إلى المجهول، هل كل هذه المأساة والكارثة الإنسانية التي لا مثيل لها زوبعة؟ ياله من وصف مريع وفظيع يقطع نياط القلب، وصف لا يصدر عن قائد أبداً، لأنه لا يحترم ولا يقدّر ولا يلتفت إلى معاناة هذا الشعب ولا يحس بآلامه!

هذان الحدثان، سيطرة الدعم السريع على الدندر، وهذا التصريح المؤلم، قتلا القصة المختلقة التي حاول أعضاء الوفد الاعلامي تمريرها على لسان البرهان، وعوضاً عن حشدهم لرأي عام سلبي حول د. عبد الله حمدوك وضعوا البرهان على (تخت التنشين) أو ما يُسمى عسكرياً بـ(الدِروة)، وفشلوا فشلاً ذريعاً في مهمتهم ولن يعودوا مجدداً إليها، بل ربما لن يستقبل البرهان أي وفود إعلامية “بلبوسية” مرة أخرى، وسيبقى كما حاله في تعامله مع (اللايفاتيه)، فقد وضعوه في موقف لا يُحسد عليها، وأصبح أمر البرهان مع الوفد الاعلامي مثل أمر من أستعان بعبد المعين ليعينه فوجده بحاجة إلى العون أكثر منه!

وفد عبد المعين الإعلامي، لم يفشل اليوم مع البرهان، فقد فشل من قبل مع الرئيس المعزول عمر البشير، ومع الكثير من المسؤولين .. نفس التاكتيك ونفس الأسماء والوجوه، وهم أنفسهم من كانوا في واجهة الإعلام المُروّج للحرب الخاطفة (ساعتين تلاتة!)، والتي انتهت إلى سيطرة قوات الدعم السريع على معظم البلاد، ولا تزال تمضي، وهم نفسهم من تصدوا وحالوا دون جلوس الطرفين إلى مفاوضات وإن نجحوا في ذلك حتى الآن، لكن في خاتمة المطاف مصيرهم الفشل لأن الحروب لا تنتهي إلا بمفاوضات، أي أن ذلك أمر حتمي، وبالتالي فإن فشلهم سيكون حتمياً أيضاً، إنهم نذير شؤم على البرهان كما كانوا نذيراً وشراً مستطيراً على سلفه المخلوع.

من جرب المجرب حاقت به الندامة!

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *