“الحركية” سناء حمد العوض .. ايحاءات “كيزانية” ام سباحة ضد التيار.!!
دكتور حمد أبورمزي يكتب:
الحركية سناء حمد العوض .. ايحاءات “كيزانية” ام سباحة ضد التيار.!!
مما لايخفى على المتابعين لأمر حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣، كآخر تمظهرات ديناميات الامتياز التأريخي كقاعدة معيارية تأسس عليها الصراع حول السلطة والثروة في السودان، أن المقابلات الاعلامية المتكررة للحركية سناء حمد العوض وتوقيتاتها المختارة بعناية شديدة، وتصريحاتها المتواترة، قد باتت تشغل الناس، وتلفت انتباههم، أكثر من تصريحات البرهان، كباشي والعطا، وما دونهم في سلسلة هرم السلطة العسكرية التي تشكلت بأمر انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١. وبدأت تصريحات سناء تكتسب زخما جماهيريا متصاعد على خلفية تحقيقاتها مع كبار ضباط المؤسسة العسكرية وهم على قسم الشهادة بعد السقوط الداوي لنظام البشير على أيدي اللجنة الامنية الاولى برئاسة الجنرال بن عوف، والتي لم يكن بين أعضائها عندئذ اي واحد من قيادات مجلس السيادة الحاكم الان، إلا الجنرال حميدتي كعضو عادي مثله الاخريين. وقد تساءل الناس ببلاهة كبيرة: من أين لهذه الفتاة الحركية كل هذا النفوذ الطاغي في اضابير الحركة الاسلامية، وقوة السلطان التي تمكنها من التحقيق مع كبار الجنرالات واياديهم على القسم المغلظ؟
للذين لايعرفون نقول ان الحركية سناء حمدالعوض، كادر حركة إسلامية مخضرم، تتمتع بقدر وافر من الذكاء والحضور الاجتماعي الطاغي، وكاريزمة قيادية لاتخطئها عين كل من تعامل معها في مسيرة التنظيم الاسلامي، ذربة اللسان عند المحاججة في أركان النقاش وفوق هذا وذاك، فهي مغامرة و براقماتية من طراز فريد، لاتتهيب ركوب المخاطر متى شعرت أن ذاك قد يحقق لها رقي في سلم التنظيم. وتعتبر سناء ثانية اثنتين لاسرتها، وبنت الدنقر للحركة الاسلامية بالميلاد والنشأة والامتياز التاريخي. فقد جاءت للحركة للاسلامية من أسرة حركية عميقة التجذر الحركي، فوالدها الاستاذ حمدالعوض عليه الرحمة من اوائل الاسلاميين الذين تم استدعاؤهم من الاغتراب، وهو تربوي متخصص، وذلك لرفد نظام الانقاذ في بواكير عهده بكوادر نوعية مختارة حتى يتجاوز مرحلة الخطر. ولكنه سرعان ما توفى الي رحمة مولاه، ولكن بعد أن عبد الطريق لابنته التي قيل انها تشبهه في تفاصيل كثيرة، سيما تلك التي تتعلق بالحركة الاسلامية وانشطتها وعلاقاتها الاخطبوطية العجيبة، مفارقة في ذلك شقيقتها الصغرى التي لم تكن تعبه بالعمل التنظيمي. ولجلت سناء جامعة الخرطوم في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي وتخرجت من قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد. ويبدو أن الزخم التنظيمي لوالده، مضافا اليه قدراتها الذاتية في التنظيم والتأمين والاعلام قد أمنت لها نفوذا كبير تزايد مع مرور الايام وانجازها للمهام الموكلة اليها بإمتياز. والحركية سناء حمدالعوض، رغم مظهرها العادي وسمتها الهادي عند الظهور الاعلامي، إلا انها من الصقور الكواسر في تنظيم الحركة الاسلامية، ومن القليلات جدا اللائي انتظمن في العمل الامني والعسكري بدرجة غير متوقعه!! فقد وثقت كاميرات برنامج في ساحات الفداء، ظهورا واضحا للحركية سناء وهي تمتشقا سلاح كلاشنكوف بين القوات المسلحة في الخطوط الامامية لجبهات القتال في النيل الأزرق وجنوب السودان، وكانت ضمن كتائب الظل التي تزور معسكرات الخدمة الالزامية والمجاهدين بغرض التعبئة والاستنفار، وجمع المعلومات وتحليلها عن الكوادر المستقبلية. والحركية سناء هي الوحيدة ضمن خلية خاصة اوكل لها متابعة العمل العسكري داخل القوات المسلحة لمصلحة الحركة الاسلامية. وهي خلية تجمع في عضويتها ضباطا عظام، برتب رفيعة وعسكرتاريا مدنية نافذة في مجال العمل العسكري. ويقع ضمن اختصاصات اللجنة : الاستيعاب للكلية الحربية، والتدريب الداخلي والخارجي، والترقيات للرتب العسكرية والمواقع الإدارية الموازية، واختيار الضباط ذوي الولاء الحركي للملحقيات العسكرية الخارجية، بل يشمل نطاق تفويضها حتى التوصية بالإجراءات السنوية التي تطال بعض الرتب في القوات المسلحة بصورة راتبة. ولما كانت تتمتع بعلاقات واسعة بالقيادات النافذة في الحركة الاسلامية د. الترابي، علي عثمان، الزبير احمد الحسن، علي كرتي، وبكري حسن صالح، كانت مهابة الجانب لدى اعضاء اللجنة، بل لدى الرتب الكبيرة من ضباط القوات المسلحة، وضباط جهاز المخابرات وجهاز الأمن الشعبي! وبالتالي لم يكن بالنسبة لنا مفاجئا تصريحها الداوي عن تكليفها من قبل المرحوم الزبير أحمد الحسن الأمين العام للحركة الاسلامية، للتحري مع كبار القادة في اللجنة الامنية، وهو مثار استغراب الناس!
امتلأت الاسافير الاسبوع الماضي بمقال كتبته الحركية سناء حمدالعوض، نادت فيه بضرورة مراجعات فكرية ووقفات محاسبة ذاتية، كان الابرز فيها تغليب القومي على الذاتي الحركة، والاعتراف الضمني بأرتكاب بعض التجاوزات، والتسامح الخجول تجاه الاخريين من أعداء الأمس. وقد احتفى الكثيرون من المتابعين بتلك التطورات في تفكير الحركية سناء، ولكني كنت من المشككين في ذلك، حتى نسفت سناء على مدار ربع ساعة كل ما كتبته عن المراجعات والتسامح، وتغليب المصلحة القومية على المصالح الانكفائية للتنظيم الإسلامي! ورغم ذكاءها المعروف لدينا، إلا أنه لم يسعفها هذه المرة في الردود على مزيع الجزيزة أحمد طه، الذي حاصرها بأسئلة يبدو أنها لم تكن تتوقعها اصلا!! فمن حيث لاتدري اقرت ضمنا انهم هم كتنظيم، المسيرون لأمر هذه الحرب بكل تفاصيلها والمسيطرون على متغيراتها من التعبئة والقتال والتسليح والاستنفار والتدريب، وأن قيادة الجيش ماهي إلا بيدق بأيديهم يتصرفون فيها كيف يشاؤن كتنظيم وليس كمؤسسة عسكرية مستقلة. وما يؤكد أن قيادات العسكر يقبعون تحت القيود الكاملة للحركة الاسلامية قولها أن وقف الحرب هو: “امر رباني، وأن جنحو للسلم فأجنح لها وتوكل على الله”، وكأن الآية قد أنزلت في لحظتها، والاستنتاج الضمني من كلام الحركة سناء حمدالعوض، هو: “أن قبولهم كحركة إسلامية بالجلوس مع قائد الدعم السريع، لوقف الحرب، سوف يوقف الحرب” وأنهم “لن يتفاوضوا مع تقدم بأعتبار انها منحت الشرعية للدعم السريع بخوض الحرب”، وهذا عين ما ردده قادة القوات المسلحة، البرهان وكباشي خلال الأسبوع الماضي!
وكما ذكرنا سابقا، فالحركية سناء لم تتحدث جزافا، بل لازالت ضمن “اللجنة الامنية/العسكرية” التي تدير الحرب الان من خلف الكواليس، وأن الذي صرحت به هو تنتوي هذه اللجنة على فعله نيابة عن قيادة الحركة الاسلامية في مقبل الايام ان استطاعت اقناع الدعم السريع بذلك!
ولكن السؤال الذي لم تكن تتوقعه سناء هي قولها: “سوف نفعل ذلك أن رضي الشعب السوداني بذلك”!!! وهذا خبث، جبلت عليه وتجيده ولكن هذه المرة بغاء تحسد عليه، وهو اختطافها للسان الشعب، وبالتالي استهدافها للثورة باكرا، حتى قبل جلوسهم المتوقع مع الدعم السريع للاستسلام. في نظري والقبول بأقل الخسائر وهي عدم محاكمتهم وافلاتهم من العقاب!!
فهل ياترى يعتبر ظهور وتصريح سناء حمد للمزيع أحمد طه، هو ايحاء لاستنطاق العدو ومعرفة اتجاهاته ثم التعامل معها، سيما وان قنوات التواصل بين الدعم السريع والحركة الاسلامية قد باتت شبه مغلقة، ام ان الامر سباحة ضد تيار حقائق الأداء العسكري للجانبين في أرض المعركة، وهو يرجح الكفة لصالح قوات الدعم السريع!!!
نقول ان الامر يحتمل الاثنين معا، فخيار الجلوس الي حميدتي للتفاوض وانهاء الحرب هو: الخيار المر، والسم النقوع الذي تتجرعه الحركة الاسلامية مكرهة عليه، ويضعها في مأزق أخلاقي حامض المزاق إزاء سردينها التضليلية التي تبنتها في توصيف الحرب “حرب الكرامة” ضد أعداء الامة والدين من عربان الشتات والخونة، ومآلاتها غير المتوقعه اصلا بالنسبة لهم. وهذا خيار تجرعه الخميني من قبل أمام الرئيس العراقي صدام حسين، وهو خيار انتحاري من الدرجة الأولى. ولكن سناء تدع الدعم السريع الي صفقة جديدة لقمع الثورة ودفنها وانتهاء العزاء عن مقابر توقيع الاتفاق! والسؤال هل يقبل الدعم السريع بذلك؟
او أن يكون تصريح سناء هو سباحة ضد التيار العام واستباقا لما قد تتمخض عنه المعارك العسكرية في أرض الواقع. وهنا سوف تظهر الحركة الاسلامية قيادتنا للجيش دون مواربة ولكن بإختفاء الضباط الذين هم سدة القيادة الان، والاتيان بضباط أكثر مكرا ودهاء، لانقاذ التنظيم الاسلامي من مصيره المحترم، الي حين التقاط أنفاسه مرة أخرى، فقادة الحركة الاسلامية وتنظيمهم ينطون علي قدر كبير من الغدر بالخصوم، وعدم الايفاء بالعقود والمواثيق، ولا يأتون الي مائدة تفاوض إلا وهم صاغرون، فمصير الشعب لم يكن ضمن اولوياهم في يوم من الايام، فيجب أن يؤخذ ما قالته الحركية سناء حمدالعوض مأخذ حذرا، فطالما لا تزال الحركة الاسلامية تعادي الشعب في استهداف منظوماته الحية مثل “تقدم”، فمعني هذا انها تنتوي “مد يد التعاون” مع تقدم من خلف تدبير ماكر وابتزاز واضح تستهدف به تغيير موقف “تقدم” المصادم بقوة لاطروحاتها حتى الان، والاصرار على اقصائها في كل ميادين التفاوض. وإذ تظهر الحركة الاسلامية ذلك من منطلق الظهور بمظهر القوي، إلا اننا نعتقد انها في أضعف حالتها، وهي تحاول مغازلة قائد الدعم السريع، وهو في اوج زهوه وعنفوان قواته وانتصاراتها في أرض المعركة! فالحركة الاسلامية حسب معرفتنا بها، لاتجنح للتفاوض مع الضعفاء بتاتا، ولكنها فقط تفاوض من يظهر انه أكثر قوة وتنظيما، ويمثل تهديد حقيقي لوجودها الماثل، فعلت ذلك مع الزعيم جون قرنق حتى تخلصت منه، وتحاول الان تكراره مع القائد حميدتي، ريثما تكسب المزيد من الزمن وتلتقط الانفاس، قبل الانقضاض الاخير عليه، فهل يستجيب قائد الدعم السريع، ويبلع الطعم؟ نتابع ونرصد، ونترصد مع الاخذ في الاعتبار ان:
الليالي من الايام حبالى: يلدن كل جديد!