“عرمان”: اجتماع جنيف يهم الملايين من أصحاب الحق وضحايا الحروب.

201

الأستاذ ياسر عرمان - رئيس الحركة الشعبية التيار الثوري الديمقراطي.

ياسر عرمان يكتب:

اجتماع جنيف يهم الملايين من أصحاب الحق وضحايا الحروب.

الاجتماع الحالي الذي انفردت بتنظيمه الأمم المتحدة في مدينة جنيف دون تنسيق واضح المعالم مع الأقليم والمنابر الاخرى ذو أهمية فائقة ولم يجد حظه الكافي من الاهتمام، ويأتي الاجتماع في وقت توزع فيه دم القضية السودانية على منابر عديدة دون تنسيق فعال!

رغم أهمية كافة المنابر إلا ان عزفها المنفرد يقلل من أهميتها ونتائجها.

الكارثة الإنسانية التي يشهدها السودان اليوم هي الأسوأ والأكبر على امتداد الكرة الارضية إذ تدمر حياة أكثر من (٢٥) مليون مواطن نازحين ولاجئين وقتلى وجرحي وضحايا جرائم الحرب في كل أنحاء السودان، وكما تدمر البنية التحتية وتشتت المجتمع وتتسبب في انهيار الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها المنظومة العسكرية، وغابت عاصمة البلاد الخرطوم وهو أمر لم تشهده معظم الحروب الأهلية الأخرى مثل بغداد، صنعاء، عدن،ودمشق التي ظلت حاضرة بشكل من الأشكال.

الحرب أولها كلام ولابد ان يكون أخرها كلام، قال زهير أبن ابي سلمى:

وما الحرب الا ما علمتم وذقتم، وما هو عنها بالحديث المرجم،

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة، وتضر اذا ضريتموها فتضرم،

فتعرككم عرك الرحى بثقالها وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم،

وما من يد الا ويد الله فوقها وفي الحلم ادهان وفي العفو دربة وفي الصدق مناجاة من الشر فاصدقُ.

 

تكمن أهمية اجتماع جنيف في انه أتى بناءً على قرارين صدرا من مجلس الأمن الدولي وهي قرارات نادرة وغاية في الأهمية في ظل الانقسام الحالي في المجلس، كما ان الاجتماع يشهد مشاركة ربما تكون الأخيرة من الولايات المتحدة الامريكية قبل دخولها انتخابات معقدة.

 

الأهمية الأخرى للاجتماع انه يبدأ بداية صحيحة بالشعار الرئيسي للقوى المدنية الديمقراطية وهو وقف الحرب ومخاطبة الكارثة الانسانية وحماية المدنيين، إذ لا يمكن معالجة أسباب المرض قبل وقف نزيف المريض الذي يعطى الأولوية، رغم ان مسار جنيف مسار عسكري لم يتم ربطه بالمسار المدني، وقضية العلاقة بين العملية السياسية المدنية والعملية العسكرية لوقف الحرب قضية حقيقية ويجب الا تهدف لإنتاج شراكة بائسة جديدة كما في الماضي على حساب الحلول المستدامة وثورة ديسمبر، وقد أتى الاجتماع في ظل تحركات اقليمية هامة ويخاطب قضايا الملايين المتضررين بدلاً عن قضايا النخب ويهدف لتحقيق هدف رئيسي هو وقف الحرب بعيداً عن تقاسم السلطة والموز والحالمين بما اسموه حقهم في توزيع السلاح والسلطة!

 

*أيها الجيش سلاماً بالله لا تأخذ حربهم على عاتقك:*

 

في وسائل التواصل الإجتماعي يسخر البعض من مواقف الجيش ورفضه حضور الإجتماع المشترك مع الدعم السريع وإختياره ان يفاوض عبر الوسيط ( by proxy). ولأن السخرية لا توقف الحرب فان مجرد ذهاب الطرفين الى مكان الاجتماع هو انجاز يحسب لصالح الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن وللطرفين، ولا يوجد سبب يدعونا لنسخر من مواقف الجيش فقصة هذه الحرب مؤلمة ومعقدة ومبكية ودمرت العباد والبلاد ومن واجب الجيش وقادته التفكير على نحو استراتيجي دون غضب أو أخذ أجندة الفلول على عاتقهم، فالشعب والجيش لهم تجربة مريرة مع الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني من حزبنة المؤسسات وتسيسها ولم تعاني مؤسسة مثل ما عانى الجيش، وعلى الرغم من ذلك لم تستطع الحركة الإسلامية ترويض الجيش بالكامل مما يجعلها تدفع بصحفيات وصحفي الكبريهات (النوادي الليلة) عديمي القيمة والاخلاق الذين يظهر بعضهم في التلفزيون في بورتسودان في مختصر غير مفيد ويدعون لتغيير قائد الجيش بل يحددون من الذي يأتي بعده في تدخل سافر في شؤون الجيش.

 

من مصلحة بلادنا ان لا يتمزق الجيش وفي نفس الوقت يجب ان يخرج الجيش من السياسة ومن أجندة جميع الاحزاب، وبإمكان قيادة الجيش ان تبني موقفها على اجندة واضحة للشعب السوداني وللدعم السريع قائمة على وقف الحرب وحماية المدنيين وبناء جيش مهني وقومي وحكم مدني وسلام مستدام وان يستفيد الجيش بان مناطق سيطرته تشهد نزوح الكثير من المدنيين اليها مما يعزز فرصته في قبول أجندة حل الأزمة الانسانية في جنيف.

الدمار الذي ألحقته الحرب بالجيش والدعم السريع إهدار لثروة بشرية في ظل تحديات ومخاطر تواجهها البلاد وعلى قادة الجيش السمو فوق المشاعر السلبية والرغبة في الحكم وتغليب صوت الحفاظ على المؤسسة العسكرية واعادة بنائها وتأسيس الدولة والمصالحة مع ثورة ديسمبر كطريق لانهاء الحرب واعادة بناء المنظومة العسكرية. ان من مصلحة الدعم السريع استراتيجياً ان ينهي الحرب مع الجيش دون امتدادها لكافة ارجاء السودان، اذا مزقت الحرب الجيش فان حكم السودان وبناء منظومة عسكرية في ظل سلام مستدام صعبة المنال لان الحرب ستستمر وتتناسل وتنتج امراء حرب وصراعات إثنية في مختلف الأقاليم، وطريق انهاء الحرب هو ان لا يعمل اي طرف على إذلال الطرف الاخر او تعميق المرارات واذا انتصر اي طرف في هذه الحرب سيجد مصاعب جمة في تحقيق الاستقرار والاهم من ذلك ان الشعب لن يصمت وان هناك معركة ضخمة قادمة لا محالة مع قوى ثورة ديسمبر فهذه الحرب لن تمر مرور الكرام والثورة أعمق من ان تمحوها الحرب، وما ان يعود للمدن آلقها وللقرى حياتها وللريف قناديل الذرة حينها سترتفع رايات ثورة ديسمبر من جديد.

 

أخيراً، اجتماع جنيف هام وعلى القائمين بتنظيمه ان لا يكتفوا بجولة واحدة لان الرصاص وأصوات المدافع في الارض تؤثر سلباً وعليهم عقد سلسلة جولات بدعم من مجلس الامن والمنظمات الاقليمية والدولية وحشد طاقات كافة المنابر الأخرى للدفع بالاطراف في سلسلة اجتماعات متقاربة زمنياً حتى لا يتم فقدان قوة الدفع واذا فشلت الجولة الحالية لا سمح الله، على الوسيط تحديد اقرب وقت للجولة الثانية بدعم من مجلس الامن الدولي والأفريقي والجامعة العربية. ان اي وقف اطلاق نار يحتاج ان يكون طويل الأمد وبرقابة اقليمية على الارض. وطرفي الحرب يحتاجان هذا الوقف لاسباب تكتيكيه واستراتيجية في مقدمتها اعادة تنظيم صفوفهم والسيطرة على قواتهم والأهم من ذلك حل الكارثة الإنسانية وحماية المدنيين وعليهم تغليب الافق الاستراتيجي في وقف وانهاء الحرب وبناء السودان الجديد.

علينا في القوى المدنية والديمقراطية ان نهتم بما يجري في جنيف وحشد الطاقات داخلياً وخارجياً في دعمه وانتقاد نواقصه، ان وقف الحرب يفتح الطريق للعملية السياسية الحقيقية التي بدون وقف الحرب ستتحول لمجرد تظاهره ومناسبة لاخذ الصور التذكارية وتسلل الفلول على حساب الضحايا وثورة ديسمبر وترتيب الاولويات والسلام المستدام.

١٣ يوليو ٢٠٢٤

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *