هل أتاك حديث السفير؟.. (نور الدين ساتي) جِسمُ البِغال وأحلامُ العصافيرِ.
عبد الرحمن الكلس يكتب:
هل أتاك حديث السفير؟.. (نور الدين ساتي) جِسمُ البِغال وأحلامُ العصافيرِ.
قبل البدء في كتابة هذا المقال، توقفت طويلاً جداً، بين أن أكتُبُ عن الشخصية عنوان هذا المقال، أم أكتُبُ عن النزِق “أمجد فريد”، ولكني سرعان ما فطنت أن لا فرق بينهما، “روح واحدة في جسدين”، فاخترت أن أكتب عن السفير “نور الدين ساتي”، ليس لأن “أمجد” فُضِحَ فضحاً كتابة، وسُلِخَ سلخاً نقداً، حتى صار في حكم الميت؛ يُحرّمُ ضربه، ولكنّي فضلت تناول سيرة ومسيرة السفير “ساتي” لأنها تُخبرنا عن نوعية الشخصية التي سيُصبح عليها “أمجد” لو لم يتم قمع طموحاته المريضة في بدايتها، ولا أعتقد أن هناك أحداً يتمنى استنساخ “نور الدين ساتي” آخر للأجيال القادمة!
كشخصٍ طبيعي مثلي مثل غيري، تعودت ألا أتناول بسوءٍ – قولاً أو كتابة- شرائح مُحددة من المجتمع، ومنهم كِبار السن من الكهول، ولكي أكون أكثر صِدقاً ربما لم أتناولهم لأنني لا أكتب إلا فيما يتعلق بشؤون السياسة، وتلك الشرائح لا وجود في هذا المضمار، أو هكذا يفترض أن يكون كما في أغلب دول العالم، إلّا في أمريكا – مؤقتاً- تحت إدارة “بايدن”، الذي لا يزال يختبيء ويخبيء عجز السن خلف تمثال الحرية ورمزيته المبهرة، تماما كما يختبيء السفير “نور الدين ساتي” خلف رواية مغلوطة نجح أن يمررها باتقانٍ على كثير من الناس، خلقت له صورة نضالية زائفة في أذهانهم!
رواية السفير “ساتي” المُخادعة التي مررها على الثورة وحاضنتها وحكومتها، هي أنه دبلوماسي مناضل محترف، تم فصله تعسفياً أثناء الحكم العسكري الإسلاميّ الشمولي لمواقفه المناهضة للحكم الديكتاتوري .. إلى آخر الهراء، وهي رواية من تأليفه كاذبة وباطلة من أولها وأوسطها وحتى آخرها، لا يعرف الصواب طريقاً إليها، إذ إنّ الحقيقة هي أن الرجل أحيل إلى المعاش ليس بعد بلوغه السن القانونية، بل بعد أن تجاوزها فقد أفنى عمره في الخدمة الطويلة الممتازة لنظام (الإنقاذ) الذي خدمه بكل تفانٍ وأخلاص، وكانت تجمعه علاقة شخصية وطيدة جداً بالمتنفذ الأول في النظام ” علي عثمان طه”، بل كان خليصه وجليسه وأنيسه وصفيّه، وهناك أيضاً من المخازي ما يفوق حدود التأكيد حول مرات كثيرة استلم فيها أموال من كثر منهم؛ أحدهم “غازي صلاح الدين”، نظير (خدمات) قام بها، ومواقف وأشياء أخرى كثيرة .. لهذا ولغيره، مما لا يتسع المجال لذكره هنا، لستُ مصدوماً في بهلوانيته وحربائيته الحالية، ولعبه بالبيضة والحجر، وجمعه بين عضوية (تقدم) ونقيضها، وبين عمله كــ “مُسهل” في اجتماعات القاهرة التي ظاهرها عزل الفلول، وعمله كـ “مُزلق” في اجتماعات إعادة الفلول بأديس أبابا، ومن هو متخصص مثلي في “المسالك التناسلية” لابُد أنه قد فهم وظيفة “المُزلق” أكثر من غيره، وهي على العموم وظيفة – لغاية الأسف – تليق بقواد ولا تليق بسفير !
لا أعرف كيف يمتهن رجل فاق عمره الثمانين عاماً الخداع، وكيف يلهث خلف السلطة من عاش كل هذه السنوات الطويلة، خصوصاً ونحن من بلاد لا شيء يغري فيها للسعي خلف حكمها.. وقد هالني انه بعد إنقلاب 25 أكتوبر المشؤوم، وتحديداً في نوفمبر 2021، خرج مُغرِّداً علينا من موقع تويتر – (X) حالياً- مُقترحاً تشكيل حكومة منفى- ولا بأس في المقترح- ولكن البأس الشديد كان في التغريدة الثانية، التي الحقها بعد يوم من نشره لمقترحه، وشكر فيها كل الذين ساندوه – وأنقلها لكم هنا نقلاً: ( أشكر كل الذين ساندوني بأن أتولى دوراً طليعياً وأصبح رئيساً لحكومة الدكتور حمدوك، وناطقاً رسمياً لها، وقائدا للثورة السودانية الظافرة).، لم يخف الرجل المتهافت خِفّته ونهمه السلطوي، ولم يكتف فقط بالرئاسة، بل أخذ معها لسانها وثورتها، وأصبح رئيساً لحكومة بمواصفات (ثري إن ون)، وهو مبلغ لم يبلغه البرهان بكل جيشه وكيزانه ورغباته المُدمرة وحلم أبيه!!
السفير “نور الدين ساتي” يمثل أنموذجاً ساطعاً لتهافت الكهول وأصحاب القدرات المتدنية على السلطة والمناصب في بلادنا المنكوبة، وهو نتاج بيئة ومجموعات مثلت أُسوة سيئة للأجيال التي بعدها، وأصبحت وبالاً على الوطن، وهي ذات البيئة التي أنتجت “الكيزان”، وقد نشأ وشب على أن الوطن ما هو إلا غنيمة، وأن “كل أثداءه لنا وطن”، فأي ثدي به إنما خلق لرضاعته، وأي أُم فيه هي أمه، لا يهم خلفيتها، شيوعية كانت أم إسلامية أو ديمقراطية، فكبر كما تكبر البغال بسبب اختلاف كروموسوماتها، وصار على النحو الذي هو فيه الآن: يعيش بجسم بغلٍ وحُلم عصفور!
نحن أمام نسخة مريضة ومبتذلة من قصة: “دكتور جيكل ومستر هايد”، فهو تقدمي ورجعي في آن معاً، وهو مع القاهرة ومع أديس أبابا، ومع التغيير وضده، وبالضرورة وفقاً لهذه الثنائيات المتناقضة والمتنافرة هو مع البرهان وحميدتي أيضاً !
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة.