جريدة لندنية: انتصارات الدعم السريع، تربك موقف الجيش من المبادرات الإقليمية والدولية.
بلو نيوز الإخبارية: وكالات-
أحرجت قوات الدعم السريع الجيش السوداني عقب ترحيبها الجمعة بدعوة الأمم المتحدة إلى إجراء محادثات في سويسرا مع وفد القوات المسلحة حول تسهيل إيصال المساعدات وحماية المدنيين، مؤكدة وصول وفدها إلى جنيف لبدء المحادثات بشأن تخفيف المعاناة الإنسانية التي يواجهها الشعب السوداني بسبب الحرب.
يأتي ذلك بينما ظهر قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان أمام الأمم المتحدة في موقف محرج؛ فبعد موافقته على حضور اجتماع دعت إليه ووصول وفده، وضع شرطا أرخى بظلال قاتمة على مهمتها تسهيل وصول المساعدات والسعي لوقف إطلاق النار.
وبدت جهات عديدة مقتنعة بأن رفض وقف الحرب يأتي دائما من قبل الجيش السوداني؛ إذ يريد تحسين موقفه الميداني بعد سلسلة هزائم عسكرية مُني بها في عدة مناطق، أملا في أن يمكنه تحقيق انتصار جزئي أو معنوي على قوات الدعم السريع من تحسين وضعه في أي مسار تفاوضي يقرر التجاوب معه.
والخميس أمام حشد من الجماهير في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمالي السودان رفض البرهان الدخول في أي مفاوضات ما لم تنسحب قوات الدعم السريع من الجنينة وزالنجي والجزيرة ومدن أخرى، داعيا إلى عدم الالتفات إلى شائعات متداولة عن نية الجيش التفاوض في سويسرا أو جدة.
ويقطع وصف قائد الجيش التفاوض بأنه “شائعات” الطريق على جهود تبذلها الأمم المتحدة وتفاهمها معه من خلال بعثتها في السودان على إرسال وفد للتباحث غير المباشر مع الدعم السريع بجنيف، ويجهض محاولات السعودية لاستئناف مفاوضات جدة بعد أن أرسلت نائب وزير خارجيتها إلى بورتسودان قبل أيام ولقاء البرهان.
ويقول مراقبون إن الخيار العسكري لا يزال مفضلا لدى قيادات الحركة الإسلامية التي زاد نفوذها داخل الجيش، والإعلان عن قبول التفاوض مع الدعم السريع يندرج في إطار المناورة السياسية؛ فعند لحظة معينة يحدث التراجع باختلاق حجج واهية، أو وضع شروط مسبقة تربك الجهة أو الجهات التي تخيّر المحادثات.
ويوضح هؤلاء المراقبون أن البرهان يتغذى على القبول والرفض، وهو دليل ارتباك في إدارة الموقفين السياسي والعسكري، ومحاولة عدم الدخول في مواجهات مفتوحة مع قوى ومنظمات إقليمية ودولية، حيث يضطر إلى الانحناء للعاصفة عندما تشتد عليه الضغوط الخارجية، ما سيجبر الأمم المتحدة مستقبلا على التلويح باللجوء إلى أدوات قاسية لتحافظ على زخم مبادرتها ذات المكونات الإنسانية الرئيسية.
وأشار البرهان في عطبرة إلى تشكيل لجان للمقاومة الشعبية والاستنفار، مبديًا الاستعداد لإنشاء تشكيل عسكري في أي منطقة، حيث يقوم الجيش بتعيين قيادة له ويوفر المعدات الحربية والأسلحة، وهي إشارة مزدوجة تفيد في شق منها بمواصلة القتال من خلال بدائل شعبية، وفي شق آخر تنبئ بوجود انكسار في القوات النظامية.
وقال المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب إن “الجيش أرسل وفده وشارك بالفعل في مفاوضات جنيف، ومن الصعب التراجع عنها، وخطابه في عطبرة يهدف إلى البحث عن مخرج لرفع معنويات القوات المسلحة التي يجمعها للقتال في الولايات المختلفة، وهو موجه أساسا إلى جماعات وتنظيمات إسلامية كي تمده بالمزيد من المقاتلين، مع اتساع عمليات الاستنفار في ولايات لم تصل إليها قوات الدعم السريع بعد”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “قائد الجيش يدرك عدم قدرته على تحقيق نصر عسكري حقيقي، وحديثه عن رفض التفاوض إلا بعد انسحاب قوات الدعم من المنازل والمدن ورقة ضغط يشهرها لتعويض خسائره الميدانية على أرض الواقع”.
وأشار إلى أن “اجتماعات جنيف غير المباشرة نتاج لمفاوضات المنامة التي شهدت مناقشة بعض الملفات العالقة بين الجيش والدعم السريع، كما أن المؤتمرات في كل من القاهرة وأديس أبابا جاءت نتيجة ضغوط سياسية من جانب المجتمع الدولي على السياسيين بعد أن دفعت العسكريين نحو التفاوض، والبرهان يدرك أنه ليس أمامه أي خيار سوى العودة إلى التفاوض”، لافتا إلى أن “بعض القادة في الجيش يتلاعبون حاليا بالمصطلحات السياسية أكثر من تركيزهم على الجهود العسكرية”.
وذكرت الأمم المتحدة أن طرفي النزاع في السودان وصلا إلى جنيف للمشاركة في مفاوضات تقودها المنظمة الدولية بهدف التوسط لوقف محتمل لإطلاق النار من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتوزيعها وحماية المدنيين، مؤكدة أن طرفًا واحدًا فقط قد حضر في بداية المناقشات التي جرت الخميس.
وصرّح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في نيويورك بأن المحادثات في جنيف تمت بدعوة من مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة، وقال “للأسف لم يحضر أحد الوفدين الجلسة التي كانت مُجدولة الخميس، واجتمع لعمامرة وفريقه مع الوفد الآخر (الدعم السريع) كما كان مخططا له”.
وجرى ترتيب المفاوضات بين الجيش والدعم السريع في جنيف لتكون عبر لعمامرة وليس من خلال الاجتماع المباشر بينهما لتسهيل التوصل إلى تفاهمات تحقق هدف المفاوضات العاجل، المتمثل في تسهيل مرور المساعدات الإنسانية.
ويعد الجهد الذي تبذله الأمم المتحدة هو الأحدث في سلسلة من محاولات الوساطة التي قامت بها جهات متباينة، منها السعودية والولايات المتحدة ومصر وإثيوبيا وأوغندا وكينيا، فضلا عن الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، وجميعها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ودعا المتحدث باسم الأمم المتحدة الوفود السودانية إلى التفاعل بشكل إيجابي، وتحمل مسؤولياتها في مناقشات جنيف مع رمطان لعمامرة لصالح الشعب السوداني.
وبدأت محادثات برعاية الاتحاد الأفريقي بين قوى وشخصيات سودانية في أديس أبابا في العاشر من يوليو الجاري، ومن المزمع أن تنتهي في الخامس عشر من الشهر ذاته، لتقريب المسافات والتوافق حول أجندة تفضي إلى وقف الحرب وترتيبات لما بعدها. لكن غياب تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) عن المحادثات، بدعوى حضور محسوبين على نظام الرئيس السابق عمر البشير وعدم إعلان جدول أعمال واضح، يقلل من احتمال حدوث اختراق سياسي فيها.
وبجانب التنسيقية قاطعت اجتماعات أديس أبابا أيضا الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان برئاسة عبدالواحد نور، والحزب الشيوعي، وحزب البعث العربي الاشتراكي.