علي أحمد يكتب: “تِرِك” حرَّقَ.!!
علي أحمد يكتب: “تِرِك” حرَّقَ.!!
بإعلان ناظر قبيلة الهدندوة بشرق السودان (تِركْ) تنحيه عن العمل السياسي والعودة إلى وظيفته الأصيلة ذات الطابع المُجتمعي الأهلي، تطوى صفحة من سير كُبراء السودانيين الذين اسهموا في تخريب العمل السياسي وأخذ البلاد إلى حافة الهاوية ودفعها إلى ما هي عليه الآن من واقع مؤلم ومزرٍ .
لا شك، أن ناظر قبيلة الهدندوة التي تعتبر واحدة من أكبر قبائل الشرق وأشهرها، وهي محل احترام الجميع ومحبتهم، مثلها مثل نظيراتها في الشرق كالبني عامر والأمرأر والحباب والحلنقة والبشاريين وغيرهم، كان سيظل كبيرها ومحل ذات الاحترام والتقدير، لولا أنه انخرط في السياسة بطريقة فيها الكثير من المغامرة بسمعته ومكانته المجتمعية، حيث أساء بشكلٍ غير مسبوق إلى القبيلة والسياسة، ولعب أدوار قذرة يستنكف من القيام بها كبار القوم، حيث أسهم وفق خطط معدة من قبل الكيزان بدعم من الجيش (الاستخبارات) في تقسيم (البجا) واشعال فتنة لولا لطف الله لكانت قضت على الأخضر واليابس في شرق البلاد.
مارس “ترك” في فترة الحكومة المدنية الانتقالية السياسة على طريقة عُمال اليومية، وأصبح مُستخدماً دائماً وتحت الطلب من قبل فلول النظام السابق، وقد اعترف بنفسه بذلك في الفيديو الأخير – أمس الأول- الذي أعلن فيه استقالته عن العمل السياسي؛ معترفاً بأنه قد أسهم في تقويض المرحلة الانتقالية ومسيرة التحول المدني الديمقراطي والانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك، من خلال قطع الطريق الرئيسي الرابط بين العاصمة والميناء، وإغلاق الاخير، وخنق البلاد؛ في أسوأ لعبة سياسية غير أخلاقية في تاريخ البلاد السياسي.
أسوأ من ذلك إنه – أي ترك – وبأوامر وتنسيق مع مساعد البرهان الفاسد المأفون شمس الدين الكباشي – الأكثر عداء للحرية وللحكم المدني- فأطلق صبيته على السوشيال ميديا وانخرط هو بنفسه في حملات إعلامية مسيئة ذات طابع عرقي وعنصري ضد قبيلة البني عامر، كادت أن تعصف بالوئام والسلم الاجتماعي في جزء من السودان أكثر ما يميز أهله هو نزوعهم إلى العيش فيما بينهم ومع غيرهم بسلام ومحبة.
حسناً فعل الناظر ترك، أن قرر التنحي عن العمل السياسي وهو في هذا العمر، لعل الله يغفر له ما تقدّم من ذنوبه وما تأخر، ولعل في استقالته خير كبير لقبيلته التي أدخلها في مأزق كبير ووضعها في مواجهة الجميع، لولا أن الله قيض من بينها بعض من الحكماء، وهي تضم كثيرين منهم، رفضوا توجهه وعارضوا خطه ومشوا مع غيرهم بين مكونات الشرق المجتمعية بالحكمة والصبر فتمكنوا من تضميد الجراح وتفويت الفتنة التي كادت تغرق الشرق في أنهار من الدماء.
أعجب مافي الأمر، أن مستخدمي الناظر ترك، لم يقدموا له ولا لشعبه مقابل كل ما فعل في سبيل إعادتهم إلى السلطة، منصباً واحداً، لقد تركوه لما رضي أن يؤديه من أداور لا تليق بمكانته ومقامه، واستكثروا عليه وعلى أبناء قبيلته وظيفة متوسطة داخل دولتهم في (بورتكيزان)، وتعاملوا معه كما يليق التعامل مع كل مأجور ومرتزق، الشتيمة بدرهم، وقطع الطريق بريال والتحريض والكراهية بدينار! ..ولعبوا به حتى استنفد أغراضه وأصبح فائضاً لا حاجة لهم به الآن، بعد أن نفّذ لهم كل ما طلبوه مقابل أثمان رخيصة ودنيئة .
لقد كان الرجل يعمل دون وعي وبطريقة لا تتناسب مع ما عرف عن قادة الإدارات الأهلية من حكمة وتروٍ ومآثر وقيّم، في مقدمتها الحكمة وقلة الكلام وقلة الظهور في الإعلام، والامتناع عن الانخراط في السياسة بطريقة أركان النقاش التهريجية والدخول في تحديات وعنتريات مع الخصوم السياسي.
كل ما فعله الناظر ترك منذ إطاحة البشير وحتى تاريخ إعلانه تنحيه عن العمل السياسي كان مفارقاً للحكمة، لكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي، ولذلك أجدني داعم لقراره الأخير وحاثاً لجميع النظار وزعماء القبائل المختلفة في كل أنحاء البلاد الاقتداء به وحذو حذوه بإعلانات مماثلة ينسحبون من خلالها تماماً من العمل السياسي ويتفرغون لخدمة مجتمعاتهم المحلية فيما يتعلق بمجال اختصاصهم.