بيان السيادي هل ينسف محاولات ترميم العلاقة بين الجيش والإمارات؟
صلاح شعيب يكتب:
بيان السيادي هل ينسف محاولات ترميم العلاقة بين الجيش والإمارات؟
واضح أن محاولة الطرف الثالث لإحداث اختراق في العلاقة بين الجيش السوداني والإمارات قد تبوء بالفشل الذريع. فبرغم أنه لم يمر يوم على بيان الإمارات الذي أعلمنا عن تلقيها اتصالاً من البرهان – هو أشبه بالاعتذار في مضمونه بالنظر للتوقيت – حتى خرج ما يسمى مجلس السيادة الانتقالي ببيان تشتم فيه رائحة مكايدة للدولة الخليجية. فما نستشفه من خلال بيان السيادي غير الشرعي أصلا أن هناك جهات ضاغطة على البرهان – أو معنفة – حتى بدأ لنا البيان السوداني، وقد صدر ليحدث التسوية بينها والبرهان، والذي هو في وضع لا يحسد عليه. إذ تتكاثف عليه تحديات هزائم الجيش الأخيرة لدرجة بات الدعم السريع على مقربة من احتلال أجزاء من شرق السودان، حيث هي الولاية التي فضل اللجوء إليها عوضاً عن البقاء وسط جنوده المحاصرين في القيادة العامة، وأجزاء واسعة من العاصمة المثلثة.
بيان الدولة الخليجية بصيغته التي فاجأت المشهد السياسي جاء في أعقاب حديث متوتر، وموتور، لمساعد البرهان العطا. فالطريقة التي صدر بها هجوم المساعد على الشيخ محمد زايد تفتقر إلى أبسط مقومات اللغة الدبلوماسية، وذكرنا بلهجة البشير الحادة حين قال إن العالم تحت أرجله. ومن ناحية أخرى فإن تهور العطا لدرجة وصف زعيم دولة شقيقة للسودان بأنه “”الشيطان و”الصهيوني القذر” يدل على فقدان أعصاب حاد، وعدم حكمة ورشد سيكلفان جيشه المحاصر بالكثير من ردود الفعل الخفية، وما أكثر ردود الإمارات السابقة الموجعة التي صمتت على أذى تصريحات عطا الجيش.
والملاحظ أن البرهان ظل صامتاً تجاه العداء للإمارات طيلة فترة تصعيد الجيش، والإسلاميين ضدها، ومحاولة محاصرتها دبلوماسياً. وقد أورد مراقبون أن ما بين الرجل والإمارات أكبر مما أن يُدمر باتهامات غليظة، وإساءات صريحة، مثل التي احترفها العطا نزولاً إلى مناغمة عقل الاسلاميين، والذين لهم مغابن عدة تجاه الشيخ الإماراتي. فهو من ناحية بذل لاستئصال شأفتهم في الإقليم، وثانياً يرون أن الاتفاقات الإبراهيمية التي يتبناها إنما تهدف للسير عكس مخططاتهم التي تفضل المواجهة مع اسرائيل على طريقة حماس، وثالثاً يرون أنه يدعم إنهاء سيطرتهم على البلاد من خلال تدمير حلم العودة الدسمة للحكم، وذلك بإدعاء أنه يمول الدعم السريع منذ بدء الحرب.
ولذلك تأتي تصريحات العطا، والتي تدعمها دائماً صرخات تحميس من ضباط إسلاميين يقفون خلف سدة مخاطبته الجنود، متناغمة مع زمرة الكتائب الإسلامية أمثال البراءيين، وتحركات وزارة الخارجية التي يسيطر عليها بطبيعة الحال الإسلاميون. وأخيراً وليس آخراً تتوائم هذه التصريحات مع المنصة الإعلامية الواقفة بصلابة مع استمرارية الحرب، وخصوصاً أفرادها الذين يتخذون من قطر، وتركيا، مقراً لهم.
إن البيان الذي حمل توقيع السيادي رغب أن يتنفس الإسلاميون الكارهين للإمارات الصعداء مع حفظ ماء وجه البرهان. ذلك لكونه يؤكد في مضمونه أن البرهان هو الذي تلقى الاتصال خلافاً لماء جاء في البيان الإماراتي. ومن ناحية ثانية يهدف البيان إلى تاكيد أن البرهان كان يمتلك من الجرأة ما يدفعه لمواجهة محمد بن زايد، ونقل له اتهامات الجماعة الإسلاموية، ودعاة الحرب، وأيضاً قسم من المحايديين الآخرين بأن “السودانيين – وليس هو أو الجيش لديهم “شواهد كثيرة على دعم الإمارات للدعم السريع” وفقا للبيان.
والحقيقة أن البيان جاء كتسوية داخلية بين الفرقاء الداعمين للحرب، كونه منح البرهان فرصة ليبرز أمام السلطة الاماراتية بأنه مجرد ناقل لاتهامات، وليس هو منبعها طالما علقها على السودانيين، وفي ذات الوقت يحس الرافضون لخطوة الاتصال من جانبه أولاً، أو الإمارات، أن بيان الشيخ لم يكن أميناً، وتغافل في صيغته عن ذكر ما نقله له البرهان نصاً.
الواضح الأكثر أن تصريحات العطا الهمجية، ومواجهة الحارث للممثل الإماراتي في الأمم المتحدة بتلك الطريقة المتهيجة، ومحاولة تكذيب بيان السيادي للبيان الإماراتي، واستمرار الهجوم على موقف الإمارات من الحرب الدائرة، تمثل كل هذه المعطيات إعادة إنتاج للفشل الدبلوماسي للجيش، وما يسمى السيادي، ووزارة الخارجية. وهذا الفشل ليس بريئاً من الاستمرار في ذات نهج سياسة البشير السابقة، والتي تعتقد أن الدبلوماسية تعتمد على العضلات، والشتم، أكثر من كونها في عالم اليوم تعد أداةً هادئة لخفض الجفاء السياسي بين الدول مهما تعاظمت اختلافاتها.
فدولة الإمارات ما تزال تتلقى أسواقها المنتج من سبائك الذهب الحكومي، وبنوكها تعين البلاد وسط الأزمة، وإغاثتها تجاوزت المليارين من الدولارات، كما أنها تاريخاً وحاضراً ظلت أبوابها مفتوحة للسودانيين. وكذلك لم تقفل الإمارات أبواب التأشيرة لعدد هائل من مواطنينا، وما تزال تعاملهم دون تأثير بما جرى بينها وسلطة الأمر الواقع في بلادهم. ومصالح السودانيين في هذه الدولة الخليجية المؤثرة أكبر من أن تعرض للخطر نتيجة لمواقف عدائية، الأفضل منها هو الحوار الودي بين الجيش والقيادة الإماراتية. ذلك لحل الإشكال والتوصل لتفاهمات حلول وسطى، من بينها إيقاف الحرب. ذلك ما دام الجيش، ومؤيدوه، يرون أن الإمارات تعد الداعم الأكبر للدعم السريع، وهي نفسها كما نتابع تبدي رغبتها إعلامياً لحل أزمة الحرب.
ولكن يبدو أن للبرهان رأيا، بينما قسم آخر في كابينة قيادة الحرب يريدون مواصلة التصعيد سياسياً، ودبلوماسيا، وإعلاميا. واعتقد أن وضعية سلطة بورتسودان لا تملك القدرة على غذ السير بثبات في هذا الاتجاه، وإلا فهناك حاجة لانتصار إرادة البرهان لو صدقت في تغيير نهج المنازلة غير المحسوبة العواقب مع الإمارات، أو الاستسلام للإسلاميين، ودعاة مواصلة الحرب والاشتجار مع كل العالم. وربما يصبح الطريق الثالث – كما طالب إسلاميون – هو التخلص من البرهان من قبل مغامرين في كابينته، ومن سياسته التي تعتمد منذ حين على اللعب بالبيضة، والحجر.