عبد الرحمن البيشي .. «سترقد في كل شبر من أرض السودان».

185

عبد الرحمن البيشي .. «سترقد في كل شبر من أرض السودان»

إبراهيم مطر.. 

 

ليت أسماءَ تعرف أن أباها صعد

لا .. لم يمُت

هل يموت الذي كان يحيا

كأن الحياة أبد

وكأن الشراب نفد

وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد!

عاش منتصباً، بينما

ينحني القلب يبحث عما فقد.

 

والكلمات للشاعر “أمل دنقل” في واحدة من أشد لحظات الفقد عنده حزناً ومرارة، عند وفاة صديقه المقرب “يحي الطاهر عبد الله” في حادث سير بالقاهرة دون سابق إنذار، فأصابه ما يمكن أن يعرف بـ”تداعيات” الفقد الصادم”، والمفاجئ، والذي لم يكُ يوماً في الحسبان.

وعلى الرغم من أن ظلال الموت عادة ما تحوم حول المقاتلين، إلا إن رحيل قائد الدعم السريع الميداني الشهيد المقدم “عبد الرحمن البيشي” كان حالة خاصة، فقد مثل “البيشي” رمزاً لقوات الدعم السريع، وكانت قسمات وجهه صالحة كعنوان لثورة السودانيين المسلحة، رداً لعدوان إخوان الشياطين في الخامس عشر من أبريل، ونصرة لجموع السودانيين الصابرة لسنوات، على خبث الحركة الإسلامية وخبائثها، فكان إلى الرمز والمعنى، أقرب من عبارات الحضور والغياب، وما جرت عليه سنة الكون.

جاهر الشهيد البيشي في لحظات حرب الفلول الأولى بموقفه منها إلى جانب الشعب السوداني، فحمل لواء الدعم السريع في أشد ساعات المعركة أهمية، والغرف الإعلامية للفلول تباشر حملتها ضد الدعم السريع – مع ساعة الصفر – في صبيحة الخامس عشر من يونيو، وفق إعداد مسبق ومحكم لشيطنة الدعم السريع، وتخوين كل من ينتمي إليه أو يتعاطف – مجرد تعاطف – معه من المدنيين.

وكان للبيشي – أحد مؤسسي قوات الدعم السريع – معركة أخرى مع فلول النظام البائد من كهول الحركة الإسلامية، حينما نشطوا – بصورة خاصة – في تخوين قادة الدعم السريع من جهات جغرافية بعينها بصورة أكثر تركيزاً، “كونهم لا ينحدرون من إثنيات غرب السودان”، في حرب “الإخوان” الخبيثة، التي لا تستنكف أن تستخدم العنصرية البغيضة فيما تستخدم من أسلحة. لكن البيشي وقف في وجه موجة الكراهية الأولى هذه – والتي كانت هي الأعنف – شامخاً، واثقاً من سلامة موقفه، وعازماً على دفع كل ما يكلفه من أثمان، ليستحق عن جدارة لقب البطل المقاتل، والذي دك كثيراً من حصون الحركة الإسلامية، وفرق جمعها قبل أن يلقى ربه شهيداً، بعد أن أوصى بتحرير سنار من دنس الإخوان.

وها هي الأرض تضيق ببطولة الفارس “عبد الرحمن البيشي”، فيصعد إلى ربه شهيداً، ويتحول إلى رمز من الرموز الوطنية، وملهماً لقادمين من بعده، أجيالاً ستتحدث عن ذلك الآتي من أواسط السودان، ليكتب اسمه في دفاتر التاريخ تحت عنوان:(المقدم الذي هزم الجنرالات، وكشف عورة نياشينهم الذهبية المعلقة “زيفاً” على الصدور).

بقامة وطن كان “البيشي”، بشجاعة فارس، ونُبل سوداني أصيل. جسدت مواقفه التمسك بالقيم السودانية الكريمة، الكرم والشهامة، والعفو عند المقدرة، و”كان عند السودانيين وجيها”.

كان البيشي هو وجه الدعم السريع الذي يعجب الزراع ويغيظ الأعداء، وكانت إطلالته تكفي كإعلان صارخ عن قومية قوات الدعم السريع التي تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم، وكان إيمانه بقضيته شعلة من نار، يقتبس منها المقاتلون سواء السبيل.

رحم الله الشهيد البطل القائد “عبد الرحمن البيشي” بقدر ما قدم لوطنه وشعبه، وعطر ذكره في العالمين.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *