محلل سياسي: إصرار الجيش على تنفيذ اعلان “جدة” هي كلمة حق يراد بها باطل، والاتفاق لا يؤثر على الوضع العسكري والسياسي والأمني والقانوني للطرفين.

148

بلو نيوز الإخبارية: وكالات —

استمر رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان في التأكيد على أنه لن يدخل في مفاوضات سلام مع قوات الدعم السريع إلا بعد تنفيذ اتفاق جدة. وقد أظهر الجيش السوداني جديته في هذا الأمر من خلال مقاطعته الفعلية لمباحثات مع قوات الدعم السريع التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية وتستضيفها مدينة جنيف السويسرية في هذه الأيام.

ما هي اتفاقية جدة؟ ولماذا يتمسك قادة الجيش بتنفيذها قبل بدء أي محادثات للسلام؟

في 11 مايو من العام الماضي، وبعد شهر من بداية الحرب، توصل الجيش وقوات الدعم السريع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بفضل وساطة مشتركة من السعودية والولايات المتحدة في مدينة جدة، والذي أُطلق عليه إعلامياً اسم إعلان جدة.

الاتفاق يتلخص في مبادئ وافق عليها الطرفان التي تتيح مرور المساعدات الإنسانية، وتم توقيع هدنة، إلا أنه لم يتم الالتزام بها في ذلك الوقت، مع تبادل الاتهامات بين الجانبين بانتهاكها.

وأكد الإعلان على أهمية حماية المدنيين، وتوفير المساعدات الإنسانية للمتضررين، وعدم وضع عوائق أمام العاملين في المجال الإنساني، فضلاً عن عدم التدخل في هذه العمليات وحماية العاملين بها.

في اليوم الرابع عشر من نفس الشهر، عُقدت جولة ثانية من المفاوضات بين الطرفين بمشاركة وسطاء جدد وهم منظمة الإيغاد، ولكن لم تدم طويلاً بعد انسحاب وفد الجيش، الذي اتهم قوات الدعم السريع بعدم مغادرة منازل المواطنين والمرافق المدنية.

أعلنت الوساطة تعليق المفاوضات، بعد أن أعربت عن أسفها لعدم قدرة الطرفين على التوصل إلى اتفاقات لتنفيذ وقف إطلاق النار في هذه الجولة، مشددة على أنه “لا يوجد حل عسكري لهذا النزاع”.

لكن المفاوضات استؤنفت في 25 أكتوبر لمناقشة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ووقف إطلاق النار، وإجراءات تعزيز الثقة بين الجانبين.

وأشير إلى الجهتين في الاتفاق وهما القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وليس الحكومة السودانية.

السؤال الطبيعي هو عن مدى التزام الحكومة السودانية بهذه الاتفاقية التي تُلزم كلا الطرفين – الجيش وقوات الدعم السريع – بتنفيذ بنودها بشكل متزامن.

يعتقد الكاتب الصحفي محمد لطيف في حديث لقناة بي بي سي أن تمسك الجيش بتنفيذ نتائج اتفاقية جدة هو إدعاء صحيح يهدف إلى تحقيق أغراض غير مشروعة قائلا ” إصرار الجيش على تنفيذ مخرجات اتفاقية جدة هي كلمة حق يراد بها باطل.” .

قال لطيف إن الاتفاق كان مجرد تفاهمات غير مكتملة، ويحتاج إلى مزيد من النقاش والتشاور، مشيرًا إلى أن الحكومة السودانية تسعى للمناورة وكسب الوقت فيما وصفه بـ “التسوق في المبادرات”.

يتساءل لطيف: لماذا انخرط الجيش في مفاوضات المنامة مع الدعم السريع إذا كان مصمماً فقط على منبر جدة؟ “لقد شارك الجيش في مناقشات المنامة، والآن يعلن أنه سيتواجد في مباحثات في القاهرة.”

كما أُشير إلى أنه تم دعوته من قبل الوسطاء عدة مرات لاستئناف المفاوضات في جدة، لكنه رفض الذهاب بالرغم من موافقة قوات الدعم السريع على ذلك، وفقاً لما ذكره لطيف.

استضافت العاصمة البحرينية، المنامة، في 20 يناير/كانون الأول الماضي مباحثات سرية بين الجيش وقوات الدعم السريع.

شارك الطرفان – للمرة الأولى – بوفدين رفيعين، حيث مثّل الجيش نائب القائد العام الفريق شمس الدين الكباشي، بينما مثّل الدعم السريع نائب القائد الفريق عبد الرحيم دقلو.

الاتفاق الذي صدر عن اجتماع المنامة أطلق عليه اسم “وثيقة أسس الحل الشامل للأزمة السودانية”، وتضمن التأكيد على ضرورة التوصل إلى حلول للأزمة من خلال حوار سوداني-سوداني، بهدف تخفيف معاناة الشعب السوداني وملاحقة المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك الرئيس المخلوع عمر البشير.

تم إجراء جولتين من المفاوضات، وقبل بدء الجولة الأخيرة لتوقيع الاتفاق النهائي، انسحب وفد الجيش دون توضيح الأسباب.

قرارات غير ملزمة:

بعد انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات واستمرار الاشتباكات بين الطرفين، أصدر البرهان قراراً يقضي بحل قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى إعفاء قائدها الفريق محمد حمدان دقلو من منصبه كنائب لرئيس مجلس السيادة.

يرى لطيف أن إعلان جدة لا يؤثر على الوضع القانوني والسياسي للطرفين، وبالتالي فإن قرار البرهان يواجه هذه المشكلة.

تشير إحدى فقرات إعلان جدة إلى أنه “ندرك أن الالتزام بهذا الإعلان لن يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقعة، ولن يكون مرتبطًا بالمشاركة في أي عملية سياسية”.

يقول لطيف: “ستكون هذه الفقرة مشكلة للجيش؛ لأنها تعطي شرعية لقوات الدعم السريع وكذا لقائدها الفريق دقلو، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة.”

لو كنت في مكان الجيش، لما تمسكت بهذه الاتفاقية على الإطلاق.

كما ادلى نفس المحلل تصريحات لجريدة العربي الجديد حول ذلك حيث يعتقد المحلل السياسي محمد لطيف أن ما حدث في منبر جدة هو توقيع على وثيقتين، الأولى هي إعلان جدة والثانية هي اتفاق جدة، الذي يحتوي على تفاصيل تتعلق بالتزامات محددة يجب على كل طرف الالتزام بتنفيذها.

أكد لطيف أن إعلان جدة “صدر دون أي التزامات أو تفاصيل، ويقوم على مجموعة من المبادئ التي تهدف أساساً إلى حماية المدنيين وتأمين حركتهم، بالإضافة إلى إبعاد العمليات العسكرية عن المناطق المدنية. وهذا موجه لكلا الطرفين وليس لطرف واحد فقط، وجميع هذه المبادئ مستمدة من القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع.”

وأضاف لطيف لصحيفة “العربي الجديد” أن “إصرار الجيش والحكومة ومؤيدي الحرب على تنفيذ إعلان جدة هو إصرار خاص ناتج عن تفسيرهم للإعلان بطريقتهم الخاصة، حيث يرون أن الإعلان يوجب على الدعم السريع مغادرة منازل المواطنين”.

وأوضح أن هدف هذا التفسير هو “تحقيق مكاسب سياسية واستمالة مشاعر الناس وإيهامهم بأن هناك اهتماماً بمصالح المواطنين، رغم أن ما يُقال غير موجود في الإعلان”.

وأشار إلى أن “تخيّلهم الخاطئ يدفعهم للاعتقاد بأن العالم سيلزم الدعم السريع بالانسحاب من جميع المدن والاحتفاظ بمعسكراتهم خارجها، مما يجعل هذه المعسكرات سهلة للإيقاع”.

واصل محمد لطيف حديثه قائلاً: “إذا اعتُبر الإعلان كاستنتاجات ونصوص، فإن الجيش ليس له أي مصلحة فيه، لأن هناك نصاً افتتاحياً ينص على أن هذا الإعلان لا يؤثر على الوضع العسكري والسياسي والأمني والقانوني للطرفين، مما يعني أن الدعم السريع بعد توقيع اتفاق جدة يحتفظ بكل وضعه كقوة نظامية تم تأسيسها بقانون أُقر في عام 2017 من البرلمان، وله مشاركة سياسية تتمثل في أن قائده هو نائب رئيس مجلس السيادة”.

مشيراً إلى أن المستفيد الأساسي من إعلان جدة هو الدعم السريع.

وأوضح المحلل السياسي أن “السبب وراء عدم تنفيذ إعلان جدة هو غياب آلية واضحة للتنفيذ. حتى أن قوات الدعم السريع اقترحت تشكيل لجنة مشتركة برعاية دولية لمراجعة أوضاع منازل المواطنين، لكن الجيش رفض ذلك. علاوة على ذلك، فقد قاطع الجيش منبر جدة لعدة أشهر، مما عطل الوصول إلى اتفاق بشأن آليات التنفيذ.”

بعد اتفاق جدة، يشير محمد لطيف إلى وجود نص ينص على إعادة اعتقال رموز النظام السابق الذين تم الإفراج عنهم من السجون، وهو نص يتجاهله مؤيدو الحرب.

وأكد أن “وثيقتي إعلان جدة لا يمكن تجاهلهما في مفاوضات سويسرا، لأن الدعوة الأميركية تعتمد أساسًا على حماية المدنيين وتسيير المساعدات الإنسانية، وهما الأساس في منبر جدة”، مشيرًا إلى أن نجاح جنيف يعتمد كليًا على منبر جدة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *