الحقيقة والمصالحة .. لماذا رفضت الحركة الإسلامية اتفاق المنامة؟ 

65

الحقيقة والمصالحة .. لماذا رفضت الحركة الإسلامية اتفاق المنامة؟ 

إبراهيم مطر.

الناظر لاتفاق المنامة الموقع في العشرين من يناير الماضي، بين الجيش وقوات الدعم السريع فيما عرف بـ”وثيقة مبادئ وأسس الحل الشامل للأزمة السودانية”، تصيبه الحيرة والدهشة من تردد الجيش في القبول به، والشروع في تنفيذه بصورة فورية، بافتراض أن من مصلحة الجيوش الوطنية الواضحة والتي لا لبس فيها، الحفاظ على البلاد من الانهيار، ومن تطاول أمد النزاعات، ومما حل ويحل بالمواطنين من مصاب. لكن الجيش السوداني الواقع في شراك علاقة تكافلية مع الحركة الإسلامية التي أشعلت الحرب ابتداءً، وبعد أن اشترط سرية المفاوضات، ووقع على مخرجاتها نائب قائده شمس الدين كباشي بالأحرف الأولى، عاد ليتنصل عن كل ما تم التوقيع عليه، ورجع الكباشي مرعوباً للسودان، ليطلق عبارات التهديد والوعيد، ويبشر باستمرار الحرب حتى آخر جندي عاثر الحظ، بحسب تعليمات الحركة الإسلامية.

وكان من الممكن أن يطوي السودان صفحة هذه الحرب في يناير الماضي، لو أن الجيش مضى قدماً في تنفيذ اتفاق المنامة، كونه أقر وحدة السودان أرضاً وشعباً، وكذلك سيادته على أرضه وموارده ومجاله الجوي وبحره الإقليمي، وأن تكون المواطنة المتساوية هي الأساس في الحقوق والواجبات، كما أقر ضرورة المعالجة الشاملة للأزمات التراكمية التي حدثت في السودان منذ الاستقلال بما يجعل حرب 15 أبريل آخر حروب البلاد، وأن يكون الحكم في السودان مدنياً ديمقراطياً، يختار فيه الشعب من يحكمه عبر انتخابات حرة ونزيهة ،بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

ونص اتفاق المنامة الموقع عليه بالأحرف الأولى بواسطة الكباشي وعبد الرحيم دقلو على أن تكون الدولة غير منحازة، وأن تقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات، وأن تعترف بالتنوع والتعدد وتعبر عن جميع مكوناتها بعدالة، وتتبني نظام الحكم الفيدرالي، الذي يقوم على الاعتراف بالحق الأصيل لجميع الأقاليم والمناطق السودانية في إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والثقافية، لا سيما على المستوى المحلي.

وبموجب الاتفاق يتم بناء وتأسيس جيش واحد مهني وقومي يتكون من جميع القوات العسكرية “القوات المسلحة، قوات الدعم السريع، وحركات الكفاح المسلح” ولا يكون له انتماء سياسي أو أيدلوجي يراعي التنوع والتعدد ويمثل جميع السودانيين في كافة مستوياته بعدالة وينأى عن السياسة والنشاط الاقتصادي، وأيضاً بناء وتأسيس القوات الأمنية “الشرطة، جهاز المخابرات العامة” بصورة تضمن كفاءة ومهنية وقومية ومدنية هذه الأجهزة وعدالة توزيع الفرص في كافة مستوياتها بين السودانيين، فما الذي نقمت الحركة الإسلامية وقياداتها من الفقهاء القتلة، من إسكات صوت البنادق وإتاحة الفرصة للمواطنين في العودة لمدنهم وقراهم ليتمكنوا من دفن أحزانهم والنظر باتجاه المستقبل؟

وقضى اتفاق المنامة بتأسيس وإعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية بما يضمن الكفاءة والمهنية والقومية وعدالة توزيع الفرص في كافة مستوياتها بين السودانيين، وتطوير وتحديث الجيش المهني والقوات الأمنية بعد اكتمال البناء والتأسيس، وتطبيق مبدأ محاربة خطاب الكراهية والعنصرية والاتفاق على حزمة إصلاحات قانونية تبني سياسات تعزز التعايش السلمي وقبول واحترام الآخر، وكذلك تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 في كافة مستويات الدولة، والالتزام بالعدل والشفافية وسيادة حكم القانون، واعتماد العدالة الانتقالية التي تشمل المحاسبة والحقيقة والمصالحة وجبر الضرر والإصلاحات المؤسسية، والالتزام بالعمل السياسي السلمي وتجريم كافة أشكال العنف والتطرف أو الخروج عن الشرعية الدستورية وتقويض التحول الديمقراطي والقبض على الفارين من السجون عند بداية الحرب، وكذلك انتهاج سياسة خارجية متوازنة تلبي مصالح البلاد العليا وتدعم السلم والأمن الإقليميين والدوليين وتقوم على حسن الجوار ومحاربة الإرهاب، وتيسير مثول المطلوبين والذين صدرت بحقهم أوامر قبض من المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عنحوار وطني شامل للوصول إلى حل سياسي بمشاركة جميع الفاعلين (مدنيين وعسكريين) دون إقصاء لأحد عدا حزب المؤتمر المحلول والحركة الإسلامية التابعة له وواجهاته بما يؤدي لانتقال سلمي ديمقراطي.

كان اتفاق المنامة هو المخرج للجيش السوداني للتحرر من علاقته التكافلية مع الحركة الإسلامية، وأن يضع البلاد في طريق المستقبل لكنه اختار طواعية أن يظل رهينة لقيادات مجرمة من التنظيم الإخواني تعمل بسياسة الهروب إلى الأمام، والابتزاز بالحرب، إذ نص الاتفاق على رفع المعاناة عن المواطنين بصورة تضمن انسياب المساعدات الإنسانية والإغاثة وتهيئة الظروف الملائمة للعمل الإنساني، ومعالجة الكارثة الإنسانية والاقتصادية وآثارها الاجتماعية وكل قضايا المتضررين، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، لكن قيادة القوات المسلحة فضلت علاقتها التكافلية هذه مع الحركة الإسلامية، والقتال نيابة عنها حتى نهاية الشوط، ليشاركها المآل والمصير المحتوم في التلاشي والزوال.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *