سيناريو التصعيد القادم .. هل تنجح الحركة الإسلامية في تقسيم السودان؟

66

سيناريو التصعيد القادم .. هل تنجح الحركة الإسلامية في تقسيم السودان؟

لؤي قور ..

“طريقنا معبد نحو تقسيم البلاد”، قال السكرتير الإعلامي لرئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية المنقلب عليها، مبدياً ملاحظة مهمة، وهي أنه وبالرغم من الشكل الظاهري الذي يوحي باتفاق وتناسق المواقف بين الوسطاء في مباحثات جنيف، إلا أن الخلاف بينهم كبير. وتشير العبارة إلى حجم التعقيد الذي تمر به الأزمة السودانية، خاصة بعد أن وضعت “الحركة الإسلامية” – التي تدير الجيش السوداني حالياً – العقدة في المنشار.

قال المبعوث الأمريكي للسودان توم بريلو يائساً من إشفاق الجيش الإخواني على ما يحيق بشعبهم من دمار: “إنهم يحتاجون للحرب من أجل العودة للسلطة”. “They need war in order to return to power”.

دفع الجيش الوسطاء والمجتمع الدولي للتعامل معه والدعم السريع “كلاً على حدة”، ما يعني عملياً التعامل مع إدارتين للبلاد، وكثيراً ما جاء ذكر حكومة الأمر الواقع التي يقودها الجيش كـ”حكومة بورتسودان”.

وفي واقع يسيطر فيه الدعم السريع على مساحة جغرافية أكبر من تلك التي يسيطر عليها الجيش، يعلن قائد الجيش “عبد الفتاح البرهان”، أن الحرب ستستمر حتى يخرج الغزاة من السودان! وفي المقابل قال أحد مستشاري قائد قوات الدعم السريع: “تعنت الجيش وإعاقته للحلول السلمية، قد يدفعنا لإعلان حكومة في الخرطوم”، فهل نمضي نحو سيناريو التقسيم؟ وما موقف القوى المدنية كطرف ثالث في هذه الحالة؟

بالرجوع لحديث السكرتير الإعلامي لـ”حمدوك”، والذي حضر المؤتمر الصحفي للبيان الختامي، فإن للطرفين متعاطفين بين الوسطاء، شهدوا عزوف الجيش عن التعامل بجدية مع مفاوضات وقف العدائيات وتوصيل المساعدات الإنسانية في العاصمة السويسرية، وشهدوا كذلك على قصف الطيران “العرقي” لمنازل المواطنين والمستشفيات في دارفور، ولم تخرج “جنيف” سوى بمكاسب ضئيلة، هي فتح ثلاث مسارات لإيصال المساعدات، أوقفت الحركة الإسلامية انسيابها بقرار لاحق، يضع اشتراطات للسماح بمرورها.

كانت مباحثات جنيف شاقة إذن، ومضنية، ومعقدة بطريقة فريدة بعد غياب ممثلي الجيش عنها، واكتفت القوات المسلحة بالتواصل مع الوسطاء عبر الهاتف، وما إن طلب الأمريكان من الجيش إرسال وفد إلى القاهرة لاستجلاء موقفه بشأن رفضه الحضور لقاعة التفاوض، حتى جهزت الحركة الإسلامية “أبو نمو” لإرساله، في رسالة واضحة بأنها تنوي إفشال كل ما يمكن أن يؤوي إلى وقف أصوات البنادق، وهو الشيء الذي دفع المبعوث الأمريكي للتأكيد على حاجة الحركة الإسلامية وواجهاتها للحرب، من أجل العودة للسلطة على الجثث والجماجم.

وجاء خطاب البرهان بالأمس حربياً تصعيدياً مغلقاً يفتح الطريق لخيار واحد هو استمرار الحرب، ومحاولة ترسيخ مفهوم كونها حرباً “وجودية” ضد غزاة، تنتهي بإفناء قوات الدعم السريع “ولو استمرت مائة عام!” باعتبار أن الخيار الثاني الذي طرحه هو استسلام الدعم السريع، وهو ما يعلم جيداً، أنه في قائمة المستحيلات.

تقلصت سلطة البرهان وزمرته حتى صار من المتعارف عليه أن تدعى بـ”حكومة بورتسودان” في عناوين الأنباء وفي الصحف، وأصبح المواطنون من غرب السودان يطلقون تحذيرات على وسائط التواصل الاجتماعي من محاولة دخول بني جلدتهم للسودان عبر بورتسودان، حيث القتل على الهوية وأحكام الإعدام بالتهم الملفقة، والتي تستهدف الرزيقات والمسيرية، ومن ساء حظه من الناشطين في المطابخ الجماعية وشؤون الناس. قال لي أحد مؤيدي الجيش: “قتلوا أخي في الخرطوم ولم يستطيعوا دفنه سوى أمام باب المنزل، لن نستطيع العيش مع هؤلاء، ولا بد من استئصال قوات الدعم السريع”، ولم تدر امرأة أتى بها المخاض إلى عنبر الولادة في مستشفى الضعين ما الذي يحدث، حتى قضت هي وطفلها جراء غارة جوية للجيش، ومن خلف الاثنين كان خطاب الكراهية الماكر يتصاعد من غرف الفلول الإعلامية.

وعلى الجانب الآخر ألمحت قوات الدعم السريع إلى أن صبرها لن يستمر على مراوغة البرهان وحركته الإسلامية طويلاً، بحسب ما فهم من خطاب قائدها قبل الأخير، والذي أعرب فيه عن رفضه السماح لـ”جنرالات مرعوبين”، بالتحكم في مصير السودانيين. ويسيطر الدعم السريع على مساحة جغرافية هي أكبر بالضرورة من تلك التي يسيطر عليها الجيش، وبكثافة سكانية هي الأكبر أيضاً مقارنة ببقية المناطق، وما من سبب يمنعها من تشكيل حكومتها في الخرطوم، والمضي قدماً باتجاه إرساء دعائم دولتها بالتواصل مع المجتمع الإقليمي والدولي من أجل الحصول على اعتراف، وفتح سفارات لها في الدول الصديقة، ومحاولة حل مشكلة غارات “بورتسودان” الجوية، باستجلاب منظومات دفاع جوي قادرة على حماية المدن من الطيران، وإعادة التوازن بتكوين سلاح طيران فاعل قادر على الصمود أمام طيران الحركة الإسلامية، والوصول لتفاهمات تتيح للإثنيات المختلفة في السودان المشاركة في الإدارات المدنية بالتوافق بين المجموعات السكانية، وهو ما يحدث حالياً في عدد من الولايات منها جنوب وشرق دارفور والجزيرة.

البرهان يبحث عن اعتراف دولي بالحركة الإسلامية وواجهاتها كسلطة في بورتسودان، وقد مضى في هذا الاتجاه لحد تحدي المجتمع الدولي، وإحراج حليفته مصر بحادثة “أبو نمو”، ويلمح إلى إمكانية قبوله بمبدأ تقسيم السودان حيث ذكر في خطابه: “لن نقايض الخرطوم بالفاشر”، ولما لم يكن ثمة حديث عن المقايضة، فلا سبيل لفهم عبارات البرهان إذا قورنت مع جزمه بأن لا يكون للدعم السريع مكان في مستقبل في السودان، سوى أنها دعوة صريحة للتفاوض حول التقسيم.

ستضطر تنسيقية القوى المدنية للتحرك من موقفها الحالي بعد أن أغلق الجيش عليها كافة الطرق والمنافذ، وليس من المستبعد أن تشكل التنسيقية “حكومة منفى”، بغرض نزع الشرعية عن حكومة بورتسودان كما اقترح رئيس حركة العدل والمساواة “سليمان صندل”، وكذلك “الهادي ادريس” في مؤتمر تقدم التأسيسي بأديس أبابا، والذي انعقد في مايو الماضي. ستجبر الأحداث الأطراف السودانية على التحرك للأمام، ولن تجد خياراً سوى العمل معاً من أجل حصر أضرار الحركة الإسلامية، في الولايات التي تسيطر عليها في الشرق والشمال.

حفظ الله السودان وشعب السودان.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *