اتفاق “المنامة” .. لماذا قطع الجيش يد “الكباشي”؟.
اتفاق “المنامة” .. لماذا قطع الجيش يد “الكباشي”؟.
الصادق سالم ..
عندما تقرأ “وثيقة مبادئ وأسس الحل الشامل للأزمة السودانية” الموقعة في العاصمة البحرينية المنامة، في ٢٠ يناير ٢٠٢٤م، بين الفريق أول شمس الدين كباشي، والفريق عبدالرحيم دقلو، سيقفز إلى ذهنك سؤال بديهي، لماذا تراجع الجيش عن هذه الوثيقة الممتازة، بعد التوقيع عليها بالأحرف الأولى؟! صحيح هذه ليست المرة الأولى التي تتراجع فيها القوات المسلحة، الممثل الشرعي التاريخي للدولة القديمة، عن التزاماتها، فالتاريخ القريب والبعيد، يخبرنا الكثير عن مثل هذه الممارسات.
لكن الغريب هذه المرة، أن هذه الوثيقة التي عالجت من حيث المبدأ، معظم القضايا سبب الحروب. جاءت في وقت أحوج ما يكون لها الجيش نفسه، الجيش الغارق في فضائحه وانهياراته، والذي يحتاج إلى مساومة يحفظ بها ماء وجهه، ومع ذلك تلاعب بهذه الفرصة وأهدرها، ليعود ويستدعِ بطريقة مضحكة، اتفاقية أخرى، تمت منذ الشهر الثاني للحرب، وبلا آليات تنفيذ او مراقبة -جدة الأولى- ويتحاشى مع سبق الاصرار، ذِكر وثيقة المنامة، التي تجاوزت اتفاق جدة من حيث القيمة والمضمون.!
فإذا عرفنا أن الجيش أبتداءً، كان قد طلب بأن تكون مفاوضات المنامة سرية، ذلك سيساعدنا في استكشاف السبب الحقيقي، وراء تراجعه المخجل عن ما وقع عليه، لماذا قدم وفد الجيش بقيادة الجنرال كباشي، هذا الطلب الغريب؟! ذلك لأنه يعرف بأنه يحتاج أولاً لاتفاقات داخلية مع أكثر من مركز للقرار في بورتسودان، وربما جاء إلى المنامة دون ان يخطر كافة المراكز بهذه الخطوة، وإذا عرفنا أن أقوى هذه المراكز التي يحتاج الكباشي ومجموعته إلى أخذ موافقتها هي الحركة الاسلامية، فسنعرف إذاً لماذا لم يعد الجنرال المسكين إلى المنامة مرةً أخرى، واكتفى برسالة للوسطاء، مفادها أن طائرتة التي يفترض أن تقله إلى هناك، أصابها عطل ولن تستطيع التحليق.
في المنامة، بعد الاقرار بوحدة السودان أرضاً وشعباً، أقر نائب القائد العام للجيش، من بين أشياء أخرى، وبصورة حاسمة، ضرورة بناء وتأسيس جيش جديد، قومي ومهني، ينأى عن السياسة والنشاط الاقتصادي، بالاضافة إلى بناء وتأسيس القوات الأمنية الأخرى -الشرطة وجهاز المخابرات- وذلك قطعاً ليس محل ترحيب عند سدنة الدولة والنظام القديمين. ثم أقر كذلك، فيدرالية الدولة وفق نظام مدني ديمقراطي، وعدم انحيازها، بحيث تكون على مسافة واحدة من الجميع باديانهم وهوياتهم وثقافاتهم المختلفة، وهذا وحده كفيل بأن يصيب عصابة بورتسودان بالجنون. وفي خاتمة المطاف أقرت الوثيقة الموؤودة، ضرورة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ في كافة مؤسسات الدولة. وهو ما جعل عودة الكباشي إلى المنبر لاستكمال ما تبقى من الاتفاق، مهمة مستحيلة.
من الواضح أن جنرالات الجيش وحلفائهم، الذين اشعلوا الحرب في الخامس عشر من أبريل، مصممين على الاستمرار فيها إلى النهاية، رغم فشل كافة تدابيرهم، غير آبهين بمعاناة الملايين من السودانيين. ذلك ما ينبغي على الناس معرفته وفهمه، وبالتالي فان السلام لن يأتي من خلالهم، وان الطريق الأقصر لايقاف هذا النزيف، هو اخضاع هذه العصابة، ومن ثم تجريدها من أي امتياز سلطوي تحاول الاختباء خلفه. وهذه مهمة كل من يبحث عن ويعمل على وقف الحرب.