تقرير بعثة تقصي الحقائق .. هل يقتفي البرهان خطى البشير في تحدي المجتمع الدولي؟
بلو نيوز الإخبارية: راينو-
وكأن السيناريو يعيد نفسه، وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان يصنع من نفسه نسخة من الرئيس المعزول “عمر البشير” وقصر السلطة يتصدع أمامه، بتعنته وإصراره على عدم الجدية في وضع حد للحرب التي تهدد مستقبل البلاد، وضع البرهان نفسه أمام مواجهة مع المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، متجولاً بين روسيا والصين وإيران، بأمر الحركة الإسلامية. وعلى خلفية ذلك، ونظراً للانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الشعب السوداني نتيجة الحرب، جاءت توصيات البعثة الأممية لتقصي الحقائق في السودان التي تعتبر مؤشراً خطيراً، لتطورات الأوضاع، والحرب في البلاد.
توصية البعثة:
طالبت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، بنشر قوة محايدة لحماية المدنيين في السودان دون تأخير، وأوصت البعثة بحظر الأسلحة، وإرسال قوة لحفظ السلام من أجل حماية المدنيين.
ووضعت توصيات البعثة الأممية، المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية امام تحدٍ أخلاقي، بدعوتهم للتحرك العاجل لوضع حد لمأساة انسانية لم تحدث من قبل.
تقدّم ترحب:
تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” التي تقود حراك داخلي وخارجي من أجل وقف الحرب في السودان، رحبت بما ورد في تقرير بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة. وقال بيان صادر عن تنسيقية تقدم “إننا إذ نشيد بالجهد الذي بذلته البعثة في توثيق هذه الجرائم، فإننا نجدد موقفنا الثابت والمتسق بإدانتها إدانة مغلظة ودعوتنا بضرورة محاسبة المنتهكين وإنصاف الضحايا، وجبر الضرر الذي حاق بملايين المدنيين العزل.”
وأضاف البيان: “إننا في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” نؤكد على دعمنا لكل التدابير التي تقود لإنهاء الحرب وحماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وتحقيق العدالة وانصاف الضحايا وعدم إطالة أمد الحرب، وهي قضايا ذات أولوية وقد أثبت التقرير الحجم الواسع للانتهاكات ضد المدنيين مما يعلي من أهمية اتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذه الجرائم والتصدي لها”، فيما وقعت عدد من منظمات المجتمع المدني على وثيقة تطالب بتمديد عمل بعثة تقصي الحقائق في السودان.
اجتماعات دول الجوار:
وفيما يتعلق بطبيعة الإجراء يقول الصحفي والمحلل السياسي “طاهر المعتصم” إن ما قامت به بعثة تقصي الحقائق، ما يزال حتى الآن في طور التوصيات، وهي ليست ملزمة. وأشار في حديث لـ”راينو” إلى أن ذات التوصيات ستعرض في اجتماع مجلس الأمن في العاشر من سبتمبر بالتزامن مع اجتماع آخر لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، واستدركً: “لكن وحتى بعد طرح البيان على مجلس الأمن للتصويت عليه، لن يتم ذلك إلا بموافقة الدولة، وربما يدعم الاتحاد الإفريقي هذه التوصيات”.
وكشف “طاهر” عن اجتماعات متواصلة تعمل عليها دول الجوار لوضع حل لهذا الأمر، الذي يعتبر بداية لتدخل أجنبي على الأرض.
إرادة شعبية وطنية:
وقال القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي والقانوني “وجدي صالح”: “على الرغم من أن المشهد معقد بتداخلاته الإقليمية والدولية، علينا أن نتعامل بجدية مع هذه التوصيات التي خلصت إليها اللجنة.”
وأضاف صالح في تدوينه على صفحته الشخصية بموقع “فيس بوك”، إنه يجب عدم التعويل بشكل أساسي على المجتمع الإقليمي والدولي في إيقاف الحرب والانتهاكات والجرائم التي ترتكب في ظلها كعامل أساسي، وزاد: “بل علينا التعويل على فرض رؤيتنا وإرادتنا الوطنية المناهضة لهذه الحرب، من خلال رؤية واحدة تتوافق عليها كل القوى الوطنية المناهضة للحرب، وبناء جبهة شعبية واسعة تعبر عن تلك الإرادة الموحدة. نطالب المجتمع الإقليمي والدولي كقوى داعمة أساسية، لدعم تلك الإرادة الشعبية الوطنية، وإلا ستفرض علينا جميعا حلولاً لا تعبر عن إرادتنا، ولا تحقق مصالحنا الوطنية حتى وإن أوقفت الحرب، وإنما تعبر عن مصالح القوى التي أوقفتها.
ضوء أخضر:
وفي ذات الاتجاه يرى المحلل السياسي “محمد فضل علي”، أن تقرير بعثة تقصي الحقائق بالسودان ما يعني أن الولايات المتحدة تقود تحركاً دولياً للانقلاب على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والإخوان المسلمين في السودان، وذهب “فضل” أبعد من ذلك وقال إنه “وعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة قد اعطت بعثة تقصي الحقائق الدولية في السودان الضوء الأخضر لبداية العملية، لكي تعطي هي بدورها الضوء الأخضر للمحكمة الجنائية الدولية، لضمان تدخلها لحماية مشروع الحماية الدولية للمدنيين في السودان، بردع وملاحقة كل من يعترض علي مشروع الحماية الدولية، وكل من يهدد العملية باي طريقة من الطرق، وستطول قائمة المطلوبين للعدالة الدولية”.
تدخل خارجي:
تحليلات كثيفة تكتنف الواقع المحلي عقب اصدار تقرير البعثة الذي تم اختزاله في تدخل دولي لحماية المدنيين، ولعل أبرز ردود الافعال جاءت من “الفلول” وأتباعهم داخل المؤسسة العسكرية والامنية، فأصدرت ما تعرف بقوات العمل الخاص، تصريحات تهدد فيها باستهداف اي قوات تدخل السودان، فيما تحدث وزير خارجية حكومة الامر الواقع من بورتسودان قائلاً أن تلك التوصيات، “لا تسوي شيئاً”.
وذهبت تحليلات أخرى إلى أن التقرير نفسه، هو بمثابة ضغط على الجيش والفلول للجلوس والتفاوض، ويعد حصاراً لمساحات المناورة التي يستغلونها للتهرب من استحقاقات السلام في ظل هزيمتهم على الأرض وسيطرة الدعم السريع على ما يقارب الـ80% من السودان. ويذهب أنصار تلك الرؤية إلى القول بأن الايام المقبلة ربما تشهد تصعيداً عسكرياً منقطع النظير، بحسابات أن الجيش وفلول النظام الُمباد يدركون أهمية التوقيت، خصوصاً قبل التصويت على التوصية الأممية، ومن ثم محاولة تحسين ميزان القوى على الأرض. وعلى الجانب الثاني يدرك الدعم السريع – بحكم تقدمه استخباراتياً وسياسياً – ما يخطط له النظام وجيشه، وبالتالي سيعمل على افشال مثل تلك المخططات، مثلما أفشل مخطط مهاجمة المصفاة، بالمبادرة ومهاجمة معسكر حطاب.