مزمّل أبوالقاسم والدّعم السّريع .. أبَا هندٍ فلا تعجلْ علينا.!!
مزمّل أبوالقاسم والدّعم السّريع .. أبَا هندٍ فلا تعجلْ علينا.!!
ما الذى لم يفهمه الصّحفىّ مُزمّل ابوالقاسم؟ لم يفهم أنْ ليس له حقّاً فى احتكار شعار الهلال، أو المريخ. هذه نقطة غاية فى البساطة. لا تعقيدَ فيها. لكنّه يعجز عن فهمها، بمثلما يعجزُ عن فهم مصطلح (دولة 56). والواقع أنّه سيستغلق عليه أكثر فهم هذا المصطلح. وحين اختار الوقوف مع الجيش، فى حرب 15 أبريل، اختار المعركة الخطأ. كان يمكنُه أنْ يكتفىَ بوجوده وسط الجوقة. ثمّة توصيف ظريف وضعه زميلٌ صحفىّ يقيمُ فى قطر، هو “بنات الجيش”. يقصدُ به مجموعة الصّحفيّات المدافعات عن الجيش فى “معركة الكرامة”. كان يمكنُ لمزمّل أنْ يكتفىَ بوجوده ضمن جوقة “بنات الجيش” ويردّد الموّال الظريف: (الدّعم السّريع قَتَلة..نهّابون..ما بشر..ما سودانيين..اغتصبوا الحرائر..مرتزقة). ومن حين لآخر، يجودُ عليه ضابطٌ عظيم بسبق صّحفىّ.
لماذا قلتُ ذلك؟
حسناً…
كتبتُ معلّقاً على استهجانه ارتداء “قميص الهلال” من قبل أحد الدّعّامة. وقلتُ الرّجل يخلط حقولاً عديدة، فى سياق توسّله للدّفاع عن “الوطنيّة” والجيش. سأغضُّ الطّرف عن اللغة التى يكتبُ بها. فهو – كما وصف سيّد الخطيب، الطّيّب مصطفى – (من الذين رذُلت اللغة الصّحفيّة على يديه، أيّما رذالة). وإذْ لا يملكُ مزمّل حقّاً – أصليّاً، أو اعتباريّاً – فى احتكار تشجيع الهلال، أو المريخ، وبالتّالى ارتداء قميصيهما، فما كتبه لا يعدو أنْ يكون لغواً. لنفترض أنَّ الدّعم السّريع قرّر أنْ يرتدىَ، جميعه، فانلات فريق الهلال، فما الذى فى وسع مزمّل أنْ يفعله؟ هذه معركة الخواء. لكنَّ الرّجل لا يملكُ أدواتٍ لخوض معركة مفهوميّة أكبر. يعتقد أنَّ مثل لغوه الذى نشره، سيرفع “الحسّ الوطنىّ”، ويحسم جدلاً شائكاً.
ولأنَّ جهازه المفهومىّ أشبه بأجهزة “بنات الجيش”، فقد ربط دفاعه عن “قميص الهلال” ب (دولة 56). ومرّةً أخرى، أخذ صورة البروفايل من صفحتى على فيسبوك، ونشرها على صفحته، يرجونى أنْ أنزع “الكسكتة”، وأرتدى “الكدمول”، لأنَّ “الكسكتة” من (مخلّفات دولة 56). الشيئ الذى أثبتَ أنَّ عدّته المفاهيميّة لا تسعفه ليفهم المصطلح، وبالتّالى ليفهم الحرب التى (شرّدته وأفقدته ممتلكاته).
شايف كيف؟
يتصوّرُ مزمّل – مثله مثل “بنات الجيش” – أنَّ مصطلح “دولة 56” يعنى (الشماليّة، نهر النّيل، الشّرق، الجزيرة، النّيل الأبيض، وإلى حدٍّ ما، شمال كردفان، والمجتمعات التى تعيش فيها). ومثله مثل البلابسة، يتصوّر أنَّ (كلّ الوجود الحداثىّ) فى السّودان هو ملكٌ لهذه الدّولة. لذلك يطلب خلع “الكسكتة”. هل أشرحُ له المسألة؟ هل سيفهمها؟
لم تقُمِ الحربُ من أجل القضاء على دولة 56. هذا بدهىّ. ولا يملكُ جنود الدّعم السّريع الذين يقاتلون – إلّا من رحم ربّى – تصوّرات واضحة لدولة 56. بل أغلبهم لم يسمع بها. ولا يخصُّه تخليط مزمّل أبوالقاسم هذا. لكنَّ الرّجل يريدُ أنْ “يتفنّن”. لربّما قرأ ذلك فى بعض أعمدة د. عبد الله على إبراهيم، أو سمع المصطلح فى ندوة غشيها، صدفة. لا من مكان آخر. قطع شكّ. إذْ يُعَدُّ ضرباً من المستحيل أنْ يكون قد وقع عليه عند خالد الكِد، فى كتاب “الأفنديّة”، أو عند صّدّيق أمبدى فى “بَلم المتعلّمين”، أو أحد أسفار منصور خالد. لو شرحَ له أحدٌ انتفاء العلاقة الشّرطيّة بين دولة 56 ونهر النّيل والشماليّة، “سيجوط”. هذا مؤكّد. كما لو انّك ستشرح له النّظريّة النّسبيّة. فأىّ تصوّر أبعد من “قميص الهلال” سيستغلق عليه. لذلك لم يفهمِ الحرب.
النّقطة الثالثة التى استعصتْ عليه هى : الجيش يدمّر البنيّة التحتيّة والمنشآت. سيردّد – مثل “بنات الجيش” – أنَّ (الجيش لو دمّر البلد دى كلّها عشان يقضى على المليشيا، نحنا موافقين). لماذا يفعلُ الجيش ذلك؟ لماذا يدمّرُ البلد، ليقضىَ على المليشيا؟ أليس هناك من سبيلٍ آخر؟ هل يتحتّم على الجيش أنْ يفعلَ ذلك، لا سيّما وأنّه قطع شوطاً فى التّدمير؟ ولماذا تعجزُه المليشيا، أصلاً؟ لماذا ينسحب من حامياته ورئاسات الفرق؟ لماذا يلجأ إلى تشاد وجنوب السّودان، مهاناً ذليلاً؟ لماذا يتمُّ حصاره فى الفاشر؟ الأبيّض؟ بابنوسة؟ كوستى ربك؟ سنّار؟ لماذا تضربُ طائرةٌ مسيّرة احتفالاً لتخريج الضبّاط فى “جبيت” يشهدُه القائد العام؟ ليكتبَ مزّمل و “بنات الجيش” : (نجاة البرهان من محاولة اغتيال)..ويفرح البلابسة بالنّجاة كانتصار عظيم؟
تلك ليست أسئلة مزمّل. فأفق الرّجل هو أفق “بنات الجيش”. لا يستطيعُ أنْ يذهب إلى أنَّ الأسئلة هذه من شأنها أنْ تقود إلى حتميّة حلّ الجيش – الرّاقد سلطة دا – وبناء جيش جديد على أسسٍ جديدة. كما ستفعل هذه الحرب فى الحياة السّودانيّة. ستقوم حياةٌ – بالطّبع – بعد الحرب – لكنْ على أسسٍ جديدة. لذلك قلتُ إنَّ (البكاء على عفش بيتى، عربيتى، دهب مرتى)، وإغفال الأسئلة الجوهريّة، هو الدّليل على أنَّ السّودانيين لم يفهموا الحربَ، بعدُ.
“قَتلة، مرتزقة، عنصريين، حاقدين، سرقونا، اغتصبونا الحرائر – لا أحد يقول اغتصوبوا بنتى – بالطّبع. والكثير من الأوصاف التى يمكنك إلصاقها بالدّعم السّريع. هل تغيّر الوضع الماثل أمامَك؟ لا يمضى أحدٌ ليطرح – فرضاً أنّهم حاقدون – : لماذا يحقدون علينا؟ لماذا يختلفون عنّا؟ ما الذى فاتنا، طوال هذه السنين؟ لذلك يتخبّطُ البرهان وعلى كرتى والجميع. يجرون إلى “الشمّاعات” الجاهزة. وبالضّرورة ستجرى “بنات الجيش” مثقلاتٍ، فاتناتٍ، مبديات من الدّلال غرائباً، وسيجرى معهنّ مزمّل أبوالقاسم.
شايف كيف؟
لقد اجتهدَ الرّجلُ فى نفىّ عبارتى بأنّه “منسوب لصلاح قوش”. يقسمُ – وأنا أصدقه – أنّه لم يلتقِ قوش إلّا مرّتين. وذلك بعضُ حسن ظنّ الرّجل بنفسه. يظنُّ أنَّ صلاح قوش سيوظّفه، كفاحاً. لكنّهَ يخدم – ضمن آخرين – خطّ الرّجل. يتمُّ توظيفه فى نّطاق ضيّق، نظراً لقدراته التى لا تتعدّى “قميص الهلال”. وما كلُّ ما يُعرَف يُقَال..ولا كلُّ ما يُقَالُ آن أوانُه..ولا كلُّ ما آنَ أوانُه حضرَ أهلُه..أو كما قال الإمام جعفر الصّادق، عليه السّلام.
شايف كيف؟