“نائب” بورتسودان العام .. ومغالطة “وأنت أيضاً”.!!

7

“نائب” بورتسودان العام .. ومغالطة “وأنت أيضاً”.!!

أ. لؤي قور

مما يدعو للحيرة والدهشة والعجب في زمان ما بعد الدهشة، وبعد أن شاهد السودانيون بأم أعينهم بقر البطون وجز الرؤوس وأكل لحوم الضحايا على يد قوات الجيش المسيس، هو أن تتهم الحركة الإسلامية “ممثلة في نيابة بورتسودان”، القوى السياسية المدنية في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية بالإبادة الجماعية، وتقويض النظام الدستوري!

ومبعث هذه الحيرة هو إعلان نائب حكومة بورتسودان العام “الفاتح طيفور”، عن عزمه محاكمة قادة تنسيقية القُوَى الديمقراطية المدنية “تقدم”، وفي مقدمتهم رئيس هيئة قيادتها ورئيس الوزراء السابق “عبد الله حمدوك” غيابياً، حال تعذر مثولهم أمام القضاء، بذريعة التعاون مع قوات الدعم السريع، وإصداره أوامر قبض بحقهم، بل وقام بتقديم خطاب رسمي للانتربول، للمطالبة بالقبض عليهم.

وسرعان ما تحدث القانونيون السودانيون “من ذوي الوزن الثقيل” فأفصحوا، وأبانوا بأن التهم “سياسية”، وتفتقر للشرعية القانونية. بل وتشي بجهل نائب حكومة بورتسودان العام، بأبسط القواعد القانونية المتعلقة بعمل الإنتربول. إذ وصف الخبير القانوني “المعز حضرة” في مقال له، تصريح النائب العام بـ”العجيب والغريب”، لعدم توفر أي بينات أو وقائع أو أفعال قام بها هؤلاء السياسيون المتهمون، سوى مطالبتهم بإيقاف الحرب. وكشف “حضرة” عن أن النائب العام لا يعلم أن الانتربول ووفقاً للماده”3″ من اتفاقية تكوينه، لا يتدخل في القضايا ذات الطبيعة السياسية أو الدينية او العسكرية، ولا يعلم كذلك أن قانون النيابة العامة لسنة “2017”، جعل النيابة العامة جهة مستقلة، ولا علاقة لها بالسلطة التنفيذية.

ولما كان فساد الإخوان قد نخر في عظم البلاد لثلاثة عقود بحيث كان المستشار القانوني لمصلحة الأراضي في واحدة من نجوع السودان راسباً في امتحان ممارسة مهنة المحاماة “المعادلة”، فمن المنطقي أن يتولى جاهل بالقانون منصب النائب العام، بحيث لا يتمكن من فهمه، أو أن يفسره على هواه. لكن اتهامات نائبـ”هم” العام هذه، تنبئ عما تخبئه الحركة الإسلامية خلفها من مآرب.

من العسير أن يفرق الإنسان اليوم بين الجيش السوداني وكتائب “البراء بن مالك”، أوالحركة الإسلامية، لكن ليس من العسير أن يتبين المرء أن اتهامات نائب حكومة بورتسودان العام للقوى المدنية لا تعدو كونها محاولة فاشلة، لاستخدام المغالطة المنطقية المعروفة بمغالطة “وأنت أيضاً”، ولا من الصعب معرفة أن الحركة الإسلامية تمضي بلا كلل في محاولات طفولية ساذجة، لمحو تاريخها الإجرامي الموثق في السودان، فتتهم القوى الديمقراطية المدنية المنقلب عليها في الخامس والعشرين من أكتوبر في العام 2021، والتي دخلت السجون عقب الانقلاب، بأنها هي من قوض النظام الدستوري في البلاد! و بتهم جنائية كذلك، تتضمن حتى الإبادة الجماعية! وهو ما يخرج بالأمر من إطار الجدية بالكامل، ويحعلك تذهب إلى أن الحركة الإسلامية – ومن فرط إفلاسها – تمخض فكر قادتها فولد فأر مغالطة منطقية أكل الدهر عليها وشرب، ولم تتعد الاتهامات كونها محاولة من الحركة الإسلامية للإفلات من العقاب، مع ملاحظة أنهم فشلوا حتى في استخدام المغالطة بشكلها المألوف، على الرغم من بؤسها حينما يتعلق الأمر بالإقناع”

فأما عن تقويض النظام الدستوري، فيقول التاريخ القريب والموثق إنها تهمة وجهت للمخلوع البشير، وسبعة وعشرين آخرين من المتهمين بتدبير انقلاب يونيو 1989، كان أبرزهم نائبه السابق “علي عثمان محمد طه”، ومساعده “نافع علي نافع”، وأمين حزب الترابي “علي الحاج محمد”، والوزير السابق “عوض أحمد الجاز” وآخرون، وأن جلسات المحاكمة فيها بدأت في الحادي والعشرين من يوليو للعام 2020، ولن تستطيع الحركة الإسلامية تغيير هذه الحقيقة التاريخية، ولو أطلقت آلاف الاتهامات، وأنفقت المليارات من مال الشعب المنهوب.

وأما عن الإبادة الجماعية فقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في الثاني عشر من يوليو للعام 2010 ، مذكرة القبض الثانية بحق المخلوع البشير بتهمة “الإبادة الجماعية”، بعد إضافتها إلى لائحة التهم الموجهة ضده، على خلفية ارتكابه جرائم حرب في دارفور. وقالت الدائرة الابتدائية بالمحكمة حينها، أن هناك أسباباً وجيهة للاعتقاد بأن البشير “مسؤول عن ثلاثة جرائم للإبادة الجماعية في دارفور ضد قبائل الفور والمساليت والزغاوة”، بما في ذلك الإبادة عبر القتل، والأذى الجسدي والعقلي ،وتعمد فرض أسلوب حياة بهدف تدمير تلك المجموعات. وطالبت المحكمة الدولية بتسليمه هو و”أحمد هارون” و”عبد الرحيم محمد حسين” و”على كوشيب”.

بقي أن نقول أنه إذا أرادت الحركة الإسلامية أن تتملص من جرائمها، وأن تقارع القوى السياسية المدنية بالحجة والقانون، فعليها فعل أكثر من مغالطة “وأنت أيضاً” – التي لا تنفي التهمة عنها وإن صدقت في افترائها – وأن تحاول أن تأتي بأدلة أكثر تماسكاً ومعقولية، وهو بطبيعة الحال من أبعد المستحيلات. حفظ الله السودان وشعب السودان.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *