جرائم “الحرب” في السودان .. أبعادها إقليمية ودولية.
جرائم “الحرب” في السودان .. أبعادها إقليمية ودولية.
الاستاذ بهرام أبوعلي..
يشهد السودان أزمة إنسانية متفاقمة نتيجة للصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ومن أبرز الجرائم التي ترتكب في هذا الصراع، الحملة الجوية العنيفة التي يشُنها سلاح الجو السوداني على مناطق واسعة من البلاد، لا سيما في إقليم دارفور. تستهدف هذه الحملة المدنيين والبنية التحتية المدنية بشكل مباشر، علما بأنها لا تشهد مواجهات عسكرية نشطة او مباشرة مما يرقى إلى جرائم حرب وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني.
تتجاوز الغارات الجوية السودانية مجرد أعمال عنف عشوائية، بل تشير الأدلة إلى وجود استهداف ممنهج للمدنيين. يتم اختيار الأهداف المدنية بدقة، مثل الأسواق والمستشفيات والمدارس والمساجد، مما يزيد من الخسائر في الأرواح المدنية. كما يلجأ سلاح الجو السوداني إلى استخدام أسلحة محرمة دوليًا، مثل البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية، مما يزيد من حجم الدمار والخسائر البشرية. بالإضافة إلى ذلك، يفرض سلاح الجو حصارًا جويًا على مناطق بأكملها، مما يمنع وصول المساعدات الإنسانية ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
تتركز الغارات الجوية بشكل كبير على مناطق معينة، لا سيما في إقليم دارفور، بحجج بينة تدل علي ان كل من يقطن تلكم المناطق يجب إبادته لأنه يمثل الحاضنة الاجتماعية لقوات الدعم السريع و ان صح زعمهم فهذا هو اكبر دليل على إدانتهم قانونياً و اخلاقياً بتهمة الإبادة الجماعية . مع العلم بان ثلث سكان السودان يقطنون في هذه المساحة( و التي يقدّر حجمها بحجم فرنسا ) هذه المجموعات العرقية ظلت مبعدة من قوالب الدولة السودانية طوال تأريخها محرومةً من ابسط استحقاقاتها الخدمية . هذا الاستهداف الانتقائي يشير إلى وجود عنصر عرقي في الصراع، مما يزيد من خطورته وتعقيده . كما يلاحظ أن قيادة الجيش السوداني، التي يسيطر عليها الإسلاميون، تنحدر من عرقيات محددة، وتُتهم بممارسة التمييز ضد العرقيات الأخرى، خاصة في إقليم دارفور و كردفان و النيل الأزرق و البطانة.
يلعب الإسلاميون دورًا محوريًا في هذا الصراع، حيث يسعون لاستعادة نفوذهم بعد الإطاحة بهم في ثورة ديسمبر. وقد استغلوا الخلافات القائمة بين المكونات العسكرية لتعميق الانقسامات وتقويض جهود بناء الدولة المدنية. كما استخدموا الخطاب الديني التحريضي لتعبئة أنصارهم، مما ساهم في تأجيج الصراع.
تتجاوز تداعيات الحرب في السودان حدود الدولة السودانية، لتؤثر بشكل كبير على الاستقرار الإقليمي والدولي. من أبرز هذه العواقب:
هناك خطر حقيقي من امتداد الصراع إلى دول الجوار، خاصة مع وجود ميليشيات مسلحة وعناصر متطرفة يمكن أن تستغل الفوضى وتنقل الصراع إلى مناطق أخرى.
تهديد الاستقرار الإقليمي: يؤدي استمرار الصراع إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، ويشجع على نشوء وتصاعد التوترات العرقية والدينية، مما يهدد بتقويض جهود بناء السلام والتكامل الإقليمي.
زيادة تدفق اللاجئين والنازحين: تتسبب الحرب في نزوح أعداد كبيرة من المدنيين داخل السودان وإلى دول الجوار ، مما يضع ضغطًا كبيرًا على الموارد والبنية التحتية لهذه الدول كما يرفّع وتيرة الهجرة الغير شرعية الي دول الاتحاد الأوروبي عبر البحار .
تسهيل انتشار الإرهاب: يستغل التنظيمات الإرهابية الفوضى الناتجة عن الحرب للتوسع ونشر أفكارها المتطرفة، مما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الدولي.
المسؤولية الجنائية الدولية الأفعال التي يرتكبها سلاح الجو السوداني تندرج تحت تعريف جرائم الحرب، وفقًا للمحكمة الجنائية الدولية والقانون الدولي الإنساني. يتحمل قادة الجيش السوداني المسؤولية الجنائية عن هذه الجرائم، سواء كانوا أصدروا الأوامر مباشرة أو فشلوا في منع ارتكابها. يجب تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة، وذلك لردع مرتكبي مثل هذه الجرائم في المستقبل وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
يجب فرض حظر طيران شامل على السودان لوقف الغارات الجوية العشوائية وحماية المدنيين.
كما يجب تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة ومحايدة للتحقيق في الجرائم التي ترتكب في السودان، وتقديم تقرير مفصل عن نتائج التحقيق.
و يجب فرض عقوبات على المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم، وعلى الدول التي تدعمهم.
مع العمل على تقديم الدعم للمجتمع المدني السوداني والمنظمات الحقوقية التي تعمل على توثيق الانتهاكات وتقديم المساعدات الإنسانية. ثم العمل على إيجاد حل سياسي شامل للأزمة السودانية، يضمن انتقالًا سلميًا للسلطة وإقامة دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان.
إن الحرب في السودان تمثل تهديدًا خطيرًا للاستقرار الإقليمي والدولي، وتتطلب تضافر الجهود الدولية لمواجهتها. يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته وأن يتخذ إجراءات حاسمة لوقف العنف، وحماية المدنيين، وتحقيق العدالة.