من ملاعب كرة القدم إلى ساحات المعارك .. محاولة سرقة انتصار المنتخب.!!
من ملاعب كرة القدم إلى ساحات المعارك .. محاولة سرقة انتصار المنتخب.!!
منعم سليمان.
بقدر ما أسعدني انتصار منتخبنا القومي لكرة القدم على منتخب غانا أمس، في إطار التصفيات المؤهلة لبطولة الأمم الأفريقية القادمة، أحزنني بنفس القدر محاولة تجيير هذا النصر من قِبل من أشعلوا الحرب المدمرة في بلادنا لصالحهم، وتصوير الأمر وكأنه انتصار للفلول وكتائبهم وميليشياتهم.
إن ربط الرياضة بالسياسة، كما حاولوا وحاول محللهم الرياضي بقناة الجزيرة الأخرق “هيثم مصطفى”، ذلك الأجوف من أي تعبير والخالي من أي حس رياضي أو وطني، والذي ظل يمثل بنا متأتئًا على شاشة القناة – كعادة خبرائهم (الجاكوميين) – لا يستطيع التفوه بجملة واحدة مفهومة، بأي لهجة أو لكنة عربية كانت، إذ ظل طوال فترة التحليل يطنطن بلغته غير المفهومة عن انتصار منتخبنا وكأنه انتصار للكيزان وكتائبهم العسكرية، الذين عزّ عليهم تحقيق الانتصار في ميادين المعارك، وها هم يبحثون عنه في ملاعب كرة القدم، محاولين سرقة انتصار المنتخب الذي تحقق بعرق وبسالة اللاعبين وخطط مدربهم البارع الغاني الجنسية، الذي يُفترض أن يتعلموا من وجوده كمدرب لمنتخب يلعب ضد منتخب بلده الأصلي وينافسه وينتصر عليه، بأن التنافس الرياضي لا علاقة له بساحات الحروب، ولا هو مجال للتشدق بالوطنية.
إن اللعب على العاطفة الشعبية واستغلال الرياضة بهذا الشكل غير الرياضي وخلطها مع ما يجري في البلاد وربطها بالولاءات والأجندات السياسية، ومحاولة سرقة نصر المنتخب القومي لصالح طرف من أطراف الحرب وتصويره وكأنه انتصار للجيش الذي انقلب على سلطة الشعب وحطم آماله وحاضره ودمر مستقبله، لهو أمر مؤسف ومخزٍ وجريمة في حق الشعب والرياضة والوطن!
إن أكثر ما يحتاجه الشعب في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد حالياً بسبب الحرب المدمرة التي أشعلها من يحاولون سرقة فرحة الشعب الآن، هو لحظات من الفخر بأنفسهم ووطنهم تخفف عنهم رهق المعاناة ووعثاء اللجوء والتشرد، ولكن للأسف، ها هم من كانوا سببًا في معاناتهم يحاولون استغلال هذا النصر الرياضي العظيم لتوجيه رسائل سياسية وعسكرية، وتصويره وكأنه انتصار حربي للمليشيات والكتائب الإسلامية، الأمر الذي يطمس الفاصل بين السلم والحرب وبين الرياضة والسياسة، ويشوه القيمة الحقيقية للإنجاز الرياضي الذي تحقق.
إن محاولة ربط انتصارات المنتخب العظيمة الأخيرة بالجيش الذي هزم البلاد وأجهض أحلام شعبها، بالإضافة إلى كونها جريمة كبرى بحق الرياضة، فإنها أيضًا تهدف إلى محاولة تغييب الشعب وإحباطه وتخذيله وتهميش دوره وكفاحه من أجل الحرية والعدالة. إن بلادنا، التي يتهددها الآن خطر الانقسام المجتمعي، بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى وحدة كافة أطياف المجتمع، وليس إلى ما يقسمه ويمزقه أكثر مما هو فيه. وهذه هي مهمة الرياضة التي ينبغي أن تكون مجالًا للوحدة الوطنية، وليس أداة لإضفاء شرعية على من لا شرعية لهم، من الذين يحاربون من أجل عودة سلطة (الكيزان) الاستبدادية واستدامة حكمها!
يجب احترام فوز منتخبنا والاحتفاء به ووضعه في قالبه الصحيح باعتباره إنجازًا رياضيًا يخص كافة أفراد الشعب، لا علاقة له بالجيش أو الدعم السريع، فهو إنجاز يفرح له الشعب بمختلف فئاته واختلافاته، ويمنحهم لحظات من السعادة والفخر يجب أن تُستغل كفرصة للوحدة وتضميد الجراح ولمّ لحمة الوطن، وجعل هذه المناسبة فرصة لتجاوز الخلافات السياسية ونبذ الفرقة والجهوية والعرقية والعمل على وقف الحرب، وقد سبق وأوقف اللاعب الليبيري الدولي “جورج ويا” الحرب الأهلية في بلاده بمناشدة منه لأطراف الحرب أثناء مباراة لمنتخب بلاده، وليس كما تفعل كتائب الإسلاميين داخل الجيش وخارجه، التي قتلت الشعب ودمرت ثورته وبلاده وشردته وأحزنته، وها هي تحاول سرقة فرحته في وضح النهار بلا حشمة، ودون أدنى حياء أو خجل!
لكن ما جعلني مطمئنًا أكثر ويفترض أن يجعلهم أكثر حزنًا وقلقًا، هو ما شاهدته من كواليس فرحة ما بعد المباراة، حيث كان جميع لاعبي المنتخب يرقصون فرحاً بعد الانتصار على أنغام أغنية نيجيرية باللغة الإنجليزية، تُعد واحدة من أفضل عشر أغاني حاليًا في قائمة موسيقى “الأفروبيت” Afrobeat، وهي لمن لم يسمع بها موسيقى أفريقية تُعتبر الأكثر انتشارًا في العالم الآن.
وهي موسيقى ثورية عاطفية، أسسها الموسيقي النيجيري/السنغالي الثائر “فيلا كونتي” في ستينيات القرن الماضي، كشكل من أشكال المقاومة ومناهضة الاستعمار والديكتاتوريات والحكومات العسكرية المنحرفة، قبل أن تتطور تقنيًا وقيميًا لاحقًا وتصبح أداة لتحدي كافة أشكال القيود المجتمعية والتمرد عليها. ولكن الذين حاولوا سرقة الانتصار أغبياء لا يفقهون ولا يسمعون. أليس اللاعب “سيف تيري”، نجم مباراة الأمس، هو أحد الثوار الذين اعتقلتهم كتائب الظل وجهاز أمنهم إبان الثورة، ولفّق له (كيزان) المجلس العسكري تهمة حرق قسم شرطة (التكامل) بالحاج يوسف في 7يونيو 2019؟ قبل أن يتم إطلاق سراحه من سجن كوبر بعد ضغط هائل من جماهير الثورة، وكان لي شرف أن أكون أحدهم.
إنه جيل الثورة .. جيل البطولات والانتصارات.