“السودان” على مفترق طرق .. تغيير العملة أم تقسيم الدولة؟

110

بلو نيوز الإخبارية: صحيفة إدراك –

 

المقدمة:

أعلنت حكومة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ممثلة في بنك السودان المركزي من مقرها في بورتسودان، عن قرار تغيير العملة السودانية للفئات الكبيرة، خاصة فئتي 1000 و500 جنيه، في خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات حول توقيتها ودوافعها. وبرر البنك المركزي القرار بالأوضاع الأمنية المتدهورة في البلاد منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، وعمليات النهب التي تعرضت لها مقار البنك المركزي ومطابع العملة في العاصمة الخرطوم.

ورغم مرور 19 شهراً على بدء الحرب، تأتي هذه الخطوة وسط انقسام سياسي كبير، مما أثار الشكوك حول أهدافها الحقيقية وانعكاساتها على المواطنين والاقتصاد بشكل عام.

خلفية القرار وأسبابه المعلنة:

أوضح بنك السودان المركزي، في بيان رسمي أصدره أمس آلأول 11 نوفمبر، أن القرار جاء استناداً إلى سلطاته وفق قانون 2002، وسعيه لحماية العملة الوطنية وتثبيت استقرارها. وأشار البنك إلى أن عمليات النهب أدت إلى انتشار كميات كبيرة من العملات المقلدة وغير المطابقة للمواصفات، مما زاد السيولة النقدية وأدى إلى ارتفاع الأسعار.

كما أعلن البنك عن إطلاق ورقة نقدية جديدة من فئة 1000 جنيه، إلى جانب إجراءات لتسهيل إيداع الفئات القديمة في الحسابات المصرفية وفتح حسابات للمواطنين غير المتعاملين مع البنوك للاستفادة من خدمات الدفع الإلكتروني. وحدد البنك فترة قادمة لإيقاف التعامل بالطبعات الحالية من العملة، مما يستدعي من المواطنين إيداع العملة القديمة في حساباتهم.

ردود الفعل:

أثار القرار ردود فعل متباينة بين الأطراف المعنية. وفي حين اتهمت حكومة بورتسودان قوات الدعم السريع بأنها وراء عمليات النهب التي طالت البنوك ومطابع العملة، قالت قوات الدعم السريع أن الجيش السوداني هو الذي يقف وراء تلك الأحداث، خصوصاً مطابع صك العملة التي قالت ان الجيش هاجمها في وقت مبكر من العام الماضي ونهب أموال نقدية وذهب.

“قالت قوات الدعم السريع أن الجيش السوداني هو الذي يقف وراء تلك الأحداث، خصوصاً مطابع صك العملة التي قالت ان الجيش هاجمها في وقت مبكر من العام الماضي ونهب أموال نقدية وذهب”

ويشير مراقبون إلى أن حكومة بورتسودان لجأت إلى طباعة كميات كبيرة من العملة السودانية دون غطاء نقدي من جهات مجهولة في الفترات الماضية عقب الحرب، مما أدى إلى ضغوط على الاقتصاد. كما وجه اقتصاديون أصابع الاتهام إلى دولة مصر، قائلين بأنها ظلت تقوم بطباعة عملة سودانية مزيفة وتستخدمها لشراء منتجات سودانية عالية القيمة مثل الذهب والمواشي والمنتجات الزراعية السودانية العضوية التي تلقى رواجاً في الأسواق العالمية وتدرّ أرباحاً عالية لمصر.

موقف قوات الدعم السريع:

اعتبرت قوات الدعم السريع في بيان لها أمس الأحد القرار بأنه “خطوة تمهيدية في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه”. وأكدت أنها لن تسمح بتمرير أجندات الدولة القديمة، ودعت السودانيين إلى رفض القرار وعدم إيداع أموالهم، وعدم التعامل بالعملة الجديدة.

وشدد بيان قوات الدعم السريع على أن قرار بنك السودان المركزي بتغيير العملة في ظل الانهيار الشامل بالبلاد واختلال النظام المصرفي وتعطله في غالب الولايات لا يستند إلى مسوغ قانوني، وتبطله نظم الحماية المالية للأفراد في ظل الكوارث والحروب، ويبقى محض تهور اقتصادي لتحقيق أهداف سياسية معلومة.

تأثير القرار على المواطنين والتحديات المصاحبة:

أثار القرار تساؤلات حول مدى واقعيته وإمكانية تطبيقه، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع والتي لا توجد فيها بنوك عاملة. إذ عبر مواطنون من تلك المناطق عن قلقهم إزاء كيفية استبدال العملة القديمة في ظل عدم وجود فروع للمصارف تعمل في مناطقهم بسبب الحرب، مما يفاقم من معاناتهم، لاسيما في ظل تحديات التنقل في هذه الظروف والمخاطر المرتبطة بنقل كميات كبيرة من الأموال عبر ولايات السودان.

“عبر مواطنون من تلك المناطق عن قلقهم إزاء كيفية استبدال العملة القديمة في ظل عدم وجود فروع للمصارف تعمل في مناطقهم بسبب الحرب”

وأشار خبير اقتصادي إلى أن القرار يتسم بطابع سياسي، إذ يتجاهل معاناة غالبية الشعب السوداني الذين يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة، خصوصاً في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وأضاف أن حكومة بورتسودان لا ترى السودان سوى في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش، وهي مناطق لا تتجاوز ربع مساحة البلاد، وتشمل الشمال والشرق وأجزاء من الوسط والعاصمة الخرطوم، بينما يسيطر الدعم السريع على باقي أنحاء البلاد.

الخاتمة:

يعد قرار حكومة بورتسودان بتغيير العملة خطوة قد تكون لها آثار وتداعيات اقتصادية وسياسية بعيدة المدى. فعلى الرغم من أن القرار قد يهدف من الناحية النظرية إلى حماية العملة الوطنية واستقرار الاقتصاد، إلا أن توقيته وطريقة إعلانه، والشكوك المحيطة به، تثير العديد من التساؤلات حول نوايا حكومة بورتسودان في هذا الإجراء، ومدى تأثيره على وحدة السودان.

“قد يسهم في زيادة معاناة المواطنين ويضع مستقبل السودان كدولة موحدة على المحك”

ومن الضروري أن تراعي حكومة الجنرال البرهان في بورسودان التحديات التي يواجهها المواطنون في المناطق التي لا تسيطر عليها، وأن تضمن شمولية تنفيذ القرار لجميع المواطنين على حد سواء، وإلا فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات وزيادة التوترات السياسية والاقتصادية، مما قد يسهم في زيادة معاناة المواطنين ويضع مستقبل السودان كدولة موحدة على المحك، ما يؤكد ما يتداوله الناس بصورة واسعة بأن البرهان والحركة الاسلامية السودانية يعملان على تقسيم السودان بإحياء مشروع مثلث حمدي.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *