(حمدان) و(البرهان)… هل ينجح لقاء الجنرالين؟

61

وكالة راينو:بلو نيوز

الثامن والعشرين من ديسمبر الجاري، التاريخ الذي تتجه أنظار السودانيين صوب العاصمة الكينية نيروبي باعتبارها المحطة التي سيلتقيان فيها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو لوضع نقاط وقف إطلاق النار على حروف الحرب التي أشعل أتونها الإسلاميين السودانيين وقادوها دون اختباء… فهل ينجح لقاء الجنرالين في وقف مأساة الحرب التي دخلت شهرها التاسع؟

تفاعلات الملف

ود مدني آخر المدن السودانية الكبرى بعد الخرطوم ومدن إقليم دارفور التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في سياق حرب 15 أبريل مع الجيش السوداني وداعميه من أنصار النظام المباد، سقوط عاصمة ولاية الجزيرة حركت الكثير من التفاعلات الإقليمية والدولية، بدء باستعدادات الإيقاد لاختيار مبعوث خاص من ضمن ثلاثة مرشحين، فضلا عن التفاعلات الأمريكية المطالبة بخطوات أكثر حسما في الملف السوداني، بالاضافة الى صدور بيان من مجلس الامن حيال المشهد السوداني، وأخيرا التفاعلات المحلية التي كان أخرها ما كشفه قائد الجيش في خطابه ببورتسودان عن أنه سيذهب للتفاوض دون توقيع اتفاق مذل…

وأعلنت الإيقاد في بيان لها عقب اجتماع رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء أي قبل أسبوعين موافقة الطرفين على اللقاء المباشر، بيد أن الخارجية السودانية التي يقال إن النظام المباد مسيطر عليها، أعلنت رفضها بيان الإيقاد وقالت إن ما ورد لا يمت لما تم الاتفاق عليه بصلة.

تغيير الموقف

حيثيات المشهد السوداني تقول إنه وحتى قبيل دخول الدعم السريع إلى مدينة ود مدني كان جنرالات الجيش وحلفائهم في النظام المباد ووزارة الخارجية الناطق باسم كل ما من شأنه رفض التفاوض، يغلقون الأبواب أمام محاولات المجتمع الدولي والإقليمي لتحقيق اختراق يوقف الحرب الدائرة، ويتم تجيير مواقف كل القائلين بوقف الحرب سواء أفراد أو مؤسسات أو دول إلى أنهم متعاونون مع الدعم السريع ويدعموه، فما الذي تغيير؟

يذهب المحلل السياسي إيهاب محمد الحسن(بلنجة) في حديثه لـ( راينو ) إلى أن قائد الجيش البرهان وعقب بيان أمين عام ما يسمى بالحركة الإسلامية على كرتي وما كشفه قائد الفرقة الأولى مشاة اللواء أحمد الطيب، لم يعد أمامه أي مساحة للمناورة والخداع، وقال إن انكشاف وقوف وإدارة فلول النظام المباد للحرب وتعنتهم ضد أي مساع لوقفها، فضلا عن المذبحة التي كان يتم إعداد مسرحها ككمين من قبلهم للدعم السريع باستفزازه بقتلهم للمنتسبين إلى بعض اثنيات ومناطق جغرافية بعينها على أساس عنصري، حتى تكون ردة فعله أعنف لدى دخوله ود مدني فيقوم بالتقتيل على أساس اثني ومناطقي ما يمنح شرعية لاتهامه بجرائم ضد الانسانية ومن ثم يحدث التفاف حول الجيش والفلول وخط الحرب، وهو ما كشفه لاحقا اللواء أحمد الطيب الذي أقر ضمنيا أن انسحابه كان لإفشال المخطط. واضاف ايهاب: ذات السيناريو وحيثيات ذاك الكمين يتم اعدادها حاليا للدعم السريع في مناطق نهر النيل والشمالية بحيث يتم تصوير الدعم السريع حال وقع في كمين الاستفزاز كمرتكب لجرائم استهداف اثني، مما ينقل الحرب الى مربع الحرب الاهلية وهو ما يريده الاسلاميون طالما لن يحكموا.

وشدد إيهاب الحسن، على أن السيناريو الذي حدث في مدني وما تم كشفه، فضلا عن الاحتفالات التي سعى الفلول من خلالها لتصوير انتصارات زائفة للمواطنين حتى يظلوا في المدينة ولا يغادرونها، كل ذلك ساهم بشكل أو بآخر في تزايد القناعات لدى البعض بأن ثمة خيانة بين قادة الجيش، وان ثمة مؤامرة بينهم وبين الدعم السريع، وهو ما ظل يتم تكراره كلما حدثت هزيمة مدوية للجيش…

تكتيكات (الدعامة)

ويرى الحسن أنه على الرغم من بؤس نظرية المؤامرة بأن ثمة اتفاقا بين الدعم السريع وضباط الجيش، إلا أن الواقع يقول إن الدعم السريع يتبنى تكتيكات عسكرية أفضل من الجيش، مما يسهل له تحقيق انتصارات، وأضاف: اختيار الدعم السريع لود مدني كمرتكز يقع في طريق ثلاثة أو أربع ولايات ينم عن التكتيك العسكري الذي يتبناه، منوها إلى أن كبرى حنتوب الذي اختاره الدعم السريع وحدثت فيه الاشتباكات يقطع طريق أي إمداد للجيش من القضارف أو كسلا أو البحر الأحمر فضلا عن النيل الأبيض والنيل الأزرق، كما أن تمركزه في طريق النيل الأبيض سواء في القطينة أو الدويم من شأنه إغلاق أي منفذ آخر بعد إغلاق كبرى حنتوب والتمركز في مدني…

ونوه إيهاب محمد الحسن إلى أن المتبقي هو الشمالية ونهر النيل والطرق التي تربط بينهم وبين شرق السودان بعد أن تم عزل ولايات دارفور وكردفان، وأضاف: تحرك الدعم السريع في تلك الاتجاهات يوفر له ذات الاستراتيجية التي يريد تحقيقها من دخول مدني، وتابع: بالتالي تكون قيادات الفلول والجيش محاصرة في بورتسودان عبر الدائرة الكبيرة بالوجود في كل الولايات المحيطة بها، عليه فإنه على المستوى الميداني لا قدرة للبرهان أو فلول النظام البائد في إحداث تغيير في المشهد الذي لم يستطيعوا تغييره طيلة الشهور الماضية من الحرب.

وأقر إيهاب بأن فلول النظام البائد رغم غضبهم من البرهان، وتحريكهم لغرفهم الإعلامية في الهجوم عليه وعلى قادة الجيش الآخرين، إلا أنهم لن يجرؤوا على تغييره، موضحا بأنه حال تم اختيار بديل للبرهان فإن ذلك يفقدهم ما يبنون عليه فلسلفتهم للتفاوض وهي أن الدولة ممثلة في رئيس مجلس السيادة تتفاوض مع حركة أو تمرد، أي استناد على شرعية الدولة التي يرونها حقا لهم. وأضاف: الدعم السريع على ما يبدو فطن لذلك منذ فترة بالتالي يصر على أن التفاوض يجب أن يكون بين البرهان كقائد للجيش وبين قائد حمدان دقلو كقائد للدعم السريع، بالتالي إفقادهم ميزة الشرعية التي يستندون عليها، وهو ما تعززه بيانات المجتمع الدولي والإقليمي الذين ينظرون للطرفين باعتبارهما طرف نزاع…

هل يحدث اختراق؟

أعتبر عضو المكتب التنفيذي للحرية والتغيير المجلس المركزي ماهر أبو الجوخ في حديثه لـ(راينو) أن الحديث عن لقاء بين البرهان وحميدتي أمر يدعو للتفاؤل، وقال: أي لقاء يحدث بين الرجلين بكل تأكيد هو أمر مرحب به، لأن ذلك اللقاء مؤشر على إمكانية وجود فرصة للوصول إلى إنهاء الحرب، فالجميع يتذكر بداية الحرب حيث التلاسن والقصف بالألفاظ العنيفة التي كانت سمة سائدة بين الرجلين.

وشدد أبو الجوخ إلى أن مجرد عقد لقاء بين البرهان وحميدتي وإن لم يصل إلى نتيجة إلا أنه مؤشر إلى أن صفحة جديدة تفتح أو فصل جيد من الحرب يكتب، وأضاف: أود أن أذكر إلى أنه بعد التوقيع على ميشاكوس كان هناك اجتماع تاريخي جمع بين البشير ود. جون قرنق، وصحيح ذاك اللقاء لم يحدث اختراقا لكن كان مؤشر إلى أن أمرا ما مختلف سيأتي لاحقا، وهذا ما حدث من خلال العملية السياسية التفاوضية بين حكومة السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان. وتابع: لذلك حتى وإن لم يحدث اللقاء اختراقا واقتصر على العلاقات العامة، فإنه يمكن وقتها أن يحمل مؤشرات إلى حدوث أمر ما في المستقبل.

ويرى ماهر أن السيناريو الذي يتخوف منه البعض هو أن تكون نتيجة اللقاء الفشل، بالتالي تتجه الأوضاع العسكرية للتصعيد، وقال: في تقديري الأوضاع العسكرية حاليا اتجهت للتصعيد قبل اللقاء، وبالتالي عندما ينتهي اللقاء ستستمر العمليات العسكرية بذات الوتيرة، لأنه من الواضح أن كلا الطرفين في الآونة الأخيرة أو اللحظة الحالية يبذلان قصارى جهدهم لتحقيق انتصارات. وتابع: المؤسف أن هذه الانتصارات في خاتمة المطاف هي اما ان يتضرر منها المواطن البسيط فيكون نازح ولاجيء وهارب من مناطق الحرب الى مناطق اخرى، كما حدث في مدني ويحدث حاليا للذين ذهب الى سنار فتطال ممتلكاتهم واعراضهم وحياتهم، أو تترتب عليها اضرار مباشرة تمس البنى التحتية كما حدث اليوم وتم نعي مصفاة الجيلي التي تدمرت مثل منشآت كثيرة أخرى بما في ذلك منشأت ذات طبيعة تاريخية كجسر شمبات الرابط بين بحري وام درمان…

وابان عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير أن الحرب الخاسر الاكبر منها هو السودان وإنسانة لأنها حرب عبثية اجرامية يتحمل مسؤوليتها النظام البائد وحركته الاسلامية المنسوبة اليه مع مجموعات اخرى انتهازية، منوها الى أن النظام البائد بعدما انتهى من تدمير البلاد يريد ان يدمر ما تبقى من نسيج اجتماعي عبر تحويل الحرب الى حرب أهلية كارثية. واضاف: ايا كانت السيناريوهات فإن هذه الحرب كغيرها من الحروب التي شهدتها بقع عديدة في العالم لن تكون مختلفة، فهي حرب ايا كانت سيناريوهاتها في نهاية المطاف ستنتهي ولكن حينما تنتهي متأخرة فاني كلفتها ستكون اكبر، لكنها ستنتهي وتبقى منها الذكريات والدروس والعبر.

وأبدت قوى إعلان الحرية والتغيير –– التحالف الحاكم في السودان عقب الثورة السودانية وتم عليها الانقلاب في 25 أكتوبر- في وقت سابق، ترحيبا متفائلا بموافقة حميدتي والبرهان على اللقاء. وقال المتحدث الرسمي باسم الحرية والتغيير جعفر حسن، إنهم يشجعون اللقاء بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو “حميدتي”، مبينا أن السلام والاستقرار يستحقان دفع أغلى الأثمان. واضاف: نتمنى أن يحكما صوت العقل من أجل إيقاف القتل والنزوح واللجوء والحفاظ على وطننا موحدا.

في المقابل أبدى المحلل السياسي عثمان فضل الله في حديثه لـ( راينو ) تخوفا من اللقاء المزمع انعقاده في نيروبي، موضحا بأن الإيقاد دون أن تعي وضعت الوضع السوداني على حافة الانفجار وقال: كان يمكن للإيقاد المطالبة بترفيع الوفود التفاوضية بين الطرفين لنائبي الطرفين، لأن مجيء البرهان على رأس الجيش وحميدتي على رأس الدعم السريع، وعدم توصلهما لاتفاق يفتح الطريق لإيقاف الحرب من شأنه تفجير الأوضاع نهائيا بشكل كبير باعتبارهما المرجعية النهائية للطرفين.

وشدد فضل الله على أنه حال تم اللقاء ولم يتوصل إلى وقف إطلاق النار فإنه يكون لقاء غير ذي جدوى بل ويعكس سيطرة منطق الإسلاميين على المشهد وقدرتهم على فرض إرادتهم في استمرار الحرب.

شروط استباقية

من جانبها رشحت معلومات عن وصول فعلي لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الى نيروبي، استعدادا للقاء المرتقب. واثار الوصول العديد من الدوائر التي ظلت طيلة الشهور الماضية تتحدث عن وفاته متأثرا بجراحه في ميدان المعارك بالخرطوم.

ويرى مراقبون أن الغرف الاعلامية المحسوبة على فلول النظام المباد التي كانت تعمل على تكريس تلك الانباء تجاوزت تماما انباء ظهور حميدتي بنيروبي بل وسعت للتركيز على تحركات الدعم السريع في الشمالية ونهر النيل.

واستبقت قوات الدعم السريع اللقاء باعلان شروطها للالتزام بحضور قائدها للاجتماع حال التزمت الايقاد بأن يكون الجلوس والتفاوض مع البرهان باعتباره قائدا للجيش وليس رئيسا لمجلس السيادة… وهو ما أكدته تصريحات مستشار قائد قوات الدعم السريع بالسودان إبراهيم مخير، بحسب تقارير اعلامية، وتشديده على أن قيادة الدعم ما تزال تشترط للقاء الفريق أول عبد الفتاح البرهان أن يحضر بصفته قائدا للجيش لا رئيس لمجلس السيادة وممثل للشعب السوداني. وقال مخير إن صفة مجلس السيادة ومهام أعضائه انتفت في 25 أكتوبر 2021، مؤكدا عدم التوصل حتى الآن لاتفاق بين قيادة الدعم السريع والجيش لعقد اللقاء “لأنهم لم يلتزموا بمقررية اتفاق جدة”. وأضاف: “كانت هناك التزامات وإجراءات لبناء الثقة بين الطرفين، من بينها القبض على رموز الإسلاميين الفارين من السجون، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى مناطق الصراع تحت سيطرة الطرفين، وتخفيف خطاب العدائيات، وهذه كلها لم تتم.

في المقابل، نقلت تقارير اعلامية إشتراط البرهان للموافقة على الحضور للقاء مع حميدتي خروج الدعم السريع من المنازل والأعيان المدنية فضلا عن وقف اطلاق النار. قبل أن يعود في خطاب له مؤكدا أهمية وقف الاقتتال بين الطرفين، وعلنا ذهابه للتفاوض دون توقيع اتفاق وصفه بالمذل وقال إنه لا بد من وقف القتال بين الجيش والدعم السريع، لكنه أشار إلى أن الجيش لن يوقع اتفاق سلام فيه ذلا ومهانة للقوات المسلحة والشعب.

وأكد البرهان بحسب وكالة الانباء السودانية الرسمية أن القوات المسلحة ستظل متماسكة وقوية وصمام أمان السودان، وأنها ستقضي على قوات الدعم السري، مهددا بأن كل من تعاون مع قوات الدعم السريع سيدفع ثمن تعاونه.

مناخ ما قبل

واستباقا للقاء المزمع بين الطرفين، أصدر مجلس الامن الدولي، بيانا أعتبره المحللين وسيلة ضغط على البرهان وحميدتي وتكريس اهمية توصلهما لاتفاق ينهي الحرب. وقال مجلس الامن أنه يشعر بالقلق من انتشار العنف في السودان وأن الحرب تسببت في نزوح 7 ملايين شخص. وندد المجلس في بيان مشترك” بقوة “بالهجمات ضد المدنيين وتمدد العنف” إلى مناطق تستضيف أعدادا كبيرة من النازحين واللاجئين وطالبي اللجوء، وأضاف البيان أن “أعضاء مجلس الأمن أعربوا عن قلقهم إزاء العنف المنتشر وتراجع الوضع الإنساني في السودان”، ما يعكس تدهور الوضع في البلاد.

وبحسب تقديرات أممية فإن الحرب تسببت في نزوح 7 ملايين شخص، فيما لجأ مليون ونصف المليون الى دول الجوار، فضلا عن فرار ما يقارب إلى 300 ألف شخص من ود مدني بولاية الجزيرة في موجة نزوح جديدة على نطاق واسع بحسب وصف تقارير منظمة الهجرة.

وأودت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع وفقا للتقديرات الاممية بحياة أكثر من 12190 شخصا.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *