علي أحمد يكتب: الدعم السريع والانتهاكات (1-2) !

43

 

قوات الدعم السريع ليست ظاهرة مقدسة خالية من النواقص، ولا ظاهرة اجتماعية سياسية وعسكرية خالية من التناقضات، وجنودها لم يهبطوا من السماء، فهم مثلهم مثل كل الجنود في جيوش العالم، تأثر فيهم الحروب ويتأثرون بها. وخلال تجربة الدعم السريع قصيرة العمر بعدد السنوات والعريضة بحساب الانجازات، وما حققته وما تحققه حاليًا؛ يجعل العديد من التناقضات تتدفق من فوقها وتحتها، ومنها أنّ انتصاراتها العسكرية أصبحت تأتي دائماً مشفوعة ببعض النقائض، وأكثرها شيوعاً الآن؛ ظاهرة السلب والنهب، والانتهاكات ضد المواطنين. والحقيقة أن من يتابع خطاب قادة الدعم السريع يعرف أن هذا ليس خطّها، ولكن تسرُّب بعض المندسين والمجرمين إلى أوساطها أصبح يمثَّل خطرًا بالغًا لقيادتها العسكرية والسياسية.

صحيح أن الإنتهاكات ومنها السلب والنهب صارت ملازمة للانتصارات الميدانية، وقد قدمت حوادث السلب والنهب التي حدثت بولاية الجزيرة إشارة قوية لتدارك هذا الخطر قبل استفحاله، وقد آن الاوان لحسم هذه الظاهرة المتناقضة مع مبادئ وأهداف قوات الدعم السريع وخطها السياسي، مما يستدعي طرح هذ السؤال: لماذا إذاً ارتكاب الأفعال التي تسيء للدعم السريع وتحيل انتصاراته إلى هزيمة أخلاقية وسياسية؟! والاجابة هي الاختراق، وتدفق الآلاف من المندسين والمجرمين الذين يقولون أنّهم من المؤيديين للدعم السريع من مختلف الاماكن، وخصوصا من دارفور والخرطوم، وهم في حقيقة الأمر مندسين لهم أجندتهم الخاصة، ولصوص يمارسون النهب والسلب، ما يسيء لصورة القوات ويجعل موقفها في غاية في الصعوبة، فاما تركوهم يعيثون خرابًا وبالتالي تتشوه صورة القوات داخليًا و خارجيًا، واما لاحقوهم وبالتالي ينصرف الجهد العسكري الميداني لملاحقتهم وترك المهام العسكرية الميدانية للمعركة التي لا تزال مستمرة، ولكن في النهاية لا بديل عن مواجهتهم والقضاء عليهم، فالانتصارات مهما حدثت ميدانيًا في حال فقدت الدعم الشعبي والسياسي تتحول إلى هزائم !

ومن الواضح أنّ هؤلاء الذين يتدفقون للمكان الذي تنتصر فيه قوات الدعم السريع هم الثغرة التي نفذ منها الكيزان، وهذا الاختراق هو في حد ذاته معركة تستكمل المعركة الرئيسية ، ومواجهته الآن أصبحت هي المعركة الأهم والأكثر ضرورة لاستكمال هزيمة الكيزان، ولكسب ثقة المواطنين، وهي معركة تعتمد على توفير الأمن للمواطنين، ومخاطبتهم بنموذج صادق وبفعل حازم تجاه المتسللين والمندسين والمجرمين اللذين يتدفقون على مواطن انتصار الدعم السريع، والأهم اشراك المواطنين في مسألة ادارة شؤون مناطقهم وجعلهم جزء من الانتصار !

بالطبع لم يكن من المتوقع ان تستسلم آلة الفساد الكيزانية للهزائم العسكرية الميدانية التي ظلت تطاردها منذ اندلاع شرارة ثورة ديسمبر ، تلك الهزائم التي مثلت تجلياً حاسماً في إرغامهم على الهروب من أماكن كانت تحت سيطرتهم، وهم -بطبعهم- لم يستسلموا وانما فروا ولجأوا إلى معاركٍ أخرى غير المواجهات الميدانية، تمثلت في ظواهر النهب المسلح وأشكال أخرى من الإنتهاكات ضد الانسان وحقوقه المنصوص عليها في الاتفاقات الدولية، و لابُدّ لقوات الدعم السريع من الانتباه إلى أنّ الكيزان يحتفظون بطاقة إجرامية هائلة، مادية وبشرية، وقيادتهم توجه هذه الطاقة لأحداث التخريب، وكمثال على ذلك عصابات (النقرز) المُعدّة والمُجهزة من قبل أجهزة أمن الكيزان الشعبية والرسمية واستخباراتهم العسكرية، مع مجموعات أخرى من المجرمين الذين تم اطلاق سراحهم من السجون، لينخرطوا مباشرة في أعمال تشويه انتصارات قوات الدعم السريع ، ولعل أقوى الأمثلة هي سلسلة حوادث اقتحام السفارات ومقار المنظمات، والتي بدأت مع بداية الشهر الثاني للحرب، أي بعد ان انتبهوا إلى فقدانهم للانتصار وفق تخيلهم الخائب!

والشاهد الأساسي هنا هو بدء المعركة الإعلامية الحربية لتشويه انتصار الدعم السريع وتبرير هزيمتهم ، والشكل الثاني الذي يقومون به، منذ بدء الحرب وحتى اللحظة، هو عمليات الاختراق الواسعة للقوات الميدانية الفاعلة في أرض المعركة، ويأخذ الاختراق عدة أشكال، منها اغراق قوات الدعم السريع بالمندسين من قبل الكيزان بهدف تدميرها من الداخل ، وأيضًا باللصوص والمجرمين الذين يظهرون عقب كل انتصار لممارسة أعمال السلب والنهب والاعتداءات على المواطنيين.

ويكشف تاريخ الكيزان الإجرامي عن حرفتهم الأساسية وهي اختراق القوى التي يصنفونها معادية لهم، وبالفعل نجحوا في إدخال أعداد كبيرة من الذين لا تربطهم أي علاقة مبدئية بالدعم السريع ، أي انهم التحقوا بها كفرصة يحققون من خلالها توجيهات قيادتهم التي تريد تشويه أي نصر عسكري للدعم كونه مُستتبع بنهب المواطنيبن، كما يحققون للقيادة الكيزانية صورة فشل الدعم السريع في إدارة أي منطقة أو مدينة تقع تحت قبضته، وتتصاعد هذه الصورة محليًا وعالميًا، بالطبع هذا لا يعني ان قوات الدعم السريع تخلو من بعض الجنود المتفلتين بداخلها، شأنها شأن كل جيوش العالم، مما يستدعي منها غاية الحسم والحزم والانضباط، هذا إضافة إلى ماهو معلوم بالضرورة بأنّ قوات الدعم السريع مسؤولة تمامًا سياسياً وأخلاقيًا وقانونياً عن حماية المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، لذلك كله لابد من الشدة والتركيز في استكمال الإنتصار العسكري بالمحافظة عليه، وذلك بضبط أي نزعة للفعل المبالغ فيه، وبأقصى حدود الضبط على الجنود المحاربين في الميدان، وتأمين الممتلكات الخاصة والعامة من المندسين والمجرمين واللصوص ، ومخاطبة المواطنين دائمًا وتنويرهم بمخططات الكيزان والمندسين. والانتهاكات مهما كانت حدتها فإنّ مواجهتها ليست بالمعركة المستحيلة، ما يستوجب على قوات الدعم السريع التحرك وبأسرع ما يُمكن وبياناً بالعمل.

وَصحيح أن الحرب تلازمها دائماً مواقف لا انسانية ولهذا تسمى الحروب بالكريهة، لأنها تتضمن كل ما يكرهه الإنسان، ويظل أعظم انتصارات الحرب هو تحقيق السلام.

نواصل ،،

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *