د. أحمد التيجاني: الأديان السياسية .. من الوكالة على الإله إلى أنظمة القهر!!

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
المقدمة
نرتكب خطأً فادحًا حين نقبل بمبدأ الإسلام السياسي أو أي شكل من أشكال الدين السياسي، خصوصًا في الأديان التوحيدية التي انبثقت من مشكاة فكرية وقيمية مشتركة تقوم على التوحيد والعدل والرحمة. فالخالق لم يوكّل وكلاء لتنفيذ الأديان، ولم يرسل ممثلين لاحتكارها أو السيطرة باسمها.
والواضح مما قاله النبي المصطفى ﷺ في خطبة الوداع: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا. لم يقل: اليوم أرسلت لكم خلفاء ليستمروا في الإقناع والسيطرة على مؤسسات تنفيذ الدين.
١- الإسلام السياسي: من الخلافة إلى الحركات المعاصرة
من سقيفة بني ساعدة إلى الفتنة الكبرى، ثم الخلافة الأموية والعباسية، وصولًا إلى الخلافة العثمانية، تداخل الدين بالسياسة وجُعلت الخلافة ظل الله في الأرض. وفي العصر الحديث تكررت المأساة مع جماعات الإسلام السياسي: الإخوان المسلمين، الجبهة الإسلامية القومية، القاعدة، داعش، طالبان، الكيزان وغيرها.
٢- المسيحية السياسية: من قسطنطين إلى محاكم التفتيش
منذ مرسوم ميلانو (٣١٣ م) حين جعل الإمبراطور قسطنطين المسيحية دينًا رسميًا، تحولت الكنيسة إلى مؤسسة دولة. العصور الوسطى شهدت صعود سلطة البابوية، محاكم التفتيش، والحروب الدينية الكاثوليكية–البروتستانتية. ولم يتحرر الغرب إلا مع صلح وستفاليا ثم عصر التنوير.
٣- اليهودية السياسية والصهيونية
الصهيونية حولت اليهودية إلى مشروع قومي–سياسي توسعي. من مؤتمر بازل (١٨٩٧) إلى قيام إسرائيل (١٩٤٨)، استُخدمت نصوص توراتية لتبرير الاحتلال والتهجير القسري للفلسطينيين.
٤- الهندوسية السياسية: الهندوتفا
الحركة القومية الهندوسية RSS وحزب بهارتيا جاناتا قادا مشروع الهندوتفا، أي جعل الهند دولة هندوسية. النتيجة: تهميش ٢٠٠ مليون مسلم، مجازر مثل جوجارات ٢٠٠٢، وتشريعات تمييزية.
٥- البوذية السياسية: من بورما إلى سريلانكا
حتى البوذية حين تسيست تحولت إلى أداة قمع: في بورما جرى تطهير عرقي ضد الروهينجا، وفي سريلانكا غذّت الحركات القومية الحرب الأهلية ضد التاميل.
٦- السودان نموذجًا
؛لهدف من الحرب القايمة بقيادة تحالف التاسيس الي حد كبير هو تحرير السودان كله من الإسلام السياسي والحركة الإسلامية. لقد جُرِّب الإسلام السياسي في السودان ثلاثة عقود، فانتهى إلى دولة منهارة ومجتمع مشرّد واقتصاد منهوب. هذه النتيجة ليست استثناء: أوروبا لم تتحرر إلا بعد إسقاط وصاية الكنيسة، وأمريكا أسست دولتها على الفصل بين الدين والدولة. وعليه، فإن المعارك الدايرة في بارا، أو الفاشر،او الأبيض أو أي جبهة أخرى، ليست غاية في ذاتها، بل جزء من مسار تاريخي لتحرير السودان من وصاية الإسلام السياسي.
٧- ضحايا الأديان السياسية عبر التاريخ
– الإسلام السياسي: حروب الردة، داعش، دارفور، انفصال الجنوب.
– المسيحية السياسية: محاكم التفتيش، الحروب الصليبية، قمع العلماء.
– اليهودية السياسية: تهجير الفلسطينيين، حصار غزة.
– الهندوسية السياسية: مجازر جوجارات، قوانين التمييز.
– البوذية السياسية: الروهينجا، صراعات سريلانكا.
الخاتمة
كل هذه التجارب تؤكد أن الدين إذا تحوّل إلى مشروع سياسي صار دينًا للسلطة لا للناس، دينًا للقهر لا للحرية.
الخلاص في مبدأ واحد:
لا دين سياسي. لا وكلاء لله. لا أنظمة شمولية باسم السماء.
الدين لله، والوطن للجميع.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
قيادي و موسس في تحالف تأسيس
١٧ سبتمبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا.