إعلان أديس ابابا.. هل تنجح مساعي(تقدم) في ايقاف الحرب؟
مفاجأة من العيار الثقيل فجرتها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة رئيس الوزراء المستقيل د.عبد الله حمدوك لدى لقائها بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو باديس ابابا.. وتلخصت المفاجأة في وصول الطرفين لاعلان وصفه البعض بالايجابي لجهة انه يصب لصالح مطلب السودانيين في ايقاف الحرب ليتجه التركيز والانظار لذات التنسيقية وانتظار لقائها بقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.. ولعل سر المفاجأة يجيء من نجاح الاجتماع وتلبيته لمطالب القوى المدنية رغم الانتصار والسيطرة المعلنة والواضحة لقوات الدعم السريع، الامر الذي فتح باب التساؤل حيال امكانية ان تفلح (تقدم) فيما عجزت فيه جدة ودول الجوار في تحقيق اختراق حقيقي لصالح وقف الحرب في السودان..
الخرطوم: راينو
مخرجات الاجتماع
وفي الوقت الذي كانت حالة الشك تحيط بوجود حميدتي على قيد الحياة بعدما تناسلت اشاعات وروايات وسيناريوهات وفاته متأثرا بجراحه بعد اجراء عمليات جراحية متعددة له، كان ظهوره في يوغندا ومن ثم اديس ابابا وجيبوتي، ولقائه بقيادات سياسية سودانية حاسما في وضع حد لاشاعات غرف الاسلاميين الاعلامية التي يرى الكثيرون انها من تقف وراء تمدد تلك الروايات..
وطبقا لنصوص الاعلان الذي صدر عن الاجتماع وتحصل عليه(راينو)، فإن اللقاء نجح في التوصل لتفاهمات فحواها، محور ﻗﻀﺎﯾﺎ وﻗﻒ اﻟﻌﺪاﺋﯿﺎت واﯾﺼﺎل اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ وﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﻦ، وفيه يبدى الدعم السريع استعداده التام لوقف فوري غير مشروط للعدائيات عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة، على أن تقوم (تقدم) بالتواصل مع الجيش للوصول لذات الالتزامات، فضلا عن موافقة الدعم السريع على فك عدد 451 ﻣﻦ أﺳﺮى اﻟﺤﺮب واﻟﻤﺤﺘﺠﺰﯾﻦ وذﻟﻚ ﻋﺒﺮ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ كبادرة لاثبات حسن نية واستجابة لطلب تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية.. وتضمن إعلان(اديس ابابا) تعهد ﻗﻮات اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺴـﺮﯾﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﺎطﻖ ﺳـﯿﻄﺮﺗﮭﺎ ﺑﻔﺘﺢ ﻣﻤﺮات آﻣﻨﺔ ﻟﻮﺻـﻮل اﻟﻤﺴـﺎﻋﺪات اﻹﻧﺴـﺎﻧﯿﺔ وﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﻀـﻤﺎﻧﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﯿﺴـﯿﺮ ﻋﻤﻞ ﻣﻨﻈﻤﺎت اﻟﻌﻤﻞ اﻹﻧﺴـﺎﻧﻲ وﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻹﻏﺎﺛﺔ، فضلا عن ﺗﮭﯿﺌـﺔ اﻷﺟﻮاء ﻟﻌﻮدة اﻟﻤﻮاطﻨﯿﻦ/ات ﻟﻤﻨـﺎزﻟﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨـﺎطﻖ اﻟﺘﻲ ﺗـﺄﺛﺮت ﺑـﺎﻟﺤﺮب (اﻟﺨﺮطﻮم، دارﻓﻮر، ﻛﺮدﻓـﺎن، اﻟﺠﺰﯾﺮة)، وذﻟـﻚ ﺑﺘﻮﻓﯿﺮ اﻷﻣﻦ ﻋﺒﺮ ﻧﺸـﺮ ﻗﻮات اﻟﺸـﺮطـﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨـﺎطﻖ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ، وﺗﺸﻐﯿﻞ اﻟﻤﺮاﻓﻖ اﻟﺨﺪﻣﯿﺔ واﻹﻧﺘﺎﺟﯿﺔ، كذلك ﺗﺸـﻜﯿﻞ إدارات ﻣﺪﻧﯿﺔ ﺑﺘﻮاﻓﻖ أھﻞ اﻟﻤﻨﺎطﻖ اﻟﻤﺘﺄﺛﺮة ﺑﺎﻟﺤﺮب، ﺗﺘﻮﻟﻰ ﻣﮭﻤﺔ ﺿـﻤﺎن ﻋﻮدة اﻟﺤﯿﺎة ﻟﻄﺒﯿﻌﺘﮭﺎ وﺗﻮﻓﯿﺮ اﻻﺣﺘﯿﺎﺟﺎت اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻟﻠﻤﺪﻧﯿﻦ، بالاضافة الى ﺗﺸـﻜﯿﻞ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻮطﻨﯿﺔ ﻟﺤﻤﺎﯾﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﻦ ﻣﻦ ﺷـﺨﺼـﯿﺎت ﻗﻮﻣﯿﺔ داﻋﻤﺔ ﻟﻮﻗﻒ اﻟﺤﺮب، ﺗﺘﻮﻟﻰ اﻟﻠﺠﻨﺔ ﻣﮭﻤﺔ ﻣﺮاﻗﺒﺔ إﺟﺮاءات ﻋﻮدة اﻟﻤﺪﻧﯿﻦ ﻟﻤﻨﺎزﻟﮭﻢ وﺿﻤﺎن ﺗﺸﻐﯿﻞ اﻟﻤﺮاﻓﻖ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ اﻟﺨﺪﻣﯿﺔ واﻹﻧﺘـﺎﺟﯿـﺔ، وﺗﻌﻤـﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺒﺌـﺔ اﻟﻤﻮارد اﻟـﺪاﺧﻠﯿـﺔ واﻟﺨـﺎرﺟﯿـﺔ ﻟﺘﻮﻓﯿﺮ اﻻﺣﺘﯿـﺎﺟـﺎت اﻹﻧﺴـﺎﻧﯿـﺔ ﻟﻠﻤﺪﻧﯿﻦ، فضلا عن اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺘﺎم ﻣﻊ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺘﻲ ﺷـﻜﻠﮭﺎ ﻣﺠﻠﺲ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴـﺎن ﺑﻤﺎ ﯾﻀـﻤﻦ ﻛﺸـﻒ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ وإﻧﺼﺎف اﻟﻀﺤﺎﯾﺎ وﻣﺤﺎﺳﺒﺔ اﻟﻤﻨﺘﮭﻜﯿﻦ، وكذلك ﺗﺸـﻜﯿﻞ ﻟﺠﻨﺔ وطﻨﯿﺔ ﻣﺴـﺘﻘﻠﺔ ذات ﻣﺼـﺪاﻗﯿﺔ ﻟﺮﺻـﺪ ﻛﺎﻓﺔ اﻻﻧﺘﮭﺎﻛﺎت ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﺴـﻮدان وﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻋﻦ ارﺗﻜﺎﺑﮭﺎ وذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﯾﻀﻤﻦ ﻣﺤﺎﺳﺒﺘﮭﻢ، بالاضافة الى ﺗﺸﻜﯿﻞ ﻟﺠﻨﺔ ذات ﻣﺼﺪاﻗﯿﺔ ﻟﻜﺸﻒ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺣﻮل ﻣﻦ أﺷﻌﻞ اﻟﺤﺮب.
وتضمن محور إﻧﮭﺎء اﻟﺤﺮب وﺗﺄﺳﯿﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﻮداﻧﯿﺔ اتفاق الطرفين على وﻗﻒ وإﻧﮭﺎء اﻟﺤﺮب وﺑﻨﺎء اﻟﺴـﻼم اﻟﻤﺴـﺘﺪام المستند على وﺣﺪة اﻟﺴﻮدان ﺷﻌﺒﺎ وارﺿﺎ وﺳﯿﺎدﺗه ﻋﻠﻰ ارﺿه وﻣﻮارده، واﻟﻤﻮاطﻨﺔ اﻟﻤﺘﺴـﺎوﯾﺔ باعتبارها أﺳـﺎس اﻟﺤﻘﻮق واﻟﻮاﺟﺒﺎت اﻟﺪﺳـﺘﻮرﯾﺔ وأن ﺗﻘﻮم وﺣﺪة اﻟﺴـﻮدان ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﺮاف واﻻﺣﺘﺮام ﻟﻠﺘﻨﻮع واﻟﺘﻌﺪد اﻟﺴﻮداﻧﻲ، بالاضافة الى أن ﯾﻜﻮن اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺴـﻮدان ﻓﺪراﻟﯿﺎ وﻣﺪﻧﯿﺎ ودﯾﻤﻘﺮاطﯿﺎ ﯾﺨﺘﺎر ﻓﯿه اﻟﺸـﻌﺐ ﻣﻦ ﯾﺤﻜﻤﮫ ﻋﺒﺮ اﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﺣﺮة وﻧﺰﯾﮭﺔ وﻓﻲ ظﺮوف ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ واﻣﻨﯿﺔ ودﺳﺘﻮرﯾﺔ ﻣﻼﺋﻤﺔ.
كذلك نص الاعلان على وجوب تنفيذ برامج شاملة لاعادة بناء اﻟﻘﻄـﺎع اﻷﻣﻨﻲ وﺗـﺄﺳـﯿﺲه وﻓﻘـﺎ ﻟﻠﻤﻌـﺎﯾﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮاﻓﻖ ﻋﻠﯿﮭـﺎ دوﻟﯿـﺎ، ﻋﻠﻰ أن ﺗﺒـﺪأ ھـﺬه اﻟﺒﺮاﻣﺞ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎطﻲ اﯾﺠﺎﺑﯿﺎ ﻣﻊ اﻟﻤﺆﺳـﺴـﺎت اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺣﺎﻟﯿﺎ وﻋﻠﻰ أن ﺗﻔﻀـﻲ ھﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت ﻟﻠﻮﺻـﻮل اﻟﻰ ﺟﯿﺶ واﺣﺪ ﻣﮭﻨﻲ وﻗﻮﻣﻲ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻛﻞ اﻟﺴـﻮداﻧﯿﻦ وﻓﻘﺎ ﻟﻤﻌﯿﺎر اﻟﺘﻌﺪاد اﻟﺴـﻜﺎﻧﻲ، وﯾﺨﻀﻊ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ وﯾﺪرك واﺟﺒﺎﺗﮫ وﻣﮭﺎﻣﮫ وﻓﻘﺎ ﻟﻠﺪﺳﺘﻮر، ﻟﺘﻀﻊ ﺣﺪا ﻗﺎطﻌﺎ ﻟﻈﺎھﺮة ﺗﻌﺪد اﻟﺠﯿﻮش (اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴـﻠﺤﺔ، اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺴـﺮﯾﻊ، اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﻤﺴـﻠﺤﺔ، اﻟﻤﻠﯿﺸـﯿﺎت) ﺧﺎرج إطﺎر اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻤﮭﻨﻲ اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﻮاﺣﺪ، ﻣﻊ ﺿـﻤﺎن ﺧﺮوج اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻷﻣﻨﯿﺔ (اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴـﻠﺤﺔ واﻟﺪﻋﻢ اﻟﺴـﺮﯾﻊ واﻟﺸـﺮطﺔ وﺟﮭﺎز اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات) ﻣﻦ اﻟﻨﺸـﺎط اﻟﺴـﯿﺎﺳـﻲ واﻻﻗﺘﺼـﺎدي وﻗﺒﻮﻟﮭﻢ ﺑﺎﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻤﺬﻛﻮرة ، وﺗﻌﮭﺪھﻢ ﺑﻤﺴـﺎﻧﺪة ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻻﻧﺘﻘﺎل اﻟﻤﺪﻧﻲ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﺳـﺘﺪاﻣﺔ واﺳـﺘﻘﺮار اﻟﻨﻈـﺎم اﻟـﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ وﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﻀـﻤـﺎﻧـﺎت اﻟﻤﻄﻠﻮﺑـﺔ ﻟﻘﯿـﺎم ﺣﻜﻮﻣـﺔ ﻻﺳـﺘﻜﻤـﺎل ﻣﮭـﺎم اﻻﻧﺘﻘﺎل واﻟﺘﺄﺳـﯿﺲ اﻟﺪﺳـﺘﻮري واﻟﺴـﯿﺎﺳـﻲ واﻹﺻـﻼح اﻹداري واﻟﻤﺎﻟﻲ واﻻﻗﺘﺼـﺎدي، وإزاﻟﺔآﺛﺎر وإﻋﺎدة ﺑﻨﺎء ﻣﺎ دﻣﺮﺗه اﻟﺤﺮب. فضلا عن النص على ﺗﻔﻜﯿﻚ ﺗﻤﻜﯿﻦ ﻧﻈﺎم اﻟﺜﻼﺛﯿﻦ ﻣﻦ ﯾﻮﻧﯿﻮ ﻓﻰ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ واﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ، بالاضافة الى إطﻼق ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺷـﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻌﺪاﻟﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﯿﺔ، ﺗﻜﺸـﻒ اﻟﺠﺮاﺋﻢ وﺗﻨﺼـﻒ اﻟﻀـﺤﺎﯾﺎ وﺗﺠﺒﺮ اﻟﻀـﺮر وﺗﺤﺎﺳـﺐ اﻟﻤﻨﺘﮭﻜﯿﻦ ﺑﻤﺎ ﯾﻀـﻤﻦ ﻋﺪم اﻹﻓﻼت ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب، وﺗﺼـﻤﯿﻢ ﺣﻤﻠﺔ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺧﻄﺎﺑﺎت اﻟﻜﺮاھﯿﺔ وﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺘﻌﺎﻓﻲ اﻟﻮطﻨﻲ.
وشدد الاعلان على أن ﺗﻜﻮن اﻟـﺪوﻟـﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﻨﺤـﺎزة ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺴـﺎﻓـﺔ واﺣـﺪة ﻣﻦ اﻷدﯾـﺎن واﻟﮭﻮﯾـﺎت واﻟﺜﻘـﺎﻓـﺎت، وﺗﻌﺘﺮف ﺑﺎﻟﺘﻨﻮع واﻟﺘﻌﺪد وﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺟﻤﯿﻊ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﮭﺎ ﺑﻌﺪاﻟﺔ.
في المقابل تزامن إعلان مخرجات الاجتماع واصدار إعلان اديس ابابا، مع حملة شرسة على قيادات (تقدم) وحميدتي، قادتها الغرف الاعلامية المحسوبة على فلول النظام المباد، ساعين في الوقت ذاته للتشكيك في وجود قائد الدعم السريع على قيد الحياة، وأن من ظهر في يوغندا واثيوبيا وجيبوتي ثم اثيوبيا مرة اخرى ما هو الا شبيه تم اعداده لتمثيل دور حميدتي، الامر الذي اثار سخرية الاوساط السياسية والاجتماعية السودانية بشكل كبير، فضلا عن تزويرهم لمنشورات لـ (سي اي ايه) ، وكاميرون هاديسون تشكك من جهة وتهاجم من جهة أخرى حميدتي والقوى المدنية..
وكان رئيس (تقدم) رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، أعلن الاثنين الماضي، إنه طلب اللقاء بشكل عاجل مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بغرض التشاور حول السبل الكفيلة بوقف الحرب. وذكر حمدوك في حسابه على منصة إكس حينها، أنه بعث رسالتين خطيتين إلى البرهان ودقلو يطلب فيهما اللقاء نيابة عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).
واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل من العام الماضي بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط لدمج الدعم السريع في الجيش، في الوقت الذي كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دوليا.
بين التفاؤل والتشاؤم
ما أن انفض سامر اجتماع اديس ابابا، الا واكتنفت المنصات الاخبارية والاجتماعية حمى تحليل الخطوة ومآلات الاعلان، وفي الوقت الذي اعتبر كثيرون أن خطوة(تقدم) تمثل اختراقا كبيرا خصوصا مع الطرف المسيطر ، إلا أن البعض أبدى تشاؤما حيال مستقبل الاتفاق في ظل سيطرة دعاة الحرب على مقاليد السلطة والجيش في السودان.
من جانبه يرى عضو المكتب التنفيذي للحرية والتغيير رئيس الحزب الاتحادي الموحد محمد عصمت في حديثه لـ(راينو) ان اجتماع تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) مع قائد الدعم السريع محمد حمدان(حميدتي)، يشكل اختراقا كبيرا جدا في مسار الحرب الدائرة الان والمستمرة لتسعة اشهر، منوها الى أن ما تم التوصل اليه يعد مدخلا مناسبا جدا لتحجيم الخلافات التي كانت قائمة ما بين الدعم السريع والقوات المسلحة، وقال: نحن نعلم أن الخلافات التي تراكمت لسنوات بين الطرفين قادت في النهاية الى حرب ضروس اكلت الاخضر واليابس في البلاد وأن نذر الحرب الاهلية واردة وبصورة مخيفة، نتيجة للتحشيد والتجييش والتسليح الذي تم نتيجة للاستقطاب الحاد بين الطرفين المتقاتلين..
وتوقع عصمت ان يكون الاتفاق الذي تم بين (تقدم) والدعم السريع، دافعا للقوات المسلحة في أن تخطو خطوة مماثلة، واضاف: نتمنى ان تكون خطوة القوات المسلحة متقدمة على الخطوة التي تمت في اديس ابابا، لأن الكل يعلم ان هذه الحرب حرب لا منتصر فيها والخاسر الاوحد هو الدولة السودانية ، لذلك نأمل من قيادة القوات المسلحة ان تمتثل لاشواق واحلام وطموحات ابناء وبنات الشعب السوداني بالقبول بمبدأ التفاوض والحوار حتى نتمكن من الحفاظ على ما تبقى من وحدة بلادنا ..
ويذهب عضو المكتب التنفيذي للحرية والتغيير الى أن الجلوس بين(تقدم) والجيش وارد بنسبة كبيرة جدا، وقال: لأن القوى المدنية سواء الحرية والتغيير او تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية لم ينقطع الاتصال بينها وبين الجيش طوال فترة هذه الحرب. معتبرا أن ذلك في حد ذاته مؤشر طيب.
وكشف عصمت عن موافقة مبدئية لقيادة الجيش على لقاء (تقدم) واضاف: لكن لم يتم تحديد زمان ومكان هذا اللقاء الذي نأمل ان يتم في اقرب فرصة ممكنة ، نحن متفائلون بأن طاولة المفاوضات والحوار ستجمع قريبا قيادات الجيش والدعم السريع لوضع حد لمأساة بلادنا والام وجراح شعبنا.
على عكس محمد عصمت كان التشاؤل مخيما على رؤية منسق لجنة الميدان سابقا بقوى الحرية والتغيير أمين سعد في حديثه لـ(راينو) وقال: (تقدم) لم تقم باهم واجباتها ولم تنفذ ما قامت من أجله وهو جمع القوى المدنية حول مشروع وبرنامج وآليات تنفيذ، وهو ما كان سهلا إذا خلصت النوايا ووجدت الارادة حتى تنجز ذلك.
وأعتبر سعد أن فرص نجاح (تقدم) في سعيها لوقف الحرب تبدو ضعيفة وحظوظها قليلة، لجهة أن (تقدم) عند قيادة الجيش وكثير من السودانيين والسودانيات غير محايدة في هذا الصراع واضاف: ومع ذلك نقول ان اي مجهود لوقف هذه الحرب مرحب به.
ردود أفعال
كثير من التحليلات ترى أن اللقاء يمثل اختراقا كبيرا لا للسعي من هذه القوى لايقاف الحرب فقط وانما لجهة تحركها الايجابي بعد امتصاص صدمة الحرب وسعيها للتوحد من اجل معالجة ازمة البلاد.
وتذهب فرضيات اخرى الى ان مساعي (تقدم) ما هي الا بداية ايجابية وفعل مهم لتجاوز حالة الضمور والضعف التي تعاني منها القوى المدنية ومحاولة لفعل الممكن.
بيد أن المحلل السياسي د.أحمد بابكر يذهب الى أن ثمة خطأ استراتيجي وقعت فيه تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية(تقدم) بتضمين الاتفاق مع قيادة الدعم السريع رؤية سياسية، تمثلت في الحديث عن نظام الحكم، (الفيدرالية)، وكثير من القضايا السياسية الأخرى..
واعتبر بابكر في منشور له طالعه(راينو) أن ذلك الخطأ أتاح شرعنة الدعم السريع كقوى سياسية وليس مؤسسة عسكرية، مما يعني في المقابل اعطاء ذات الحق للقوات المسلحة بأن تكون قوى سياسية، وهو مايتناقض مع ما ذكر في الاتفاق في إبعاد القوات المسلحة من العمل السياسي، واضاف: بهذا الاتفاق الثنائي رسخت لوجود القوات المسلحة كحزب سياسي شارك في العملية السياسية بالإضافة لإمتلاكها للسلاح.
وأعتبر أحمد أن الاتفاق مع الدعم السريع حول رؤية سياسية يعني تحالف ثنائي بين قوى مدنية وقوى عسكرية مما يجعل الطرف المدني بشكل أو بآخر جزء من الحرب، وتابع: بالتالي لا تستطيع أن تعمل على إيقاف الحرب إلا بشروطك التي شكلت محور الاتفاق بينك وبين حميدتي لأنه أصبح من حق القوات المسلحة أن تطرح رؤية سياسية مغايرة، وأن يكون لها حلفاء مدنيين وبالتالي عدم الاتفاق يعني استمرار الحرب. مشيرا الى أن الخطأ يمتد الى أنه يتيح عسكرة الحياة السياسية مما يعني أن أي مجموعة عليها حمل السلاح ليكون لها موطئ قدم وتأثير في الحياة السياسية، مع تقزيم المدنية التي شكلت عمود ثورة ديسمبر المجيدة. واضاف: الأخطر في هذا الاتفاق السياسي هو تأثيره السلبي على القوى المدنية وبأنها متحالفة مع أحد طرفي الحرب، (الاتفاق السياسي يعني تحالف)، مشددا على أن هذا الاتفاق السياسي يعني وضع البلاد أمام تسوية سياسية بين الدعم وقيادة الجيش و(تقدم) مما يعني إعادة إنتاج الأزمة من جديد، خصوصا وأن هذا الاتفاق سوف يعطي ذريعة وشرعية للإسلاميين لحمل السلاح لضمان مشاركتهم في السلطة.
في السياق نقلت تقارير إعلامية عن عضو اللجنة المركزية والناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي فتحي فضل، ترحيب حزبه بشكل عام بأي محاولة وأي جهود لإيقاف الحرب والعمل على إنهائها وإزالة أسبابها ورفع معاناة شعبنا.
واعرب فضل عن أمنياته أن يكون اللقاء خطوة في الاتجاه الصحيح لوضع أسس لإنهاء الحرب وبناء حاضنة سياسية مدنية تستند إلى جهود كل القوى الحية وبشكل خاص القوى الموجودة داخل السودان، ما يعني مراعاة المواقف المعلنة لتنسيقيات لجان المقاومة، الأحزاب السياسية، الحركة النقابية الوليدة وغيرها.