علي أحمد: إعلان أديس أبابا .. (الدعم) يدعم و(تقدُّم) تتقدم .. وثورة الشعب تنتصر
ما مِنْ حدثٍ يُمكِن أن نُطلق عليه اختراق منذ أن اشعل الكيزان حرب الخامس عشر من أبريل وهدموا المعبد على رؤوس السودانيين جميعاً دون استثناء؛ مثل لقاء قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، برئيس وزراء الفترة الانتقالية المُنقلب عليه، ورئيس تنسقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدُّم)، الدكتور عبد الله حمدوك في العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا)، 2 يناير الجاري.
ويعود الفضل في هذا الاختراق الكبير، إلى استجابة قوات الدعم السريع؛ مُمثلة في قائدها إلى جميع دعوات التفاوض والحوار حول قضية الحرب والسلام، بجانب الجهود المُضنية التي ما فتئت تقودها ولا تزال، منظومة (تقدّم).
توقيع (حميدتي/ حمدوك)، لربما سيجعل قائد الجيش يتحسس موضعه من ما يجري على الأرض من حراك دبلوماسي وسياسي وعلاقات خارجية مع المحيطين الدولي والإقليمي لا سيما دول الجوار التي تتحمل عبئاً كبيراً جراء إفرازات الحرب السودانية، فالرجل فضلاً عن خسارته على أرض المعركة، خسِّر أيضاً، على الأقل حتى الآن؛ تبعاً لتحالفه مع جماعة الإخوان (المؤتمر الوطني)، التي اُشْتُهِرت باستعداء جميع الدول، ولها في ذلك تاريخ مديد وباع وذراع؛ خسر كل دول الجوار عدا اثنتين، واحدة منهما ستغيّر موقفها قريباً.
وفيما يتخبط -البرهان- داخلياً ويتأرجح خارجياً، يمضي قائد الدعم السريع بخطىً ثابته وواثقة في الفضاءين، بمواقف مبدئية وخطاب واقعي، فقد وافق الرجل بحسب ما ورد في الإعلان الناجم عن اللقاء التاريخي الذي جمع بينه و قادة الأحزاب السياسية والمنظومات المدنية الممثلة في تنسيقية (تقدم)، على انفتاح قواته على وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار عبر التفاوض مع الجيش السوداني، وهذا موقف متقدّم بما لا يُقاس على موقف الجيش المُتأثر بتوجهات (الكيزان) والمصبوغ بأيدلوجيتهم. كذلك عدّ كثير من المراقبين اعتذاره للشعب السوداني عن الانتهاكات التي حدثت خلال الحرب، والتزامه بالقبض على المتفلتين ومحاكمتهم موقفاً غير مسبوق لقوات متقدمة في الحرب، لم تأخذها العزة بالنصر فتتعالى على تقديم (نقد ذاتي)، مؤسسي لأدائها في بعض النواحي، والسعي لمعالجته.
وبجانب وقف العدائيات، تتضمن الإعلان الموقع بين الطرفين، على تسهيل عمليات إيصال المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين، وإنهاء الحرب وتأسيس الدولة.
ولأول مرة منذ اندلاع الحرب، اتاح اللقاء على هامشه فرصة ثمينه للإعلاميين لطرح أسئلتهم على قائد قوات الدعم السريع، حيث نظم مؤتمراً صحفياً محضوراً، أجاب خلاله على الأسئلة الشائكة بصراحة ووضوح، حيث اعتبر (قيادة الجيش) الحالية التي يتحكم فيها الإخوان المسلمين، محض عصابة سيطرت على السودان وموارده، وأن البرهان يستغل مؤسسات الدولة ويكذب على العالم، وأن الدعم السريع ليست مليشيا وإنما قوات، وهذه حقيقة يعرفها الجميع ويعرفون كذلك كيف تأسست ومتى وهل لديها قانون أم لا، وماذا كان يقول عنها البرهان وقادة الجيش قبيل الحرب بأيام. وأشار إلى أن الجيش مارس التطهير العرقي بحق أبناء دافور وكردفان – خصوصًا في ولايتي الشمالية والجزيرة، والخرطوم أيضًا – بزعم انتماءهم للدعم السريع.
وطرح الإعلان رؤية واقعية وبناءة حول تأسيس سودان جديد قائم على المواطنة المتساوية كأساس للحقوق والواجبات وأن تقوم وحدة السودان على الاعتراف واحترام التنوع والتعدد، وأن يكون الحكم فيدرالياً ومدنياً ديمقراطياً، مع تنفيذ برامج شاملة لإعادة بناء وتأسيس القطاع الأمني وفقاً للمعايير المتوافق عليها دولياً وصولاً إلى جيشٍ قومي مهني واحد يعبر عن جميع السودانيين وفقاً لمعيار التعداد السُكاني على أن يخضع للسلطة المدنية، ويُمنع من ممارسة الأنشطة السياسية والاقتصادية.
ومع ذلك، تبقى الكثير من خطاب قائد الدعم السريع ومؤتمره الصحفي وبنود الإعلان المُبرم بينه و(تقدُّم)، نتركه لنستعرضه في مساحات تالية، ونتمنى أن يلتحق قائد الجيش بهذه المسيرة وأن يستجيب لصوت العقل، وهذا لن يحدث إلاّ إذا ما فض ارتباطه وفك عِقاله عن الفلول والبلابسة، ووضع مصلحة الوطن والمواطن فوق طموحاته الشخصية التي وضح جليّاً إن إمكانية تحققها أصبحت (تحت الصفر)، وما عليه أن يفعله الآن أن يتحلى بالشجاعة والحكمة الضرورتين لانقاذ البلاد مما هي عليه، وأن يعمل على ذلك دون إبطاء أو تأخير، وإلاّ فإنه لن يجد فرصة أخرى، حتى لكي يتنفس في هدوء.
فقد آن أوان انتصار الشعب السوداني على الفلول وشُذّاذ الأفاق.