علي أحمد يكتب: “الحدث” الأكبر !
“الحدث” الأكبر !
علي أحمد..
قناة (الحدث) اختارت تقديم خدمة إعلامية مُفصَّلة لصالح مليشيا الكيزان في السودان، وخلال الأسبوع الماضي قدَّمت وبصياغة مُضللة خبراً عن معارك تدور في أمدرمان أفضت إلى تقدُّم الجيش في ميدان المعارك، وسرعان ما كذبت الوقائع الخبر، لكن الضمير المهني (غير اليقظ) للقناة لم يعر أمر الاعتذار عن تورطها في نشر الخبر الكاذب وعن تحرير مطعم (عوضية سمك) بشارع الموردة في أمدرمان اهتماماً.
وكالعادة، فإنّ ظهور مقاتلو الدعم السريع في تسجيل (فيديو) حي من ذات الأماكن التي أذاعت (الحدث) على الناس نبأ تقدُّم الجيش فيها، وضع خبرها في (كان)، فكان ينبغي من باب (الذوق) المهني فقط، دعك عن يقظة الضمير، أن تخبر (الحدث) الناس بظهور قوات الدعم السريع في ذات الأماكن، ولكنها (قناة) ليس بوسعها تقبل الحقائق الصادمة، ومن ضمنها أن المجموعة التي انتحرت في شوارع أمدرمان ماهي إلّا مجرمين أشرف جيش الكيزان علي إخراجهم من السجون ليستخدمهم في الحرب كطعم يصطاد من خلاله انتصارات على مواقع التواصل لا على مواقع المعارك !
ولم تتأخر (الحدث) عن إجرام الكيزان فساهمت في توزيع الوهم وكأنها لا تدري، والصور المرافقة للخبر أظهرت رجالًا بلغوا من العمر عتيّا وهم في ثياب مهترئة، وصبية زاغت أعينهم من فرط الجوع، فهل فاتت على البصيرة المهنية للحدث أنّ هؤلاء ضحايا لا صُناع نصر؟.
اختيار خبر ما لتقديمه عبر مؤسسة إعلامية، كما هو معلوم يكشف؛ إما عن مهنية ومصداقية أو انحياز وتضليل، ولنفترض أنّ اختيارها لكذبة تحرير أمدرمان كان (غلطة شاطر) لن تتكرر ؛ فما الذي يُحرك القناة لتجزئة الحقائق وخلط الوقائع بالأوهام والضلالات؟.
إنّ تقرير “لينا يعقوب” مديرة مكتب القناة في بورتسودان، سئ وضعيف، ليس فقط لأنه لم يلتزم الحياد المهني والموضوعية، بل لما فيه من خداع وتضليل، بما يُشبه الإشتراك في الجريمة، حيث قالت إنّ (مجلس السيادة) – غير الموجود أصلًا – أقر بوجود نقص حاد في الأدوية، وهذه حقيقة، ليس لعصابة بورتسودان بدٌ غير الإقرار بها، فمنظمات التنمية والصحة والغذاء الأممية، قالت إنّ الأوضاع الإنسانية كارثية قد بلغت مرحلة الخطورة العالية، ولكن مديرة مكتب (الحدث) قالت في تقريرها إنّ قوات الدعم السريع هي من تسببت في انهيار الوضع الصحي بالبلاد، بعد ان قامت بنهب مصانع الأدوية والصيدليات في ولاية الجزيرة – يا سبحانك ربي وبحمدك – لكنّه الإعلام المنحاز يعمى عن رؤية الحقائق كما هي على الأرض، ومن الحقائق ما نشرته قوات الدعم السريع – بالفيديو- ورأينا فيه مخزن ضخم تتكدس فيه أدوية مغلفة بشعار منظمة الصحة العالمية ومنظمات أخرى؛ جاءت كمنحة للشعب السوداني، لكن الكيزان رفضوا توزيعها حتى انتهت صلاحيتها، فما بال “لينا” تعصب عينيها عن ذلك؟. وهنا تخطر في الأذهان حزمة من الأسئلة، مثل: من هي الجهة المتسببة في انهيار المنظومة والوضع الصحي؟ ومن الذي نهب أدوية المواطنين؟ وهل هي قوات الدعم السريع؟!
لا بأس، فلتختر قناة (الحدث) مفارقة المهنية إلى صف البلابسة والكيزان، ولكن طريقة عرضها لقصف طيران الجيش للمدنيين والمرافق المدنية بولايات دارفور، وخصوصًا مدينة نيالا، وهي الأحداث الأكثر مأساوية في الآونة الأخيرة، لا يقدح في ضميرها المهني، بل في ضميرها الانساني أيضًا، حيث عرضت الخبر عرضاً سريعاً ضمن باقة أخبار تحت عنوان ما سمتها بانتهاكات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، رغم أنّ الوازعين الأخلاقي والمهني يستوجبان التركيز على السياق الزمني الذي ولدت من رحمه صفة (عاجل)، قبل أن تُسفح في بلادنا وتحل مكانها أخبار البذيء البرهان تسبقها كـ(عواجل)، إنه عجين (لينا) لا يختمر إلاّ في قِدْر (الكيزان)!
ويتجلى انحياز القناة للكيزان – عليهم اللعنة – أو بالأحرى انحياز طاقم مكتب القناة في السودان، في التكرار المُمل وتدوير الضيوف ومعظمهم من (البلابسة) للتعليق على مجريات الحرب، وكما يعلم (راعي الضان في الخلاء) أن التركيز على تكرار ضيوف بعينهم لا يأتي اعتباطاً وخبط عشواء، وإنما وفقاً لخطة ما، وهي في هذه الحالة (اللينية)؛ لتكريس الخطاب المُرتجف العقيم الذي مبتدأه وخبره جُملة (بل بس)، وهذا ما يفسر إصرار (الحدث) على الاستمرار في استضافة تقديم شخصيات ثبت كذبها على نفس شاشتها، ويا لها من شخصيات مهزوزة وموبوءة بالفقر الأخلاقي، ولكن، ولحسن الحظ، لقد بلغ معظم السودانيين مرحلة التمييز، وتجاوز جلهم سِن الطفولة الفكرية، وشفى أغلبهم من عمى الألوان، وصاروا الآن يرون بكل وضوح شعار (الحدث) بلونه الرمادي المدسوس!