الله رعاك والشر تعداك أيتها الحبيبة الغالية بابنوسة (القميرة).

77

 

الله رعاك والشر تعداك أيتها الحبيبة الغالية بابنوسة ( القميرة )

قبل أيام خلت ساد القلب حزنا عميقا وهاهي سحابة الحزن تطل مرة آخرى بسبب نذر وارهاصات التدهور الأمني الذي يطل برأسة مهدداً مدينة بابنوسة .
هذه المدينة العملاقة التي ولدت بأسنانها كما يقال لها وقع خاص . ففي الماضي القريب كانت قرية صغيرة وادعه مركز ثقلها الاتجاه الشرقي عند رهد ابو اسماعيل ، حيث السوق والمقاهي التي تتكي عندها اللواري السفرية القادمة من الشرق والشمال والوسط والمتجه الي الجنوب والغرب . وكانت تسمى (بالحمارات) نسبة لرهود الحمارات التي تمتد في الاتجاه الشمالي الشرقي .
في منتصف خمسينيات القرن الماضي عند وصول خط السكة حديد تم تخطيط موقع المدينة الحالي وتم نقل السوق اليه ، وفي زمن وجيز ظهرت معالم الحضارة والعمران بعد انشاء مرافق السكة حديد . ثم اكتسبت ميزة استراتيجية خاصة بعد تفرع خط السكة حديد منها جنوباً الى مدينة واو وغرباً الى مدينة نيالا . وسميت بمدينة (بابنوسة ) نسبة لانتشار شجر الابنوس في ارضها . ثم ازدادت انتعاشاً بعد قيام مصنع البان بابنوسة في منتصف ستنيات القرن الماضي، بالاضافة لقطعان الماشية التي ترد الى سوقها في موسم الخريف من سكان المنطقة رعاة الماشية ، هذه الطفرة الاقتصادية جعلت افئدةً من الناس تهوي إليها. تطور العمران وازدهرت التجارة والمناشط الاخرى .
انصهرت هذه الهجرة السكانية مع بعضها فأنتجت سبيكة نادرة الوجود ، أصبحت نموذجاً لسودان مصغر ، يتجلى ذلك في المناسبات العامة خاصة في الاعياد الديينية والوطنية مثل عيد الاستقلال ، تعج ساحة الحرية في منتصف المدينة بالمهرجانات التي تجمع كافة القبائل والأثنيات تجد الفرق الشعبية لقبائل ( المسيرية ، الحمر ، الفلاته ، الزغاوة ،
النوبة ، الدينكا ، الزاندي ، المساليت ، البني هلبه، الرزيقات ، الكدرو، طمبور الشمال وغيرها …). لوحة سودانية في غاية الروعة والجمال والحب والألفة . هذا الخليط ايضا انتج ابداعاً مشرقاً في مختلف المجالات، ظهرت الأندية الثقافية والرياضية وتطورت الأنشطة بسرعة هائله خاصة كرة القدم . وضروب الفن الاخرى .الفن الغنائي ، فرقة جاز بابنوسة ، فن التمثيل والمسرح ودار السينماء والندوات الثقافية والعلمية.
في المجال الديني أعياد رمضان والاضحى والمولد النبوي لها نكهة خاصة ، تتراءى تلك الامواج البشرية متنقله من حي الى آخر في تداخل بديع مهنئة بعضها البعض لتأكيد العفو والصفح والتسامح . ثم تلك الخطب الجريئة التي امتاز بها منبر شيخنا الراحل مولانا احمد حميدي طيب الله ثراه ، والتي تتناول احداث الساعة خاصة الظواهر السالبة لتصبح حديث المدينة في اليوم التالي، كان لخطبة المميزة اثر كبير في تهذيب مجتمع المدينة وصبغه بالروح الدينية نسأل الله أن يتقبل جهده ويسكنه أعلى الجنان .
رغم التدهور الاقتصادي الذي اصاب المدينة بسبب اندلاع حرب الجنوب ، ثم حرب دارفور لاحقاً واخيراً انهيار هيئة السكة حديد الا انها ظلت محتفظة بألقِها ومازالت تضم في صدرها الحاني مختلف القبائل .
قبل اسابيع وبعد وصول قوات الدعم السريع الى منطقة بليلة وتخوم مدينة المجلد حلقت طائرات الجيش في سماء مدينة بابنوسة ،والقت ببعض حممها في حي ابو اسماعيل شرق المدينة، وفي حامية الجيش حسب شهود العيان . وفي تقديرنا ان هذا التحليق رسالة إنذار واضحة المعنى ، وربما ترجمة عملية لتلك التغريدة التي كتبها العنصري عبدالرحمن عمسيب والتي أورد فيها ( بأن قبائل المسيرية والرزيقات جاءت تحمل الينا الديموقراطيه على ظهر التاتشرات ، وسنحملها اليهم تحت أجنحة الطائرات ) . ظناً منهم ان مدينة بابنوسة خاصة بالمسيرية وحاضنة للدعم السريع . ليتهم يعلموا انها سودان مصغر وليست حكرا للمسيرية .
نحن نؤمن بأن هذه الحرب من أقدار الله وانها طالت كثير من مدن السودان، ولكننا نتضرع له بخالص الدعاء ان يحكم عقول الحكماء ، وان يجنب بابنوسة كيد الحاسدين والفتن وسوء القضاء ) . الحرب مهما طالت فهي الى انتهاء ، اذن لاجدوى من تدمير ماتبقى من مدن خاصة بابنوسة -السودان – فهي لاتستحق ذلك . فوضنا أمرنا لله وهو خير الحافظين .

غالب الزين آدم يوسف
من ابناءحي البوستة بابنوسة مقيم بدولةقطر.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *