علي أحمد: صورة (حميدتي) وورطة البرهان!

66

 

 

علي أحمد: صورة (حميدتي) وورطة البرهان!

في أحايين كثيرة تعجز اللغة عن التعبير بدقة عن حدث ما، لكن الصورة لا تكتنفها هذه الحالة من العجز التعبيري، فهي أداة إفصاح وكشف وتأثير شديدة الصلابة قوية التعبير وسريعة التأثير؛ لذلك أصبحت الصورة الصحفية أهم أنماط الرسائل الاتصالية بما لها من أثر مباشر وفوري على الجمهور؛ ولقدرتها على صناعة الوعي الفردي والجماعي وتشكيله وتوجيهه لحظة إطلاقها وبصمتٍ وسكينة؛ مُتجاوزة الثرثرات والحيّل، لأنها لا تكذب أبداً، فضلاً عن تمتعها بالاستقلالية والحيادية ما يمنحها ثقلاً فيما يتعلق بالمصداقية والموضوعية؛ لا يتوفر للنصوص المكتوبة.

وصور قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، خلال مشاركته في القمة الاستثنائية الثانية والأربعين لرؤساء دول وحكومات الهيئة الحكومية (إيغاد) في مدينة عنتيبي بأوغندا، مع رؤوساء دول شرق أفريقيا والمسؤولين الدوليين وممثلي المجتمع المدني، عززت وجوده كقائدٍ أفريقي مهم؛ ورسّخت صورته كزعيمٍ ينبغي الاستماع إليه والتحاور معه.

يالها من (ضربة معلم)، فالرجل لو خرج من هذا الحدث الإقليمي المُهم بهذه الصور فقط، لكان ذلك كافيّاً في هذه المرحلة شديدة الحساسية من تاريخ السودان السياسي والاجتماعي والثقافي!.

لا نلقي بكلماتنا هنا جُزافاً، وإنما نتحدث عن الحقيقة المُجردة (عن الصورة) بأبعادها الأفتراضية ومناحيها التفاعلية وتأثيراتها، ونحاول تفكيكها ونقد خباياها، فقد حقق قائد الدعم السريع في هذه القمة الاستثنائية أموراً أكثر استثنائية وأهمية؛ عندما اخترق من خلال صورة المتعددة مع الرؤساء الأفارقة احتكار الدولة للصورة كما اخترقت قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب وحتى الآن احتكار الدولة (الجيش) للمعلومة ولصناعة الخبر، وهذا تحول عميق وانقلاب غير مسبوق على السائد.

في الجانب الآخر، بدا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في غيابه عن القمة واعتذاراته المتكررة عن الحوار، ونكوصه وتنصله عن وعودة في (جدة) ومع رؤوساء دول منظومة (إيغاد)؛ في جيبوتي وكمبالا ، بدا كشخص غير راغب في ايقاف الحرب، ما رسخ لدى المجتمعين الإقليمي والدولي صورة شديدة البؤس منطمسة المعالم عنه، بل بات الجميع على ثقة تامة بأنه ينفذ هذه الحرب من أجل استعادة النظام المخلوع لسلطته التي نزعها عنه الشعب، وأن الرجل كادر (أخونجي) مُنظم في الجماعة الإرهابية التي صادرت قرار الجيش السوداني من خلاله وعبثت بـ(إعدادات) الأمن القومي و السلم المجتمعي.

هل تذكرون، صورة (البرهان) وهو يخاطب (صفوفاً) من جُنده المهزومين؛ في معسكر (جبيت) بشرق السودان، هل لاحظتم – بعيداً عن اللغة البذيئة التي استخدمها للتعبير عن رغبته (رغبة تنظيمه) في الاستمرار بالحرب – فقد كان الرجل مرتبكاً ومنفعلاً وعدائياً إلى حد فقدانه السيطرة على لسانه؛ وقارن بينها وبين صور (حميدتي) بدءاً من جولته الأفريقية الناجحة من أوغندا، إلى إثيوبيا وجيبوتي وكينيا وجنوب أفريقيا، ثم اتفاقه مع (تقدّم) وقبوله بمبادرة (إيغاد) وبالتحول المدني الديمقراطي وإيقاف الحرب فوراً ولقاء (البرهان) دون شروط مسبقة، ثم تتويج كل ذلك، بصورة الأخيرة في قمة عنتيبي، لقاءاته الموثقة بالصور.

صورة حميدتي وهو يتوسط الزعماء الأفارقة، كواحدٍ منهم، تقابلها ظلال حروف وزارة الخارجية (الكيزانية) التي أعلنت في (بيان) ليست فيه إبانة، عن تجميد التعامل مع «إيغاد» بشأن ملف الحرب السودانية. إنه بيان (العزلة) المحلية والدولية بامتياز، إذ يحوي كلمات مُفككة ومُرتبكة مقابل صورة راسخة وموقف ثابت ومبدئي.

الآن، لا أحد يرغب في وجود عبد الفتاح البرهان، بوصفه مهدداً للأمن والسلم الإقليمي والدولي، فيما صورة (نظيره) تحمل دلالات وعلامات القائد المُبادر والمرّن، والقوي أيضاً، حيث إنّ دوي الانتصارات الساحقة التي حققها في معركته مع جيش (علي كرتي) بقيادة الكوز عبد الفتاح البرهان، ترافقه أينما حل.

إنها الصورة الراسخة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *