العقوبات الاقتصادية الأوروبية .. السلاح الذي لم يصب الهدف

33

في سلسلة التحركات الدولية التي تأتي في إطار تضييق الخناق على طرفي الحرب في السودان، فرض الاتحاد الأوروبي، عقوبات على ست شركات متورطة في تمويل وتسليح المجموعات المتحاربة ، من بينها شركات تابعة للجيش السوداني وأخرى متورطة في توفير المعدات العسكرية لقوات الدعم السريع، وجاء قرار المجلس الأوروبي على خلفية إن الشركات الستة مسؤولة بشكل مباشر عن دعم الأنشطة التي تقوض الاستقرار والانتقال السياسي في السودان.

ومن الشركات التي شملها قرار العقوبات، ثلاث شركات مملوكة للجيش السوداني وهي (منظومة الصناعات الدفاعية، وشركة “smt” للصناعات الهندسية) وهاتين الشركتان مسؤولتان عن تصنيع الأسلحة والمركبات ، إضافة إلى شركة زادنا العالمية للاستثمار المحدودة التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية. إلى جانب ذلك شملت العقوبات ثلاث شركات يسيطر عليها الدعم السريع.

وهي شركة الجنيد للأنشطة المتعددة المحدودة، وشركة تراديف للتجارة العامة المحدودة، وشركة “gsk” أدفانس المحدودة،وجميع هذه الشركات تعمل على شراء المعدات العسكرية لقوات الدعم السريع. وقرر المجلس الأوروبي تجميد أصول الشركات المدرجة وحظر تقديم الأموال أو الموارد الاقتصادية لها أو لمصلحتها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وبحسب احصاءات سابقة فقد بلغ عدد الشركات التابعة لمنظومة الصناعات الدفاعية، التي تخضع بدورها إلى وزارة الدفاع، أكثر من 200 شركة في العام 2020. ويبلغ العدد الإجمالي للشركات العسكرية حوالى 250 شركة، بما فيها تلك التابعة لقوات الدعم السريع.

الخرطوم: بلو نيوز الإخبارية

حظر وملاحقات

العقوبات المفروضة من المجلس الأوروبي على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لن تكون الأولى ولا الأخيرة بحق هذه القوات وأسماء شخصيات ورجال أعمال وسياسيين مدنيين تابعين لها وهذه العقوبات بدأت تتدرج منذ منتصف مايو الماضي وستكون هنالك سلسلة من العقوبات حتى تتوقف هذه الحرب لتشمل كل الشركات المتعاونة في مجال التعدين والاتصالات كما يقول المحلل السياسي عروة الصادق في حديثه لـ(راينو) ، ويمكن أن تفتح تحقيقات جنائية خاصة وأن المجلس الأوروبي متعاون مع المحكمة الجنائية لذا يجب أن يعي الجنرالات انهم سينزلقون في فخ العقوبات والملاحقة الجنائية والحظر على ممتلكاتهم ليشمل الحظر المالي وحظر الطيران.

ويرى الصادق إنه كلما اتسع نطاق الحظر والعقوبات سيتأثر به الشعب السوداني ويضيّق عليه كما فعلت الإنقاذ التي تحايلت على الحظر بتحويل شركاتها إلى واجهات أخرى، وهذا مايفسره الآن ظهور اسماء أعمال وشركات جديدة كلها واجهات للمؤسستين لتسهيل حركة الأموال، مما يعني أن العقوبات لن تكون ذات تأثير شديد لأن التحايل على حركة السلاح وتسريبه أصبح سهلا جداً حول العالم، وتطورت الملاذات المالية الآمنة والمكانية أيضاً، مع اتساع رقعة الدكتاتورية في إفريقيا التي أصبحت الآن لا تمانع في استضافة اي شخص مُلاحق دولياً. ما يعني أن سلاح العقوبات لن يخفف من حدة العمليات العسكرية وحِدة الحرب، و رأينا كيف ذادت حدة الحرب بعد صدور قوائم تابعة للمؤسستين، لكنها وبحسب عروة، ستحد من حركة بعض الجنرالات حال تمت ملاحقتهم ويمكن أن ينسحب الأمر إلى أسرهم إذا كانت هنالك اسماء مترابطة مع بعضها .

تشير إحصاءات إلى أن مجموع سكان الدول الثمانية (كوبا، العراق، السودان،فنزويلا، إيران ،كوريا الشمالية، روسيا) والصين جزئياً الآن )، التي تعرضت للعقوبات يبلغ 1.8 مليار نسمة ، ما يعادل أكثر من 25% من مجموع سكان العالم تحاول العقوبات وتسعى لعرقلة التبادل التجاري الحر بينها وبين بقية العالم، وهذا مايفسر جزئيا مع عوامل أخرى ، الأرباح الطائلة التي تحققها الشركات عابرة القارات على حساب إفقار الدول والشعوب واضعاف مجتمعاتها.

لماذا سلاح العقوبات؟

للسودان علاقة قديمة بالعقوبات، وذلك عندما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية منتصف التسعينات عقوبات شاملة وبحكم الهيمنة الأمريكية تحولت تلك العقوبات إلى عقوبات دولية تضرر منها المواطن السوداني بصورة مباشرة و أثرت تاثيراً كبيراً على حياته وعلى القطاعات الإنتاجية فيما دبر نظام الإنقاذ ورأسماليته الطفيلية الحال للاستفادة القصوى منها ،سياسياً ومالياً.

وفي هذا الإتجاه يقول الخبير الاقتصادي المهندس عادل خلف الله في حديثه لـ(بلو نيوز) إن الأحداث أثبتت لاحقاً أن سلاح العقوبات لم يعد ناجعاً، إذ استطاعت الدول والانظمة المُعاقبة أن تتكيف مع العقوبات وتنفذ من الثغرات، ومن السوق الموازي ،وكارتيلات صناعة السلاح وعصاباتها ، رغم التكلفة المالية العالية في التبادل التجاري والتي ترهق ميزانياتها.

ويشير خلف الله إلى أن العقوبات الأخيرة التي فرضتها أمريكا على أفراد وشركات لطرفي الحرب في السودان، ثم بريطانيا ثم أخيراً المجلس الاوروبي الذي فرض عقوبات على ست شركات تابعة للجيش و قوات الدعم السريع ليست ذات جدوى ،ومحدودة الأثر ، للأسباب التالية:

أولاً اتخذت القعوبات شكل تجميد حسابت وقيود على التأشيرات ، ومعلوم أن هذه الشركات لديها أكثر من حساب وأكثر من فريق عمل، ثانياً عقوبات بريطانيا هي عقوبات فرضتها وحدها وبالتالي تخص بريطانيا وشركاتها المتعاملة مع الست شركات المعاقبة بينما هناك عشرات الدول غير مُلزمة بتنفيذ هذه العقوبات، أخيراً عقوبات الاتحاد الاوروبي صادرة عن المجلس الاوروبي European ouncil وهي ليست ملزمة قانونياً لأعضاء الاتحاد الاوروبي. ولذلك ،فى التقدير ، لن يكون لها والعقوبات البريطانية الأثر المحدود الذي نجم عن العقوبات الأمريكية ،التى تمت الاشارة اليها ،حتى على المدى الطويل . لذا دلت التجارب على عدم نجاح العقوبات في تحقيق الهدف منها على الأقل في المدى القريب …اذن لماذا تفرض؟ هكذا يتساءل ويجيب الخبير الاقتصادي عادل خلف الله بأن الدول الغربية تفرض العقوبات لتحقيق هدف سياسي لم تنجح في تحقيقه دبلوماسياً، وتعتبر خطاب داخلي للمجتمعات الغربية ،ونوع من الدعاية السياسية،حسب المنافسة واحتدام الصراعات ، وذر للرماد في العيون،من قبل اننا قمنا بواجبنا كحكومات أو مؤسسات تشريعية، تلويح بالعصا و تخويف الآخرين من الدول ذات التوجه الاستقلالي، والهدف الأهم هو أن تحقق الشركات عابرة الجنسية مزيد من الأرباح ، وأن تتضخم رؤوس أموال الطفيلين وسماسرة الأزمات لأنه في ظل العقوبات ينشط تجار الأزمات لتوفير السلع والخدمات للدول المعاقبة بأعلى التكاليف من ذات الشركات الغربية ولكن بطرق ملتوية.

وعلى الرغم من أن بعض العقوبات فرضت لاعتبارات انسانية متعلقة بتجاوزات في مجال حقوق الانسان وحماية المدنيين ، ولكنها في المنتهى لاتخرج عن دائرة النفاق السياسي واذدواجية المعايير لمعظم الدول الغربية، خاصة بعد انكشاف هذه الدعاوي في حصار العراق ، كأطول وأسوأ نوع من العقوبات ،والعدوان على شعب فلسطين لاسيما الإبادة الجماعية والتدمير فى غزة .

و وفقاً لخلف الله إن مجريات الحرب المدمرة في السودان لنحو عشرة أشهر ، والخطوات العملية لوقفها ،دولياً واقليمياً ،إن العامل الحاسم في وقفها ،ودون شروط ،هو تبلور إرادة شعبية فعالة ،تنطلق من التوافق الوطني الواسع الرافض لها ،عبر أوسع جبهة شعبية، بعد أن تأكد أكثر من أي وقت مضى ،عدم اكتراث طرفيها بتداعياتها الانسانية والاجتماعية والاقتصادية.

ويشهد السودان عمليات حربية طاحنة منذ إبريل 2023‪ بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، راح ضحيتها أكثر من 12 ألف من المدنيين ونزوح ولجوء أكثر من 6 ملايين شخص، بجانب تدمير البنى التحتية للدولة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *