علي أحمد: رجل ألــ(5) مليون دولار .!!

58
الأستاذ علي أحمد..

 

رجل ألــ(5) مليون دولار .!!

علي أحمد ..

أول عمل فني أجنبي شاهدته في حياتي كان هو المسلسل الأمريكي: رجل الستة ملايين دولار (The Six Million Dollar Man)‏ ، حينها كنت في زُغب طفولتي المبكرة، وكان المسلسل من أعمال الخيال العلمي، يحمل قصة فطيرة وساذجة تليق بطفولتنا، وكانت الشخصية الرئيسة بالمسلسل (استيف أوستن) قد خسر أطرافه ليتم تركيب أطراف اصطناعية له بمبلغ (6) مليون دولار،- كان مبلغاً مهولاً بحساب ذلك الزمن الجميل- حتى يتمكّن من القيام بالمهمة الخارقة التي أوكلت إليه لإنقاذ الكوكب، وهي بلا شك قصة خارقة ومبهرة لأي طفل ولد قبل أن يتسور القط “توم” جدران منازلنا مطارداً للفأر “جيري”، وما جذبني شخصيًا إلى المسلسل أن أغلب مشاهده كانت بالحركة البطيئة، والتي كنتُ أراها لأول مرة، قبل أن نكبر ونشب ونستمع إلى (أبونا) الذي على قيادة الجيش يُعلمنا معنى “الحفر بالإبرة” ونرى نتائج (فعلته) عياناً بياناً، وبالاً عليه وعلينا وعلى بلادنا!

لست هنا لأستلهم شيئاً من مسلسل الطفولة غير الملهم، ولكن عنوان المسلسل قفز إلى ذهني من ركنٍ قصي بالذاكرة بعد أن أعلنت الحكومة الأمريكية عن مكافأة قدرها (5) مليون دولار لمن يساعد في القبض على الكوز “أحمد هارون”، المطلوب لدي المحكمة الجنائية الدولية، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ليُصبح رجل ألــ (5) مليون دولار في العالم، بأقل من مليون دولار من بطل طفولتنا، وعكسه تمامًا ، فبطلنا كان يريد أن يريد إنقاذ الكوكب، بينما من يساعد في القبض على “مُجرمنا” سينقذ الكوكب من شروره ويجعله مكانا أكثر آمناً وصلاحية كي يعيش عليه البشر.

والطلب الأمريكي أحدث فرحة طاغية لدى جميع الشرفاء والأبرياء الذين اكتووا بنيران هذا المجرم المجاهر بفعل القتل؛ ( اكسح.. أمسح.. قشوا – ماتجيبو حي..)، والفرحة الشعبية تحولت إلى سخرية لاذعة بوسائل التواصل الإجتماعي، سخرية من المجرم الهارب الذي تم تهريبه من سجن (كوبر)، حيث كان يدير ويوجه كتائب الظل – والعلن- بما تفعل استعداداً لحربهم في 15 ابريل، التي ارتدت عليهم وبالاً ونكالاً، ما اضطرهم لتقديم إجرام إضافي تمثّل في رسالة صوتية تضليلية صادرة عن المجرم الهارب مفادها أنهم اضطرو إلى مغادرة السجن حفاظاً على حيواتهم وأنهم سيرجعون إليه متى ما استتبت الأحوال، وما ورد بعد الحرب يؤكد بدرجة اليقين إنه تم إخراجه من السجن بعلم البرهان قبل يوم من إشعالها، ليقود مهمة استرداد الحكم بعد النصر الذي قدروه بــــ 3 ساعات!!

والذاكرة “الشامتة” الجميلة تستعيد الآن وعده بتسليم نفسه ومن معه حالماً تعود الأوضاع لحالتها الطبيعية، فيما ظل منذ خروجه وحتى الآن في مكانه (المجهول) يتآمر ليلاً ونهاراً كي لا تعود الأوضاع إلى طبيعتها، بل يهرب من زقاق إلى زقاق ومن زنقة إلى أخرى، من أجل أن لا يتحقق ذلك؛ فيعود إلى السجن مكرهاً بعد أن استحال حلم العودة إلى الحكم بعد ساعات، وأيام وشهور ولربما أعوام، بل تحول إلى كابوس مرعب، جعل قائد الجيش نازحاً بنعلِ استحمامه، يمشي هائماً على وجهه كالمنبت: لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى!

والسخرية اللاذعة من المجرم الهارب وإن كانت أغلبها تستكثر عليه مبلغ المكافأة استتفاها واستحقاراً له، إلّا أنها كانت في أغلبها سخرية واعية تصلح استفتاء شعبياً على الموقف من الكيزان المجرمين، خصوصًا وسط الشباب، وقد وضح ذلك جلياً في تنبؤاتهم أن من سيقبض المكافأة لن يكون سوى أحد إخوانه (الكيزان)، ليس فقط لأنهم معروفون باستعدادهم الفطري لبيع أي شيء وكل شيء مقابل المال ، بل أيضاً لأن الغدر والخيانة هي السمة التي تلمع كالخنجر في شخصية (الكوز) – أي كوز- ولا بأس، فالمجرم المطلوب أحد الذين حولوا السودان إلى جغرافية خائنة للطرائد، وقد آن أوان خيانته ليشرب من الكأس التي سقى بها غيره.

الخيانة واحدة وكذلك العاقبة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *