علي أحمد: البرهان والحرب والبكاء على اللبن المسكوب

49
الأستاذ علي أحمد..

 

منذ أن وضع قائد الجيش مشيئته وإرادته الشخصية وعقيدته العسكرية تحت تصرف مليشيات (علي كرتي) الكيزانية، وبايعها على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وعقد عزيمته على المضي قدماً معتنقاً أيدولوجيا العنصريين من بني كوز ممن يسمون أنفسهم مجازاً بدولة النهر والبحر، فيما البحر منهم براء (وحرام عليهم الساحل)، عجز عن رؤية النصف الملآن من الكوب، وظل يحدّق في النصف الفارغ، لا يرى إمكانية تحقق السلام وإيقاف الحرب إلا بمواصلة الحرب التي فشل حتى الآن عن تحقيق (رُبع انتصار) فيها.

وكانت نتيجة ذلك الرفض والتنصل والمتواصلين، أن تفاقمت الكوارث على البلاد والعباد، حيث يواجه الآن، وفقاً لتقارير أممية (دولية) نحو 18 مليون شخص خطر الجوع الحاد، ما حدا بمسؤول أممي رفيع؛ وهو نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية للسودان، السيد/ “توبي هارورد” على التغريد بصفحته في (إكس) محذراً مما سمّاها بالوضع الكارثي في البلاد.

أكثر من ذلك، أعلن المسؤول الأممي أن ما يحدث في الفاشر من قتالٍ ضروس؛ سيكون كارثيا بالنسبة لمئات آلاف النازحين الذين لجؤوا إلى المدينة، والتي امتنعت قوات الدعم السريع لشهور طويلة من دخولها حقناً للدماء وحماية للمدنيين، لكنها أُجبرت على الاحتراب فيها بعد أن أعلن قائد مليشيا الكيزان في الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، أنه لن يوقف القتال وأن الحرب مستمرة إلى الأبد، وأيدته في ذلك جماعات من حركات دارفور المسلحة تحت قيادتي مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، اللذين أعلنا أنهما في حالة حرب مع الدعم السريع، دون مراعاة للمدنيين في المدينة، وأنى لهما أن ينتبها لهذا المبدأ الإنساني وهما يتشبثان بمنصبين لم يعد لهما وجود في الواقع (حاكم دارفور ووزير المالية) على حساب النازحين واللاجئين من الدارفوريين، لهم الله والضمير الإنساني اليقظ.

تقرير المسؤول الأممي الذي بين يدينا، أدان بشكل واضح وصريح تجنيد الأطفال بين أعمار ( 11 إلى 17) سنة، في صفوف الأطراف المتحاربة، بيد أنه خصّ الجيش بالنصيب الوافر إذ قال: “إنّ تجنيد الأطفال واستخدامهم من القوات المسلحة يعد انتهاكاً خطيراً لحقوق الطفل والقانون الإنساني الدولي”، وبالطبع يعني الرجل هنا (المستنفرين)، حيث صار جيش علي كرتي يمارس تجنيد الأطفال عنوة وزجهم في القتال الدائر، بعد أن نفذ مخزونه من الرجال، وأي رجال هؤلاء الذين يقودهم برهان الهربان وصبي الأواني المنزلية (مفتاح البراء) الذي صار يهرب من مدينة إلى أخرى محرضاً الصبية لا مقاتلاً بعد موقعة ود مدني.

الحرب التي أشعلتها قيادة الجيش المختطفة من قبل مليشيات الإخوان المسلمين (المؤتمر الوطني) في 15 أبريل من العام الماضي، خلفت أكثر من 13 ألف قتيلاً، وما يزيد على 7 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة، لا يريد عبد الفتاح البرهان ايقافها رغم هزائمه المتلاحقة وخسائرة الفادحة فيها، حيث خسر العاصمة الخرطوم عدا بعض الجيوب الصغيرة في أم درمان، وخسر كافة ولايات دارفور عدا الفاشر في الشمال، بسبب الامتناع الاختياري لقوات الدعم السريع عن دخولها، ولربما ستسقط خلال الأيام المقبلة لتصبح دارفور كلها تحت قبضة الدعم التي سيطرت على كامل ولاية الجزيرة في الوسط وأجزاء واسعة من ولايات كردفان، بينما تقف على تخوم الشرق ناحية الفاو، ومشارف الشمال من جهات عديدة.

إن البرهان وتنظيمه الإرهابي يخوضان حرباً خاسرة بكل المقاييس، ولا يريدان ايقافها، رغم المعاناة والكوراث التي تسببت بها، وها هم داعمي الحرب من فلول (بل بس) يبكون انقطاع الاتصالات عن الشمال والشرق كثكالى وايتام، فيما صمتوا عن ضرب جيش علي كرتي لكيبلات الاتصالات وقطعها عن دارفور وأجزاء واسعة من كردفان منذ بداية الحرب، وكأن أهل تلك البقاع لا يستحقون التواصل مع العالم من حولهم، وأن أهل الشمال المقيمين في مناطقهم أو النارحين إلى الشرق، هم فقط من يستحقون التمتع بخدمات الإنترنت، أما من يسمونهم بالرعاع وعرب الشتات وجراد الصحراء و”الغرابة” وغيرها من الأوصاف العنصرية البغيضة التي تزيد أوار الحرب وتشعل الصدور بالحقد والغيظ فلا يستحقون غير الموت والإبادة والمسح عن الوجود.

إن البرهان المعروف في أوساط الجيش وبين زملاؤه ومن عاشروه بأنه عنصري بغيض، شديد الكراهية للسودانيين الآخرين الذين لا ينتمون لمنطقته وإقليمه، وقد عبّر عن ذلك صراحة في مقطع فيديو ذائع ومشهور وهو يخاطب بعض سكان ولاية نهر النيل إبان الفترة الانتقالية، بقوله: ” أنتم خلقتم لتحكموا”، بصريح هذه العبارة وكامل وضوحها، وهل من عنصرية وقلة أدب وتعالٍ أكثر من ذلك.

هذا هو المبدأ الأول والأخير الذي ينطلق منه البرهان ورهطه من الكرتيين والنهريين والعنصريين المجانين الذي رهنوا البلاد والعباد لأوهامهم الزائفة، وتسببوا في الحرب ودمروا كل شئ، ثم يأتي الواحد منهم ليزرف سخين دموع (التماسيح) على عدم قدرته على الوصول إلى الإنترنت، فيما يموت الناس جوعاً ونزوحاً وبالبراميل المتفجرة.

لا إنترنت للبعض دون البعض، ولا أمان وسلام للبعض دون البعض، السلام للجميع أو لا سلام، ولا حل غير الجلوس والمفاوضات، وإلاّ فإن هذه الحرب لن تنتهي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأعذرنا إذ أنذرنا، والسلام.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *