هجانة: أطقعوا طقع نضيف: تأملات في خطاب إعلان حميدتي للحرب.

119

المستشار اسماعيل هجانة

في تحول بالغ الأهمية للأحداث، تلوح في الافق، بداية مرحلة جديدة من انفجار بركان الغضب العسكري و شبح عنف الحرب بشكل كبير، والذي بشرت به جولات البرهان واعقبها خطاب حميدتي المسجل الذي اتسم بالصراحة كعادته كما تداولته المنصات الرقمية والقنوات بصورة واسعة مساء اليوم الاحد الموافق 11 فبراير، ووجد صدى كبير أوساط المهتمين بالشأن السوداني، محليا وعالميا. هذا الخطاب القوي الذي يمثل شبه بداية نهاية فترة المفاوضات، وبداية صراع يعد بأن يكون غير مسبوق في عنفه وعدوانه. ويأتي هذا الإعلان في أعقاب المحاولات الفاشلة للتوسط في السلام وتغيير الموقف المتعنت للبرهان، مما يشير إلى فترة محتملة أكثر قتامة واضطرابًا في المستقبل. وفي اعقاب اعتقالات رشح انها طالت ضباط كبار يزعم أنهم قاموا بمحاولة انقلابية على قادة الجيش. بينما يستعد العالم للاحتفاء بعيد الحب نحن في السودان نستعد لمواجهة اقدارنا في مزيدا من قوافل النازحين واللاجئين والجرحى والموتى في حرب عبثية ضحيتها المدنيين.

لم يكن خطاب حميدتي المسجل مميزًا فقط من حيث محتواه، ولكن أيضًا من حيث طريقة إلقائه. وكانت اللهجة واختيار الكلمات والتوصيات كلها تشير إلى تصميم لا يتزعزع على مواصلة الحرب. وهذا التحول ملحوظ على خلفية الجهود الدولية التي فشلت في التوسط لوقف إطلاق النار أو تعزيز الحوار بين الأطراف المتصارعة. ويؤكد فشل هذه المبادرات فقط مدى تعقيد الوضع، حيث اصطدمت الدبلوماسية بحائط أمام عناد البرهان ومن ورائه جماعة الإخوان التي وصفتها السلطات السعودية في الشهر الماضي في إعلان رسمي بأنها جماعات إرهابية.

وزادت تصرفات البرهان من تعقيد السيناريو. وقد أدى تهربه من جدة، بعد سحب ممثلي الجيش، ورفضه التعامل مع منصة إيغاد، إلى عزله دبلوماسيا. ويشير تجميد عضوية السودان في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) وتحولها نحو إيران بعد ذلك إلى استراتيجية أدت إلى نفور الكثيرين وكسب القليل من الحلفاء. بالاضافة الى حشد المستنفرين وانتشار خطابات التعبئة لاستمرار الحرب خاصة من انصار النظام السابق. إن مسار العمل هذا، الذي يبدو متأثرًا بالفصائل الإسلامية وشبكاتها الدولية، يلقي بظلال من الشك على التزامات البرهان السابقة بالسلام. لا يضع أي اعتبار لمعاناة المدنيين الذين تجاوزوا 10 مليون نازح أعلى نسبة نزوح في العالم، وكما أصبح عدد اللاجئين قد تجاوز 1.7 مليون معظمهم في دول الجوار. ويعيش النازحين واللاجئين ظروف إنسانية بالغة التعقيد. وقد أكدت اليونسيف ان عدد الاطفال النازحين في السودان قد بلغ 4 مليون وهي أعلى نسبة نزوح للأطفال في العالم. مع ارتفاع في معدل نسبة وفيات الأمهات والأطفال كما أكدته منظمة أطباء بلا حدود، “ان في معسكر زمزم للنازحين يموت طفل كل ساعتين”، بسبب نقص الخدمات المنقذة للحياة من انعدام خدمات الصحة والتغذية، والمياه النظيفة وانعدام الأدوية والعقاقير الطبية. وانعدام الأمن الذي يحد من وصول المنظمات الانسانية للمحتاجين من المواطنين المتأثرين بالحرب.

ولا يمكن المبالغة في تقدير التكلفة البشرية لهذا التصعيد. ومن المتوقع أن يتفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل للأفراد النازحين والمجتمعات المضيفة. وبينما يقف هؤلاء السكان على حافة مرحلة جديدة وأكثر تدميراً من الصراع، يعاني أكثر من 6 مليون من حالة أشبه بالجوع، وانه وفقا لبرنامج الاغذية العالمي أن أكثر من 20 مليون في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية الملحة. يجب على المجتمع الدولي أن يأخذ في الاعتبار فشل جهود صنع السلام وأن يفكر في العواقب المترتبة على حرب طويلة الأمد في المنطقة.

وفي خطابه، استخدم حميدتي مفردات ذات دلالات محددة ثقافيا، مما يرمز إلى نية الضرب بعنف جامد وجامح، خالي من الرحمة والرأفة أو المساءلة. ونادرا ما تستخدم هذه المصطلحات، المتجذرة بعمق في المعجم الثقافي لقبائل مجتمعات غرب السودان، خاصة البقارة والأبالة، ويحمل أهمية عميقة مفهومة في سياقاته الثقافية والاجتماعية. فهو يجسد اللغة الفظة والعامية للبدو، كما أنها عبارات معبره عن مدلولها، في إضافة مذهلة لتصريحاته السابقة، أكد حميدتي على حتمية الصراع، بالنظر إلى خيار البرهان المتعمد للحرب. واضاف حميدتي قائلا ” ما دام انهم انهم اختاروا الحرب واختاروا طريق الحرب ودايرين الحرب تستمر ان شاء الله الحرب ح تنتهي سريع” ،” وبنقول ليكم يا شباب، ويا ابطال الدور ده الطق يكون طق نضيف وفي كل المحاور”، “نحن لمن اخترنا السلام لسنا بضعاف، اليوم الجينا فيه الى السلام كان بإمكاننا الذهاب إلى شندي والى اي مكان” وشدد بصورة حادة في خطابه عن المرحلة القادمة للحرب قائلا “والدور ده المعكرة ستختلف، وقريبا سأكون معكم في الميدان” هذه لغة لم نعدها من قبل ولها دلالات خطيرة جدا جدا علي مجريات الحرب. وقال بصورة حازمة وحاسمة: ” يا شباب الطق يكون طق نضيف، ما كلام ونسة وما فديوهات” مما يؤكد التحول الخطير في مسار الحرب في السودان نحو الأسوأ والأعنف. على الرغم من أن استمرارها كان نتيجة مباشرة لتصرفات البرهان وجماعة الإخوان ورفضهم المستمر الى مبادرة للسلام. وكان وعده بالانضمام شخصياً إلى المعركة بمثابة إشارة إلى تحول كبير المشهد من الخطاب إلى الفعل، مما يشير إلى الاستعداد لمواجهة الموقف وجهاً لوجه. وتقدم مثل هذه التصريحات لغة جديدة أكثر حزماً، وتمثل خروجاً عن الخطابات السابقة وتحمل عواقب مشؤومة على مسار الصراع. ولا تسلط تصريحات حميدتي الضوء على تعقيدات الانتقال من السلام إلى الحرب فحسب، بل تشير أيضًا إلى فهم عميق للأبعاد الاستراتيجية والنفسية للصراع، مما يؤكد الاحتمال الخطير للتصعيد وزيادة ترسيخ الأعمال العدائية.

ويرسم هذا الخطاب صورة قاتمة لخطورة الصراع الوشيك الانفجار بأقوى مما كان عليه. وعلى الرغم من النغمات العدوانية، أكد حميدتي أيضًا على أهمية حماية المواطنين وأوصى باتخاذ إجراءات قاسية ضد ما أسماهم “الفلول”، مقدمًا خطابًا يعكس الحقائق القاسية للحرب. وتشير هذه اللغة، التي يتردد صداها في الأيام الأولى للحرب، إلى تحول خطير في الخطابة، وان الاوضاع ستؤول إلى حالة لا يعرف مداها وآثارها إلا الله. ونسال الله اللطف بالمدنيين.

إن خطاب حميدتي والأحداث التي وقعت قبله وفي أعقابه هي تذكير صارخ بالتحديات التي تواجه حل الصراعات السياسية العميقة. إن التصميم على مواصلة الحرب، في مواجهة المفاوضات والوساطات الدولية الفاشلة، يشير إلى طريق طويل ومؤلم أمامنا. ومع تطور الوضع، سيكون من الضروري مراقبة الأثر الإنساني والديناميات الإقليمية التي قد تتغير استجابة لهذه المرحلة الجديدة من العدوان.

ويشكل اشتداد الحرب خطراً جسيماً قد يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بالاضافة الى الانتهاكات الفظيعة التي حدثت منذ بداية الحرب، من تصفيات على اساس اثني، او من خلال سن قوانين مثل قانون الوجوه الغريبة، بالإضافة الى ما حدث في غرب دارفور. والانتهاكات المستمرة لاستهداف المدنيين عبر القصف الجوي في دارفور وكردفان. وهو وضع يتطلب اهتماماً عاجلاً ويقظاً. مع تصاعد الصراع، تزداد احتمالات وقوع الفظائع، مما يؤكد حاجة المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان وجميع أصحاب المصلحة المعنيين إلى أن يكونوا استباقيين في المراقبة والإبلاغ ومعالجة أي انتهاكات. ومن الضروري أن تؤخذ الاتهامات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، بغض النظر عن مصدرها، على محمل الجد وأن يتم التحقيق فيها بشكل شامل. إن نزاهة الرد على هذه الانتهاكات أمر بالغ الأهمية، وكذلك ضرورة محاسبة مرتكبيها، دون تحيز لأي طرف. وهذا النهج ضروري ليس لحماية أرواح الأبرياء فحسب، بل أيضا للسعي إلى تحقيق السلام والعدالة في مواجهة الصراع.

وفي ظل الصراعات العسكرية المتصاعدة خاصة بعد التطورات الاخيرة التي تنذر بخطر جسيم محدق، هناك حاجة ملحة لوضع استراتيجية لإنشاء طرق بديلة لنقل إمدادات الإغاثة، وتجاوز الاعتماد على بورتسودان. وهذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص لضمان التدفق المستمر للمساعدات إلى المناطق الضعيفة في دارفور وكردفان والنيل الأبيض والجزيرة. ويشكل تكثيف العمليات العسكرية خطرا كبيرا يتمثل في قطع شرايين الحياة التي توفرها المنظمات الإنسانية، التي تعمل في ظل ظروف صعبة للغاية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنني أوجه نداءً جادا، وحازمًا لجميع المشاركين في النزاع للالتزام بشكل لا لبس فيه بحماية جهود وأفراد المجتمع الإنساني الدولي. ويجب أن يكون هذا الالتزام ثابتاً، بحيث لا يترك مجالاً للتسامح ، أو التهاون أو الشك، مع ضمان إعطاء الأولوية لتقديم المساعدة وحماية حقوق الإنسان وسط هذه الاضطرابات المستفحلة. إن سلامة الممرات الإنسانية وإمكانية الوصول إليها أمر بالغ الأهمية، ويجب أن تكون حماية هذه الطرق جانبًا غير قابل للتفاوض من التزامات الأطراف المتحاربة تجاه المجتمع الدولي.

باختصار، يمثل خطاب حميدتي وزيارات البرهان للقواعد العسكرية وخطاباته فيها، بداية نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى ستكون كابوسا مرعبا في مسار الحرب، وهو خطاب إعلان دخول الحرب منعطفًا حاسمًا، ليس فقط بالنسبة للجيش والدعم ولكن أيضًا بالنسبة للمجتمع الدولي الأوسع. ولا شك أن الأيام المقبلة ستختبر عزيمة جميع الأطراف المعنية وفعالية الدبلوماسية الدولية في التخفيف من تداعيات هذا التصعيد. وبينما نشهد تكشف هذه الأحداث، فإن السعي لتحقيق السلام يظل هدفا بعيد المنال ولكنه مهم على الدوام.

اسماعيل هجانة

المستشار الاستراتيجي للشؤون الإنسانية والتنموية

[email protected]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *