المفقودون في الحرب السودانية .. اختفاء أم إخفاء؟

102

بعد مضي ثلاثة أشهر من الحرب، فقد العم “معاوية” طفله “يوسف” البالغ من العمر أثني عشرة عاماً، وكان آخر ظهور له بمنطقة الكلاكلة التي وصلها قادماً من العيلفون لزيارة جده لأبيه، بدأ العم “معاوية” رحلة البحث عن ابنه “يوسف”، وفي ذات مرة أرشده بعض الأقارب لزيارة معسكر بسوبا يقال إنه تابع لقوات الدعم السريع، استغرق العم “معاوية” ثلاثة أيام للوصول إلى سوبا وكانت تلك الفترة تشهد صعوبة في الحركة مع اشتداد العمليات الحربية في أنحاء الخرطوم.. لم يجد الأب دليلاً للمعسكر سوى بائعة الشاي الموجودة بالقرب من المعسكر، فسألته عن اسم ابنه وتفاصيله وسرعان ما أكدت له وجود طفل بذات الإسم والمواصفات داخل المعسكر ، وبعد مفاوضات نجح الأب في إطلاق سراح ابنه من بين عشرات الأطفال محتجزين داخل معسكر تابع لقوات الدعم السريع بسوبا، واصطحابه إلى منزل الأسرة بالعيلفون بعد اختفاء ثلاثة شهور وكان هذا “أول” اختفاء أو إخفاء للطفل “يوسف معاوية”.

راينو: بلو نيوز الإخبارية –

الإختفاء الثاني:

خلال شهر أكتوبر الماضي اجتاحت قوات الدعم السريع مدينة العيلفون، التي تبعد نحو ثلاثين كيلومتراً عن وسط العاصمة الخرطوم، وحاصرت عدداً من الأحياء السكنية، وأجبرت العمليات الحربية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أعداداً كبيرة من السكان على الفرار وماترتب على ذلك من موجة النزوح الكبيرة لمعظم مواطني مدينة العيلفون إلى المناطق المجاورة، لاسيما مدينة ود مدني التي استقبلت أعداداً كبيرة من مواطني العيلفون، وكان من هؤلاء الناجين العم “معاوية” وابنه “علي” وكانا قد وصلا إلى معسكر “أحمد أبوزيد” بود مدني، يحكي العم معاوية عن اختفاء ابنه “يوسف” للمرة الثانية والتي حدثت أثناء إطلاق النار المكثف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي قُتلت فيها زوجته وفي لحظة الذعر التي تملكت سكان المنطقة سارع الشباب المتطوعون في إحضار عربات” دفارات” لإجلاء المواطنين، دفع الأب ابنه “علي” إلى داخل العربة والتفت لرفع الابن الثاني “يوسف” ليتفاجأ به وقد اختفى في ظرف ثواني، ومع هلع الناس وحرصهم على المغادرة، ويقول العم معاوية “مع الزحمة ديك في واحد من أولاد الحلة قال لي أركب أركب يوسف بلحقك في العربية التانية”.. ولم يستبعد الأب في حديثه لـ” راينو” أن يكون ابنه قد انضم لصفوف الدعم السريع لإكمال ما بدأه في اختفاءه الأول بمعسكر سوبا وقد استنتج ذلك من احساسه كأب وبقية قرائن لم يفصح عنها العم” معاوية”.

في المقابل تم الابلاغ عن اختفاء عدد كبير من المواطنين بفعل الاختطاف من قبل الاستخبارات العسكرية أو المناصرين للجيش السوداني، ويشمل هؤلاء اعضاء لجان مقفاومة او طواريء او ثوار بشكل عام فضلا عن ناشطين في العمل العام.

البحث عن المفقودين:

عدد من صفحات الناشطين وصفحات لمبادرات حقوقية على مواقع التواصل الاجتماعي ، ظلت توثق بشكل متكرر وتبلّغ عن مواطنين مختفين فُقدوا في مناطق حربية وأخرى آمنة ربما تساعد هذه الصفحات في توصيل المعلومات والتبليغ والتوثيق خاصة في ظل انقطاع شبكات الاتصالات في مناطق واسعة بالسودان وصعوبة الوصول للأقسام الشرطية وتوقف عمل بعضها بمناطق أخرى ، ومن هذه الصفحات صفحة تحمل اسم “مفقود” التي تهتم بنشر معلومات المفقودين (الاسم والصورة والعنوان ورقم تواصل لذوي المختفي)، ومن الحالات التي وثقتها هذه الصفحة على موقع فيس بوك، اختفاء الشقيقتان “سعاد وثريّا” عثمان محمد خير المفقودتان منذ الخامس عشر من يناير، من شارع الأربعين بالعباسية، حي الأمراء،و بحسب إفادات الجيران التي نقلتها الصفحة فقد حدث هجوم على منطقتهنّ طُردن على إثره مع بقيّة الأهالي بدون ثياب أو مال أو أي شيء آخر، وإحداهنّ مريضة بالسكري، وأيضاً تم التبليغ عن المواطن يوسف عاصم يوسف وبحسب المعلومات المنشورة تم اقتياده من قبل قوات الدعم السريع منذ أغسطس 2023‪ من جبرة شمال مربع 4 وأكدت آخر المعلومات عنه تواجده بمعتقل البينية شارع المطار ومن ثم انقطعت أخباره، كذلك خرج الدكتور حامد عباس الفكي من منزله في الفتيحاب يوم الإثنين 19 نوفمبر الساعة السادسة صباحاً وانقطعت أخباره بعد وصوله لمحطة الكسارات حيث كانت وجهته الى محطة صابرين – أمدرمان الثورة كما بلغ عنه ذويه

مُدن وأرقام: 

المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري اعلنت عن ارتفاع حالات الاختفاء القسري في عدد من مناطق السودان بعد تمدد الحرب وانتقالها إلى ولاية الجزيرة وسط السودان. وقال عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري عثمان البصري لـ”راينو” إن عدد المفقودين جراء الحرب في آخر إحصاء للمجموعة ارتفع إلى 993 مفقوداً بينهم 96 امرأة و897 رجلاً.

وأكدت المجموعة انضمام مدن في التقرير لتشهد تسجيل حالات اختفاء قسري جديدة في كل من ود مدني والحصاحيصا والكاملين بولاية الجزيرة بجانب جبل أولياء بولاية الخرطوم و الرهد بولاية شمال كردفان.

وكشف البصري عن صعوبات تواجه المجموعة السودانية لضحايا الإختفاء القسري في فتح البلاغات بكسلا تتمثل في طلب حضور الشاكي وقال إن نيابة ولاية الجزيرة في مدني كانت متعاونة لحدً ما، وكشف عن اجتماع سيعقد مع رئيس النيابة العامة بولاية كسلا للنظر في مسألة ضرورة حضور الشاكي.

معاهدات دولية:

يصنف فعل الإختفاء أو الإخفاء القسري على أنه جريمة من الجرائم الخطيرة التي أدانتها وجرمتها مختلف الاتفاقيات الدولية، لما لهذه الجريمة من انسحابات سالبة على الضحية في حد ذاته من جهة، وعلى أفراد أسرته وأقاربه من جهة أخرى ،

دخلت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري حيز التنفيذ في عام 2010. وصادقت عليها حكومة السودان الانتقالية في العام 202‪1 وتهدف إلى منع الاختفاء القسري وكشف تفاصيل حقيقة ما جرى والحرص على تحقيق العدالة للناجين والضحايا وعائلاتهم، والكشف عن الحقيقة، وتلقي التعويض المناسب، والاتفاقية هي واحدة من أقوى معاهدات حقوق الإنسان التي اعتمدتها الأمم المتحدة

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *