يوسف عزت: (الطق النضيف) .. بلوى تدعى “مبارك” تنسب نفسها لفكرة المهدي .!! -(3-4)
التقيت “مبارك الفاضل” لأول مرة وجهاً لوجه في العام “2008” في “القاهرة”، بناءً على طلبه، وبمراسلات عن طريق ابنه “يوسف” في لندن، عبر إيميل الـ(yahoo)، وما زلت أحتفظ بهذه المراسلات. وسبب ذلك كان “محمد حمدان دقلو”، القائد الراهن لقوات الدعم السريع، والذي شاءت الأقدار أن أكون معه وهو يواجه غدراً وخيانة، فكنت شاهداً على فصولها، وكنت شاهداً كذلك على حملات التشويه المتعمدة ضده، والتي تولى كبرها “مبارك الفاضل” ومن لف لفه.
كان “حميدتي” قد تمرد على السُلطة القائمة في العام “2007”، وانضم للعمل المسلح في دارفور، وكنت قد حضرت للمشاركة في التفاوض بشأن وقف الحرب، وصناعة سلام ضمن صفوف الحركات المسلحة في مبادرة طرحتها ليبيا، عرفت بـ”منبر سرت”، والتي تبناها السيد “يان برونك”، المبعوث الأممي لدارفور في ذلك الوقت. ومن هناك سمع “مبارك” بي، وربما سأل عن علاقتي الاجتماعية بـ”حميدتي”، وكان “مبارك” وقتها مطروداً من القصر، ومن نعيم سلطة “الإنقاذ” في ذروة تدفق أموال البترول. ولا أعرف حتى اليوم، من أوصل لمبارك معلومة علاقتي الاجتماعية مع “حميدتي”، والذي كان يعمل وقتها في تحالف مع “حركة تحرير السودان”، جناح القائد “عبد الواحد محمد نور”، بينما أنا اعمل مع جبهة أخرى، لكن حين عودتي لكندا – بعد فشل المحادثات – تواصل “مبارك الفاضل” مع أحد أبناء عمومتنا، وهو رجل أعمال في مصر في ذلك الوقت، وطلب منه بإلحاح أن التقيه في القاهرة، وكنت أريد مقابلة “مبارك” لمعرفة هذه الشخصية التي أثرت على حياتنا، وظلت تتاجر بقضايانا الوطنية منذ المهد.
بعد وصولي للقاهرة بساعة اتصل “مبارك” هاتفياً بـابن عمنا لكي نذهب للقائه، وكان الرجل في “لهفة”، حتى ظننت أن بيده وقف العنف الدموي في دارفور – في ذلك الوقت – وحريق البيوت، والانقسام الاجتماعي الذي يدعمه حلفاء “مبارك” كما يفعلون اليوم. وفعلاً ذهبنا لشقته بمدينة “نصر”، وبعد حفاوة الاستقبال شرع “مبارك الفاضل” في الحديث عن الإنقاذ وممارساتها، وعن علاقاته الدولية والإقليمية بليبيا وتشاد وجنوب السودان، وعن كل شيء، وكان الغرض من كل ذلك إنه كان يريد لـ”حميدتي”، أن يتحالف معه كجناح عسكري، على أن يكون “حزب الأمة الإصلاح والتجديد” هو القيادة السياسية للتحالف، بل إنه أرسل – كما حدثني – شخص اسمه “أحمد جودة” للقاء “حميدتي” في دارفور وبناء التحالف. وحين سمعت ذلك الكلام، أشفقت على “مبارك”، لأنه ما زال يحلم باستخدامنا واستخدام شبابنا في محارق حروبه، وهو لا يدري أننا ضحايا تاريخ يقترن فيه اسم “مبارك الفاضل” بـ”المهدي”. لم أقل له أن “المهدي” لا يلد يا “مبارك”، لأن المهدي فكرة لا نسب، وليس لك الحق في أن تلحق صفة “المهدي” باسمك، لتتاجر بها في سوق النخاسة السياسية.
خرجت من ذلك الاجتماع بعد أربع ساعات، واختتمته بجملة واحدة – لم يدركها “مبارك” – وهي أن “حميدتي” هو قائد منطقة “شرق جبل مرة”، ومعه القائد “طرادة” وآخرين، وهم يقاتلون من أجل مستقبلهم بأنفسهم، وأن “حميدتي” حين اختار هذا الخيار، كان يعرف ماذا يريد، ولا أظنه يسعى ليكون جناحاً عسكرياً لـ”حزب الأمة الإصلاح والتجديد”. وبإمكان “حميدتي” توقيع اتفاق مع البشير لأن بيده السلطة، أما أنت فليس بيدك شيء!
وبالفعل نسبة لتشرذم الحركات المسلحة، وغياب القيادة المركزية، وبعد أن وقع “حميدتي” اتفاقاً مع الدكتور الشهيد “خليل إبراهيم”، ومع القائد “عبد الواحد محمد نور”، وصار حليفاً لـ”حركة تحرير السودان”، وقائداً معروفاً في شرق جبل مرة “2007-2008″، اضطر للتفاوض مع النظام، ووقع اتفاقاً معه، وعاد من العمل المسلح.
إن “مبارك” الذي يملأ الفضائيات بالأكاذيب، ويدعي كذبًا أن له اتباع داخل الدعم السريع، أو في الحركات المسلحة، أو في الغرب عموماً، وهو لا يمتلك شيء سوى لسانه، وأكد ذلك حديثه عن وفاة حميدتي، وذكره تاريخ موته ودفنه دون وجل مما نقله له أنصاره “المزعومين” داخل الدعم السريع.
ما زال “مبارك” يظن في شيخوخته الراهنة بإنه يستطيع – وباسم المهدي والأكاذيب – أن يوهم الناس بأن له أتباعاً في غرب السودان ووسط القبائل، ولولا أن الحقائق لابد أن توضح، لما كتبت عن شخص لم يعد له قيمة، ولا هو نفسه حريص على الشخصية الزائفة التي كانت تغطيها فخامة الاسم، فظهر على حقيقته كختام تجربة أظهرت جوهرها وحقيقتها.
رحل من كانوا يصدقون “الأكاذيب” عن هذه الفانية بقناعاتهم، ومن لم يرحل فهو الآن إما شيخاً عجوزاً في معسكرات نازحين أدخلتهم فيها سلطة كنت أنت ربيبها، وأدخلهم فيها “حليفك الجديد”، قائد الجيش “عبد الفتاح البرهان”، الذي يعرفه نازحي وسط دارفور في معسكرات “الحميدية” و”الحصاحيصا”، حين أحرق قراهم وقتل نساءهم، وحولهم من “مزارعين منتجين”، إلى أناس يعيشون بلا أمل في الحياة. والطفل الذي دخل المعسكرات في “2003”، قد بلغ اليوم 20 عاماً، ولم يسمعوا بك يا “مبارك الفاضل”، ومقاتلي الدعم السريع القادمين من البوادي البعيدة لا يعرفونك، ولا توجد سيرة لك هناك، ولا للمهدي ذاته، ووقوفك مع مليشيا البرهان الإرهابية، لن يوصلك لكرسي جديد، فما الداعي للأكاذيب التي تثير الشفقة، التي تكررها في وسائل الإعلام؟
تتحدث عن قواعد لك في دارفور، وعن علاقاتك الدولية الواسعة، وتفتخر بأنك “رجل الغرب” في السودان حيناً، وعميل أمريكا الأول حيناً آخر، وكنت قد سمعت كل هذه الأكاذيب منك في “القاهرة”، عندما أعطيتني كمية من الأوراق، وذهب معي مدير مكتبك – الشاب الصغير وقتها – لمكتبة قريبة من شقتك لتصويرها، لتقنعني بأن أمريكا “في جيبك”!، لكنك كنت غافلاً عن أني أتيت لمقابلتك في القاهرة من مطار “تورنتو”، وليس من بوادي الصحراء، لتمارس “الاستغفال” المعهود لأهلنا، كما فعلت في “ليبيا” في السبعينات. حكى لنا أهلنا الذين كانوا في معسكراتكم، إنكم كنتم تأتون بطائرة “هليكوبتر”، تحوم فوق معسكرات “الأنصار” من مسافة قريبة، وعليها شخص يرتدي “عمامة”، تشبه عمامة الإمام الشهيد “الهادي”، لتقنعوهم بأن “الإمام الهادي” حي، ولم يقتله نميري، وكانوا يصدقونكم.
وعلى ذكر الحادثة فقد كنت وأنا في المرحلة الثانوية بكوستي، كثيراً ما أزور ابن عمي “الهادي الشايب”، الرجل الجمهوري الزاهد بالجزيرة أبا حي “الرحمانية”، وكان يعرّفني بمجتمعات الجزيرة أبا، فقابلت مجموعة من الأنصار ما زالت حتى ذلك الوقت مقتنعة بأن “الإمام الهادي” حي، بل مقتنعة بأنه سيعود يوماً ما للجزيرة أبا، وهي ذات فكرة “المهدي المنتظر”، أو “مخلص للشعوب المقهورة”، لكن لا يوجد قهر للأنصار مثل الذي مارسته أنت والذين استعبدوا أجدادنا باسم المهدي، ليعملوا بالسخرة في مشاريع “قفا” بالنيل الأبيض، بحجة محاربة الإنجليز، وحرموا أطفالهم من التعليم بحجة أن المدارس “تعلم أبناءهم الكفر”، وتحولهم للنصرانية، بينما أولادك يا مبارك يتخرجون من أرقى جامعات الغرب ويعيشون في الريف الإنجليزي.
نواصل،،