أيوب عثمان نهار يكتب: إختلالات وأزمات الدولة السودانية .!!
إختلالات وأزمات الدولة السودانية .!!
أيوب عثمان نهار ..
يمر السودان عامة وإقليم دارفور خاصة بأزمة وجودية لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان الحديث، وذلك بسبب حرب الخامس عشر من أبريل التى خطط لها ونفذها عناصر من فلول النظام البائد من العسكريين والمدنيين بغرض قطع الطريق أمام التحول المدنى الديمقراطي وتسليم السلطة للمدنيين وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو، والتى هى فى الحقيقة إنعكاس لأزمة الحوكمة والإختلالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التى صاحبت تكوين الدولة السودانية في العام 1956 والتى أدت إلى فشل جميع الحكومات التى تعاقبت على حكم البلاد فى بلورة وتبنى رؤية ومشروع وطنى موحد يهتم بنهضة البلاد ويحقق تطلعات الشعب السوداني فى بناء دولة المواطنة السودانية المتساوية ويعود ذلك إلى قصور الرؤية والسياسات الفاشلة لغالبية النخب السياسية التى تعاقبت على حكم وإدارة البلاد وقد أنتجت هذه الأزمة تحديات جسيمة وأحدثت تحولات سياسية وإجتماعية وأمنية خطيرة جدا حتمت على جميع السودانيين العمل على معالجتها بمخاطبة مسبباتها الحقيقية ولفهم طبيعة الصراع والحرب فى دارفور علينا أن نقرأ ذلك من خلال خمسة محاور رئيسية والتركيز على كيف بدأت الحرب من الذى أطلق شرارتها الأولى من هم الأطراف الفاعلة الرئيسية وما هى أهدافهم وغاياتهم وسوف أكتب لاحقا
مقالا منفصلا بهذا الخصوص.
أولا : يجب أن لا تقرأ حرب دارفور وما دار بمدينة الجنينة تحديدا بمعزل عن الحرب بين الجيش والدعم السريع فى الخرطوم وما صاحبها من إنتهاكات تعتبر إفرازات للحرب ولصراع قديم متجدد بدأ منذ العام 1991 ولا يزال مستمرا وهى ليست المشكلة الرئيسية يجب علينا رؤية الصورة كاملة فى إطارها الكلى وذلك بالنظر إلى جذور الأزمة السودانية المتمثلة فى الخلل المؤسسى والقيادة والعقلية التى تدير المشهد السياسى والعسكرى والذى يتجلى بوضوح فى الإختلالات المؤسسية والتى تتفرع منها أزمات أخرى فرعية متعددة لها أرتباط وثيق بهذه الأزمات الرئيسية ويمكن حصرها فى ثلاثة محاور سيطرة أقلية عرقية جهوية على القرار السياسى والاقتصادي والامنى، وإحتكار آلة العنف من قبل ذات الأقلية وإستخدامها من دون تفويض شرعى ومن دون الإتفاق على آليات لتقاسم السلطة والثروة، والاستعلاء العرقى والثقافي والدينى الأزمة السودانية في جوهرها أزمة عنصرية إجتماعية بامتياز ذات طابع سياسي هذا النقاط جوهرية لفهم الأزمة السودانية فهما صحيحا، الدعم السريع هو عرض لمرض اسمه دولة النخب الصفوية يجب علينا معالجة المرض وليس العرض المشكلة تكمن في المصنع الذى ينتج المليشيات ويعمل على تصدير الحروب الدعم السريع منتج وليس مصنع ولمعالجة جذرية للأزمة لابد من تفكيك المصنع وليس المنتج لايقاف صناعة المليشيات وتصدير الحروب والعنف للأبد وبناء دولة المواطنة السودانية المتساوية.
ثانيا : مجتمعات الطرفين كانوا مهيأين للانتقام من بعضهما البعض واستعان كل طرف بجنوده للمواجهة وتم تسليح المجموعات من الطرفين من قبل إستخبارات الجيش وحدثت جرائم متبادلة يتحمل مسؤوليتها المتفلتين من الطرفين ويجب أن يقدم المجرمين فيها إلى العدالة.
ثالثا : الدعم السريع جاؤوا من مجتمعاتنا فى دارفور وكردفان وكانوا ضحايا لدولة الأبارتيد العنصرية ولابد من الإشارة إلى أن المجتمعات التى خرج منها مقاتلى قوات الدعم السريع ليست مهئية للاستفراد بالحكم وإقصاء الآخرين كما حدثت في دولة 56 وقد إستغفالهم لعشرون عاما من قبل المركز والنخبة الصفوية ليقاتلوا بالنيابة عنهم أهلهم فى الهامش فى دارفور وكردفان وكان هامش يقتل هامش والان بعد حرب 15 أبريل أيضا أبناءنا المستعبدين المهمشين فى جيش الصفوة يقتلون إخوانهم المهمشين فى قوات الدعم السريع فالقتلى من الطرفين هامش بينما فلول النظام البائد وابناؤهم فى هربوا إلى خارج السودان يتنعمون بالاموال التى سرقوها من الشعب السوداني والان أخواننا فى الدعم السريع وصلوا إلى مرحلة من الوعى ووعوا الدرس ووجهوا بنادقهم نحو العدو الحقيقي معمل إنتاج المليشيات وتصدير الحروب ضد دولة الأقلية لذا يجب علينا دعم ثورة الدعم السريع بشروط لتفكيك دولة الأقلية وبناء دولة المواطنة والعدالة والمساواة وبناء جيش واحد وطنى قومى وليس من أجل تفكيك دولة أقلية وبناء دولة أقلية جديدة لتكرار نفس نهج دولة 56.
رابعا : العدالة الانتقالية هى النموذج المناسب للخروج من الاحتقان، وإيجاد آلية مناسبة عبر تبنى نموذج يقوم على مبادى تأسيس دولة العدالة والقانون والمؤسسات وبموافقة اهل الضحايا وعبر لجنة وطنية يكون خلاصتها الاعتراف بالجرائم المرتكبة والعمل على العفو وجبر الضرر لإيقاف القتل ولضمان حق الحياة المشترك لجميع السودانيين.
خامسا : يجب علينا فى دارفور قيادات سياسية وأكاديمية وقوى مجتمع مدنى، الوصول إلى رؤية إعلامية موحدة من أجل رفع الوعى وإيقاف إستثمار دولة 56 فى اللاوعى، عبر تبنى سياسات الفقر والحرمان من التعليم وتوزيع السلاح للقبائل لاثارة الفتن القبلية وتوسيع دائرة العنف والكراهية والانتقام وإذكاء العنصرية والتفرقة وإستخدامها إلى ما لانهاية لنعيش فى دوامة الحرب و النزاعات والثارات، نحن كمجتمعات فى دارفور وكردفان لسنا أعداء بل أهل وشعب واحد بيننا اواصر الدم الواحد وعلاقات التصاهر والنسب والقربى فيجب علينا بأن نعلى من هذه القيم ونستثمر هذه العلاقات فى العمل على تبنى خطاب عقلانى يعتمد على الحوار والتفاوض كوسيلة وحيدة وحتمية لدعم جهود السلم المجتمعى وإيقاف الحروب والعنف المدمر ونبذ خطاب الكراهية والعنصرية، وإعلاء قيم السلام والتسامح والاستقرار لبناء دولة العدالة والمساواة، وخلق وعى يقود إلى ميلاد جيل مستنير يقود إلى بناء سودان متطور وحديث.
سادسا : تحالف التأسيس القادم يشمل محورين سياسي وإجتماعى نحن الان نحتاج إلى تأسيس مدرسة فكرية إجتماعية جديدة للتنظير لمشروع العقد الإجتماعى الجديد والعمل لإنتاج خطاب وخيال إجتماعى سياسي جديد بديلا لدولة 56 مبنى على رؤية إجتماعية سياسية يركز على معالجة ألازمة الإجتماعية العرقية والجهوية يؤسس لصياغة تحالف تاريخى وعقد إجتماعى جديد يشمل كافة السودانيين عدا فلول النظام البائد من المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتها يحافظ على مصالح الجميع ويحترم الآخرين ويستمع إلى رؤاهم ومطالبهم وتصوراتهم نتفق فيه على آليات لتقاسم السلطة والثروة يتبنى المواطنة كأساس للحقوق والواجبات ويعمل على إنهاء عهد الامتيازات التاريخية للنخب وبناء وتأسيس جيش مهنى قومى واحد يحرس البلاد ولا يحكمها ويخضع للسلطة المدنية ويعترف بسيادة حكم القانون ولابد
من التركيز على معالجة الإختلالات التى صاحبت تكوين الدولة السودانية والأسباب التى أدت إلى نشوب الحرب بين الجيش والدعم السريع و الإنتهاكات الجسيمة التى يقوم بها جيش فلول النظام البائد وإستهداف عرقي جهوى بحق المدنيين من قصف وتدمير منازل المواطنين بواسطة الطيران الحربي والمدفعية والقتل على أساس الهوية والعرق لمكونات جغرافية محددة والاستيلاء على الإغاثة وتوزيعها للفلول وبيعها فى السوق السوداء وحرمان المواطنين من تلقى هذه المساعدات الإنسانية التى أرسلت لهم وكذلك ضلوع فلول النظام البائد فى إشعال الحرب وظهور كتائب الظل والبراء بن مالك الإرهابية وظهور قيادات فلول النظام البائد من الإسلاميين المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية والإصرار على مواصلة الحرب وسفك الدماء وإختراق الهدن وتعدد القرارات داخل قيادة جيش فلول النظام مما يؤكد بأن الجيش مختطف من قبل الانقلابيين وفلول النظام البائد مما يحتم علينا جميعا دعم ثورة الدعم السريع لاقتلاع هذه العصابة الإجرامية من الحكم وتأسيس دولة جديدة على أسس عادلة تراعى التنوع وفقا للثقل السكاني.
الخاتمة :
نؤكد على وحدة السودان شعبا وأرضا والتى تقوم على بناء وتأسيس دولة المواطنة السودانية المتساوية والعدالة والمساواة وضمان إحترام حقوق الإنسان والحريات العامة ومشاركة جميع السودانيين في القرار السياسى وكذلك نؤكد على نبذ خطاب الكراهية والعنصرية ونبذ الحروب والعنف وتحقيق السلام العادل والمستدام والتنمية الشاملة ونسعى للمساهمة فى إفساح المجال لقيادات شابة من شباب وشابات السودان من القوى السياسية والمدنية والمجتمعية والدينية تؤمن بالتغيير وتتمتع بالكفاءة والنزاهة والشفافية اللازمة ليكونوا بديلا للنادى السياسي القديم تؤسس لدولة تعبر عن السودانيين لتلحق بركب الحضارة الانسانية وتضع السودان في مصاف الدولة المتقدمة والمتطورة عالميا.