“عرقلة” العمل الإنساني، وحظر المساعدات الإنسانية في السودان .. إعدام للمواطنين “بالمرض والجوع”.
يعاني المدنيون المحاصرون في مناطق الحرب بالسودان من شح في الغذاء والدواء وسط مخاوف وتحذيرات من تقارير دولية تحدثت عن كارثة تهدد مصير هؤلاء المدنيين في مناطق تواجدهم بسبب صعوبة واستحالة وصول المساعدات الإنسانية إليهم، يأتي ذلك وطرفا الحرب في السودان ربما أرادوا معاقبة الجميع بسلاح التجويع وسلب الحق في الحياة، خاصة قوات “الجيش” التي “حظرت” وصول المساعدات الإنسانية للمواطنين.
الخرطوم: تقرير – بلو نيوز الإخبارية –
- سوء التغذية:
في الوقت الذي يتبادل فيه طرفا الحرب في السودان الاتهامات حول خنق المدنيين وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن وفاة طفل كل ساعتين بسبب سوء التغذية وأن نحو 13 طفلا يفقدون حياتهم كل يوم، وبحسب المنظمة أن الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد، مرشحين للموت خلال 3 إلى 6 أسابيع إذا لم يتلقوا العلاج والغذاء، وقبل ذلك دقت الإدارة العامة لمعسكرات النازحين بجنوب دارفور ناقوس الخطر وقال بيان صادر عنها إن الإدارة تعلم علما تاما أن المساعدات الإنسانية قد وصلت مدينة بورتسودان منذ بداية الحرب وإلى مدني وكوستي والنهود وحتى الفاشر وتوجد عراقيل أمام وصولها للمحتاجين ما تسبب في سوء التغذية لكل النازحين واللاجئين، وبحسب بيان الإدارة إن معدل الموت يوميا في كل معسكر بين “15 إلى 20” بحالات الجوع وسوء التغذية.
وفي الوقت ذاته قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في السودان إيدي رو للصحفيين في بروكسل: “في هذه المرحلة، أقل من 5 بالمئة فقط من السودانيين يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم”.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف السودانيين البالغ عددهم أكثر من 48 مليون نسمة، أي حوالي 25 مليون شخص، باتوا يحتاجون إلى المساعدة، بمن فيهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ومن بين هؤلاء “قرابة 5 ملايين على شفا الكارثة”، وهو ثاني أسوأ تصنيف يعتمده برنامج الأغذية العالمي لحالات الطوارئ بعد تصنيف المجاعة.
وطبقا لتقارير إعلامية، تحذر منظمات حقوقية منذ أشهر من أن شبح المجاعة يلوح في الأفق في السودان نتيجة عرقلة وصول المساعدات الإنسانية والنقص الحاد في التمويل، لكن العوائق نفسها التي تعترض توصيل المساعدات تعيق القدرة على تحديد حجم الكارثة.
وقال المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في شرق إفريقيا مايكل دانفورد، إن هناك مشكلة كبيرة في “توافر البيانات لتأكيد بطريقة أو بأخرى ما إذا كان قد تم بلوغ الحدود (المطلوبة لإعلان المجاعة)”.
ونوه للصحفيين أن برنامج الأغذية العالمي قادر فقط على الوصول إلى 10 بالمئة من المحتاجين إلى مساعدات في السودان، إذ “هناك مساحات كبيرة من البلاد لا يمكننا ببساطة الوصول إليها”.
وكان من الممكن أن تساعد المناطق الأكثر خصوبة في السودان في درء المجاعة، لولا زحف القتال إلى قلب الأراضي الزراعية في البلد.
وقال رو: “هجرت آلاف المزارع الصغيرة والكبيرة لأن الناس يفرون من النزاع”. وتوقع أن “تتفاقم الأزمة أكثر”، مضيفا: “إنه بلد على شفير الانهيار”.
- السودان منسي:
من جانبه نقلت تقارير عن المدير الإقليمي ل «منظمة الصحة العالمية- إقليم شرق المتوسط»، أحمد المنظري تأكيداته، بأن تدهور الوضع الأمني في ولاية الجزيرة أجبر المنظمة على تعليق عملها، وحذر من أن الأوضاع الصحية في السودان تزداد سوءا، في ظل الصراع بين قوات «الدعم السريع» والجيش السوداني، وأن السودان «منسي في خريطة الصراعات العالمية». مشيرا إلى أن «جميع عمليات المنظمات الأممية أوقفت منذ 15 ديسمبر ولم يدخل أو يخرج أحد من الفرق المعنية أو المتخصصة من المنظمات الأممية».
وقال المنظري: «مع اشتداد الصراع في الجزيرة، أصبح الأمر خطيرا جدا على العاملين في المجال الصحي؛ سواء على العاملين من وزارة الصحة أو من المنظمات الدولية، فقررت (منظمة الصحة العالمية) وقف عملياتها حفاظا على حياة العاملين».
وأكد المدير الإقليمي لشرق المتوسط ب «منظمة الصحة العالمية» أن توقف عمليات المنظمة في ولاية الجزيرة يزيد من صعوبة الأوضاع الصحية المتردية بسبب الحرب في البلاد.
لكنه أشار إلى وجود فرق منتشرة في كل أنحاء السودان، وتتحرك بناء على تقييم أمني على الأرض.
وأكد المنظري أن «عمليات (منظمة الصحة العالمية) لا تعتمد فقط على تقديم الخدمات الصحية، وإنما يتم التعاون مع العاملين في النظام الصحي والسلطات الصحية المحلية لدعم هذه الفرق، وأكثر عملياتنا تتركز على تمويل الخدمات اللوجيستية والمستلزمات الطبية والأدوية».
وحذر المنظري من تأثير الأوضاع الأمنية على النظام الصحي وتقديم الخدمات، وقال: «نظرا للوضع الحالي، فإن تطور الصراع يعني نزوح مئات الآلاف، وتهديد صحة الملايين».
وأضاف أن هناك ما يقرب من 3.5 ملايين طفل دون الخامسة يعانون من سوء التغذية… أكثر من 700 ألف منهم يعانون من سوء التغذية الحاد، وتقريبا 106 آلاف طفل منهم بحاجة إلى الرعاية لأنهم يعانون من آثار جانبية بسبب سوء التغذية.
كما أكد المنظري تفشي الأمراض المعدية بين السودانيين، مثل الكوليرا التي أصابت الآلاف وتسببت في مئات الوفيات، كما أن هناك ما يقرب من مليون و100 ألف إصابة بالملاريا، كما تنتشر أمراض الحمى النزفية والحصبة وغيرها بين المواطنين، فضلا عن أمراض أخرى تتوطن الآن في البلاد.
وأكد المسؤول ب «منظمة الصحة العالمية» أنه بسبب هشاشة النظام الأمني توقفت الخدمات، وتوقفت مختبرات التشخيص وفرق التقصي، مما أدى إلى انتشار الأمراض وتهديد العديد من المواطنين بمختلف الأمراض.
- حظر المساعدات:
وزارة الخارجية الأمريكية وعلى خلفية التقارير المقلقة عن الوضع الإنساني في السودان قالت إنها تشعر بقلق عميق إزاء القرار الأخير الذي اتخذته القوت المسلحة السودانية بحظر المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تشاد “وتفيد التقارير بأن القوات المسلحة السودانية تعرقل وصول المساعدات إلى المجتمعات المحلية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع”. “كما نشعر بالقلق من قيام قوات الدعم السريع بنهب المنازل وكذلك الأسواق ومستودعات المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ومن قيام كلا الجانبين بمضايقة العاملين في المجال الإنساني وعرقلة إيصال المساعدات المنقذة للحياة”.
وطالبت الخارجية الأمريكية الطرفين بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي وكذلك التزاماتهم في إعلان جدة بحماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجات المدنيين. إلا أن الجانبين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع سرعان ما دافعوا عن أنفسهم ونفوا عرقلتهم وصول المساعدات واعتراض العاملين في مجال العون الإنساني.
وفي وقت سابق أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان رفضه السماح بمرور الإغاثة والمساعدات الانسانية الى مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وهو ما عدته المنظمات الحقوقية والناشطة في مجالات المساعدات بالمخالفة للأعراف الدولية وانتهاك لحقوق الإنسان.
- ملاحقة المتطوعين:
عدد من المتطوعين في غرف الطوارئ ومنظمات العمل الطوعي شكوا من عراقيل ظلت تواجههم من طرفي الحرب وما تقوم به القوات المرتكزة في نقاط تحركهم، وفي تصريح؛ قال الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالسودان عدنان حازم إن العمل الإنساني في السودان فيه كثير من التعقيدات الأمنية التي يروح ضحيتها العاملين في هذا المجال، وحاولنا شرح ذلك لطرفي النزاع، وأضاف (تعرضنا لحوادث كثيرة خلال عملنا في السودان أثرت على أنشطة المنظمة) مشيرا إلى أن الصليب الأحمر منذ اندلاع الحرب في السودان كانت جنبا إلى جانب مع الشعب السوداني.
فيما قال المتطوع “م، م” ل ” راينو ” إن عناصر استخبارات الجيش السوداني ظلوا يترصدون الناشطين والمتطوعين وملاحقتهم وإلصاق التهم عليهم بتبعيتهم للدعم السريع، واعتقال أعداد كبيرة منهم، مما أثر على تقديم الخدمات للمواطنين المحاصرين واختفاء فاعلين كان لهم دور كبير في تلبية الاحتياجات الإنسانية.
بينما قال الناشط الطوعي بود مدني “ع، أ” إن قوة عسكرية صادرت هاتفه المحمول وقامت بجلده وطالبته بالاعتراف بتبعيته “للفلول” وقال إن المواطنين بولاية الجزيرة يواجهون أوضاعا معيشية صعبة مع حالة الحصار الذي دخلت فيه الولاية منذ سقوطها في يد الدعم السريع وتوقف عمل الإغاثة بها وأضاف (بالرغم من علمنا التام بوصول شحنات كبيرة من مواد الإغاثة إلى بورتسودان).
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية عبر بيان وزارة خارجيتها الأخير أشادت بالجهود الشجاعة التي تبذلها الجهات الفاعلة الإنسانية، بما في ذلك غرف الاستجابة للطوارئ والمنظمات الشعبية في جميع أنحاء السودان التي تستجيب لاحتياجات مواطنيها الأكثر ضعفا بتكلفة ومخاطر شخصية كبيرة.