“صحفيون” يتحولون لباعة في طرقات مدن دارفور .!!
دبنقا: بلو نيوز الإخبارية –
- تقرير: عبد المنعم مادبو
تستيقظ باكراً لتضع “تربيزة” صغيرة امام منزلها بحي خرطوم بليل بنيالا عاصمة جنوب دارفور وهي تتهيأ ليوم طويل تنتظر فيه ان تبيع ما لديها من مواد غذائية بسيطة “عدس، فول سوداني محمص، وسكر، وشاي” لتوفر لصغارها لقمة العيش واحتياجاتهم اليومية بعد ان توقف مصدر دخلها الذي اعتادت عليه منذ ان تخرجت من الجامعة قبل اكثر من 15 سنة.
نجلاء جمعة التي حولتها الحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع من صحفية كانت تراسل عدداً من المؤسسات الصحفية السودانية إلى بائعة للمواد الغذائية امام منزلها، تقول إن الحرب التي دارت في مدينة نيالا في الفترة من ابريل إلى اكتوبر 2023 اجبرتها على التخلي عن مهنة الصحافة بسبب توقف الصحف التي كانت تراسلها قبل الحرب.
وتذكر نجلاء وهي تعول اطفالها الأربعة الذين توفى والدهم قبل أعوام ان الظروف المعيشية باتت صعبة جداً بعد الحرب، وبالرغم من ان اغلب الصحفيين غادروا المدينة ‘ما كلاجئين او نازحين، إلا انها لم تستطع ان تخرج من المدينة وظلت مع ابنائها في منزلهم رغم المخاطر التي حاقت بحياتهم.
واضافت في حديث لراديو دبنقا ان الصحفيين وأسرهم يعانون كثيراً جراء الوضع المعيشي الصعب لا يستطيعون توفير احتياجاتهم اليومية، بسبب عدم وجود فرص عمل او اية جهة داعمة بعد ان نفّ كل ما كانوا يملكون خلال هذه الاشهر، وناشدت نجلاء المنظمات واجسام الحماية ان تقدم الدعم والحماية للصحفيين بجنوب دارفور الذين توقفت حياتهم المهنية بسبب الحرب.
- معاناة وتوقف عن العمل:
يقول الصحفي الفاضل ابراهيم إن الصحفيين كجزء من المجتمع السوداني تأثروا كثيراً بالحرب التي تدور بالبلاد، وذكر ان اغلب الصحفيين بجنوب دارفور كانوا يعملون في صحف محلية توقفت عن العمل بعد الحرب وبالتالي توقفت مصادر دخلهم، واضاف “حتى الذين يعملون كصحفيين مستقلين توقفوا وأصبحوا بلا عمل تماما”.
الفاضل الذي كان يعمل مراسلاً لصحيفة الجريدة قال لراديو دبنقا انه زار عدداً من الزملاء بعد عودته إلى نيالا فوجد انعكاسات الحرب على حالتهم المعيشية ولاحظ حجم التأثير النفسي عليهم. غلبت العبرة الفاضل وزرف الدموع وهو يحكي عن حال زملائه، واشار إلى انه لم ير زملائه منذ اندلاع الحرب في وقت كانوا مع بعض على مدار اليوم وهم يمارسون عملهم الصحفي في نيالا، واضاف ان بعض الزملاء انقطعت اخبارهم لدرجة انه لم يسمعوا بوفاة أقاربهم وزاد “انظر إلى اي مدى فرقت بيننا هذه الحرب”.
وقال الفاضل انه على المستوى الشخصي لم يمارس أي عمل صحفي منذ 15 ابريل، وتابع “الظروف التي مرت بها مدينة نيالا جراء الحرب كانت لا تسمح لأي صحفي بممارسة مهنته الصحفية بسبب عدم توفر أدنى شروط السلامة المهنية التي تحمي الصحفي اثناء القيام بعمله مهما التزم الصحفي بالأمانة المهني” واضاف “مهما يجتهد الصحفي للاستقلال بنفسة والابتعاد عن التحيز فانه يصنف من احد طرفي الحرب وبالتالي يصبح من الخطر عليه ممارسة عمله” مشيراً إلى ان هذه المشكلة التي تواجه الصحفيين اجبرتهم على ترك العمل حفاظاً على حياتهم.
- بيع البصل والزيت:
واضاف الفاضل ابراهيم ان بعض الصحفيين في جنوب دارفور اضطروا إلى البحث عن مصادر رزق بديلة عن الصحافة، واضاف انه عند عودته لنيالا وجد بعض الزملاء اشتغلوا “فريشة” يبيعون البصل والزيت والشاي والسكر والصابون، وتابع: وجدت احد الزملاء يحمل بضائع في يده لا تتعدى قيمتها 50 ألف جنيه وينادي بأسعارها، وقال: بصراحة لم استطع تحمل المنظر، فلم اتمكن من مقابلته على الرغم من انه يقوم بعمل شريف يوفر منه لقمة العيش لأبنائه، لكن المشهد كان صعبا بالنسبة لي، كيف يتحول زميل صحفي كبير كان ملء السمع والبصر قدم للمجتمع السوداني الكثير من خلال عمله في وسائل الاعلام المختلفة المحلية والعالمية إلى بائع متجول.
الفاضل أشار إلى انه شخصيا تحول أيضا إلى “سمسار” لبيع الفول السوداني عندما أجبرته الحرب على الفرار لمسقط رأسه منطقة “شعيرية” شرقي مدنية نيالا، واضاف: كنت انتظر المزارعين القادمين إلى السوق الأسبوعي للمنطقة لا شتري منهم الفول السوداني ومن ثم ابيعه للتجار بأرباح هامشية، لكنه أشار إلى انه من المؤسف حتى هذا العمل توقف مع نهاية الموسم، وتابع “الآن ما قادر افكر اني اعمل شنو في هذه الفترة، أحاول كثيرا إيجاد بديل على الأقل استطيع من خلاله ان أوفي بالتزاماتي الأسرية، وقال ان حالته تنطبق على كثير من الزملاء.
- فرار وعودة:
من جهته يقول الصحفي حسن حامد ان هذه الحرب كانت لها افرازات كبيرة على المجتمع والدولة السودانية، تأثر بها كذلك الصحفيون الذين لجأ بعضهم إلى دول الجوار والبعض نزح إلى المحليات المجاورة لنيالا ليحموا انفسهم وعائلاتهم، بينما صبر بعضهم في المدينة رغم المعارك التي دارت في المدينة لأكثر من 7 اشهر بسبب عدم امتلاكهم تكاليف السفر، مشيراً إلى ان هذه الايام شهدت عودة عدد من الصحفيين إلى منازلهم في نيالا بفضل توقف المعارك، لكنهم فقدوا كل ما يملكون من اموال بسبب طول مدة الحرب وعدم وجود مصادر دخل.
وقال حسن لراديو دبنقا ان كل مصادر الدخل لدى الصحفيين توقفت تماماً منذ اندلاع الحرب لان الصحفيين الذين يراسلون المؤسسات الصحفية السودانية توقفت تماماً ما ادى إلى معاناة كبيرة، لكن الناس هنا في نيالا احييوا قيمة “الضرا” الذين يتناول فيه الجيران الوجبات في الطرقات الامر الذي حقق قيمة التكافل وخفف على الكثير من الشرائح المجتمع ومن بينهم الصحفيين.
- صحفيو الاذاعات في دارفور:
في ولايات دارفور الخمس يوجد كذلك مئات الصحفيين الذين كانوا يعملون في هيئات الاذاعة والتلفزيون، واغلبهم في مدينة نيالا التي تعرضت الهيئة فيها إلى تدمير كامل الأمر الذي جعل أكثر من 120 من العاملين بإذاعة وتلفزيون نيالا بدون عمل وتفرقوا ما بين لاجئين ونازحين، بينما عاد بعض صحفيي الاذاعات في مدن “الفاشر، الجنينة، الضعين، زالنجي” إلى مزاولة عملهم لأن تلك الاذاعات لم تدمر بصور كلية، ويقول الصحفي حسن حامد ان بعض العاملين في اذاعة وتلفزيون نيالا التي دمرت تماماً أصبحوا يمارسون أعمالاً أخرى لكسب لقمة عيشهم بعد ان فقدوا الأمل في اذاعة نيالا.
- دعم النقابة:
تقول نقابة الصحفيين السودانيين ان اكثر من 600 صحفيا قد فقدوا وظائفهم وتوقفت الصحف المحلية والقنوات الخاصة والحكومية التي كانوا يعملون فيها بسبب حرب 15 ابريل 2023م، واشارت إلى انها تمكنت خلال هذه العشرة أشهر من تقديم الدعم المادي لعدد 200 من الصحفيين الموجودين في الولايات المتأثرة بالحرب والنازحين إلى الولايات الآمنة، وقال سكرتير الشئون الاجتماعية بالنقابة وليد النور ان النقابة تواصلت مع عدد من المنظمات الصحفية الدولية التي وعدت بتقديم المساعدات للصحفيين لكنها لم تقدم شيئاً رغم مرور 10 أشهر من الحرب.
لكن الصحفيين في دارفور وجهوا انتقادات لاذعة للنقابة عندما علموا بالدعم الذي قدمته لمئتي صحفيا لأن الصحفيين في إقليم دارفور لم يحظوا بأي دعم من النقابة، وقال الصحفي صلاح نيالا ان الصحفيين في دارفور عاشوا معاناة كبيرة طيلة فترة الحرب المستمرة لكنهم لم يحصلوا على اي من الدعم الذي تحدثت عنه النقابة، وقال “النقابة ذكرت انها دعمت- على سبيل المثال- الصحفيين الذين لديهم امراض مزمنة، لكن لدينا زملاء في الاقليم يعانون من امراض مزمنة لم يتلقوا اي دعم.
- النشر في الصفحات الخاصة:
فيما يقول الصحفي أبو بكر الصندلي من شرق دارفور ان الصحفيين في دارفور يعتبرون ضمن اكثر الشرائح تضررا من الحرب بعد أن توقف المؤسسات الصحفية التي يعملون فيها اضطر عدد منهم لممارسة اعمال هامشية في الاسواق، بينما واصل بعضهم نشر موادهم الصحفية في صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. الصندلي قال لراديو دبنقا انه انخرط في تأسيس مركز للخدمات الصحفية بعد اندلاع الحرب وتوقف المؤسسات التي كان يراسلها، وواصل فيه عمله في نشر اخبار المبادرات المجتمعية الطوعية التي تسعى لمساعدة المتأثرين بالحرب وابتعد بمركزه عن نقل اخبار الحرب والمعارك التي تدور بين طرفي الحرب. واضاف حاولت السفر خارج السودان للبحث عن عمل بديل لكن للأسف للان لم أتمكن من ايجاد عمل صحفي في الخارج.
وناشد الصندلي المنظمات التي تعمل في مجال الصحافة المستقلة العالمية ان تنظر لأوضاع المتردية والصعبة، في وقت تتعرض فيه سلامتهم الشخصية للخطر واضاف: في اي لحظة يتعرض الصحفي لاستهداف يشكل خطراً على حياته.