ضرورة تَأْسِيسُ الدَّولةِ السُّودانيَّةِ الجديدة وفق ترتيبات دستورية وبناء عملية سيِّاسيِّة مٌتدرجة لإنهاء مأزق الحكم في البلاد .!!

85
الأستاذ مهدي عبدالله حامد.

ضرورة تَأْسِيسُ الدَّولةِ السُّودانيَّةِ الجديدة وفق ترتيبات دستورية وبناء عملية سيِّاسيِّة مٌتدرجة لإنهاء مأزق الحكم في البلاد .!!

  • بقلم : مهدي عبدالله حامد..

“1”

ضمن إطار سياق إختراق شجاع وجرئ يختلف كليًا عن كافة السياقات التقليدية والمعادلات النمطية الرادكالية السائدة في دويلة 1956م البائيسة ، فقد طرح سعادة الفريق أول/ محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع “رؤية للحل الشامل وتأسيس الدَّوْلَةِ السُّودانيَّةِ الجديدة” بكل ثقة وهِمَّةٌ ووضوح ؛ بعد تشخيصه الموضوعي والعميق لجذور الأزمة الوطنية الشاملة بعين فاحصة ونظرة ثاقبة ومتبصرة لواقع البلاد المرير والمٌكتظ بتراكم الأزمات المٌتطاولة والمٌتلاحقة والمٌستفحلة بأفاعيل الإستغفال والإستهبال النخبوي الإحتيالي وسيرورة إختلالاتها الصدئة والآبقة ، وتعرجات منعطفاتها الكارثية وفصولها الغابرة ، ووعورة مطباتها الحرجة في صيرورة تاريخ بلادنا السياسي والإجتماعي والأمني المٌحتقن بأقسى درجات المرارات المؤلمة ، والسياسات الخاطئة والمعطوبة بالتجاوزات الخطرة التي أفرزت هذه الفواجع العظمى المَحٌزَّنة والمَضرحٌة بالدماء التي دِمَاءٌ سُكِبَتْ وَسَالَتْ على مِدَرارة إبان مراحل الحٌكم النخبوي المتحيّز والفاشل في إدارة حكم البلاد ، والعاجز عن كيفية إدارة التنوع بطرق انسانية ، فلا تزال الساحة السيِّاسيِّة تعرف المزيد من المواجهات وغالبًا ما تكون المحددات هي ذات المٌنطلقات والخلفيات التي أطرت المواجهة سابقًا ، فعلى الرغم من عٌمق التحول التاريخي الذي تمر به بلادنا وواقعها الجديد الماثل أمامنا الآن والحافل بتتالي وتوالي إنتصارات أشاوس قوات الدعم السريع في الميدان وسيطرتهم الكاملة على أكثر من ثلثي البلاد وتحريرها من كليًا من قبضة مليشيا البرهان وعصابة فلول الحركة الإسلامية وعملاءها الجدد ، فلا تزال حالة المخاض العٌَّسيِّر للحل الشامل وتأسيس الدولة السُّودانية الجديدة يتعيّن عليها خوض غمار سياقات غاية الجدَّة من أجل الخروج من عتمة النفق المٌظلم الذي أدخلت فيه بلادنا عنوة.

“2”

فلم تتأسس الدولة السُّودانية كنتيجة طبيعية للصراع السياسي الإجتماعي الناضج والمنظم المؤسسي والمسؤول ؛وإنما تأسست بصعود قوى إجتماعية ذات ابعاد جهوية وعرقية محددة عززت من دور القبيلة في السُّلطة وفي المنظومات العسكرية والإقتصادية والثقافية على حساب بقية مكونات البلاد الإجتماعية الأُخرى ، الأمر الذي أرغم وأجبر الآخرين على مضض لإتخاذ خيارات المقاومة المسلحة كنتاج موضوعي للتهميش المفروض عليهم فرضًا برعونة وهيمنة دويلة 1956م على جهاز الدولة بشكل صارخ وإحكام سيطرتها على مصير ومستقبل البلاد بصورة منفردة وآحادية ؛ فهناك علاقة مُتلازمة ومٌتداخلة ذات رباط وثيق تاريخيًا ما بين منظومات الجيش والسُّلطة والإقتصاد بالبعد القبلي والجهوي المُرتكزانٍ على سُّلطات جهاز الدولة السيِّاسيِّة والأمنية فرضته المركزية الحاكمة التي استفادت من سطوتها التاريخية على البلاد ؛ الأمر الذي أورث السُّودان هذا المأزق المُستحكم والمُستفحل الذي تطورت حلقاته بوضوح ووصل إلي الصراع الحرج على السُّلطة مع الآخرين والماثل أمامنا الآن ؛ والنابع من الطموح والأطماع والأنانية لجهة واحدة دون الآخرين ؛ ولذا فإنَّ أزمة ومأزق الحكم في السُّودان بنيوي وجوهره يتمحور حول النظام الإجتماعي والجهوي اللذانٍ يتسمان بخاصية عدم المساواة في حقوق المواطنة وقد ظلت هذه المتلازمة تمثل مأزق السودان التاريخي والماثل ؛ هذا وقد تم تجريب ما يقارب إثنى عشر دستورًا واعلانا دستوريًا، وأكثر من ثمانٍ أوامر عسكرية ؛ وأربع أنظمة عسكرية إنقلابية؛ وثلاث ثورات شعبية ناجحة؛ وأربع مراحل إنتقالية ؛ وثلاث إنتخابات تعددية؛ وأربعة حروبات أهلية مُتطاولة؛ وثلاثة أنظمة ديموقراطية منتخبة؛ وتسعة إتفاقيات للسلام، فلا تزال البلاد لم تشهد وضعًا مستقرًا حتى الآن.

“3”

على ما يبدو أنَّ النخبة المركزية المتوارثة لحكم السودان والتائهة في حلقات مفرغة تدور حول متلازمة الكذب والوقاحة فلم تتعظ بعد وتتعلم من حقول تجاربها المريرة ؛ لتتوقف عن مواصلة مسلسل إخفاقاتها القاتلة وممارساتها الْمُهِينَةُ لكرامة الإنسان وهَدَرُ حَيَاتِهِ سٌدًا طوال تاريخ ومراحل دويلة 1956م المٌتسخة ؛ بل لا زالت تتعمق في سفور فجهورها ؛ ولا تكترث لنتاج مآلاتها وتفرعاتها اللئيمة المبنية على خلق التباغض والتباعد بين مكونات البلاد السيِّاسيِّة والإجتماعية والثقافية ؛وهذا الأمر قد وسع من الشُّقة والشقاق وزاد الطين بِلة هذه المرة وأدخلنا في أعنف وأشرس وأقوى المواجهات المسلحة التي فاقت تصوراتهم وحساباتهم وتوقعاتهم الواهية فتجرعوا مرارة الهزائم الساحقة والحاسمة ؛ وبعد الآن فلن يجدي نفعًا تَّعَنُّتُ وَتَزَمْتُ قيادة القوات المسلحة المنحازة تاريخيًا والمتحالفة مع بعض الإتجاهات السيِّاسيِّة والتوجهات الفكرية البارعة في صناعة الإنقلابات العسكرية ؛ والماهرة في خلق الحروبات العبثية التي كان آخرها حرب الخامس عشر من أبريل الحالمة بإستعادة الحركة الإسلامية للحكم مرة أخرى بغرض التخلص من أعمال ومبادئ ثورة ديسمبر المجيدة ولكن هيهات ؛ وكما أن هذه الحماقة الإنتحارية والمغامرة الإنقلابية التي قامت بها مليشيا البرهان الفلولية برفقة الموتورون من الكتائب الإجرامية سوف تكون آخر حروبات السودان وللأبد.

“4”

وفي اعتقادي إنِّ إطروحة “قائد قوات الدعم السريع للحل الشامل وتأسيس الدولة السُّودانية الجديدة” لهي نقطة تلاقٍ وارتكازٍ وانطلاقٍ لبادرة مبشرة بالعهد الجديد وبارقة أمل لفعل سياسي سحري؛ ضمن خارطة طريقٍ جادٍ وحثيثٍ هادفٍ لإنتشال البلاد من لَجَجِ الْفَوْضَى المٌفزعة والمٌفجعة وفتح آفاق جديدة تهدف إلي إخراج الوطن من نفق التخبَّطات والأمزجة ؛ وعليه فإنَّ عملية تأسيس الدولة السُّودانية الجديدة المزمع قيامها تستوجب استشراف الأطر والرؤى القادرة على فهم التحديات وصياغة الرهانات لتصويب التعاطي مع المنعطفات والتحولات الحقيقية بما تعيد الإعتبار للعمل السياسي الوطني السليم والجاد وتوجه بوصلته في الإطار الكلي والمرجعي الذي تتقيَّد به كل أنماط التفاعلات في نطاق الكلَّية السيِّاسيِّة والإجتماعية التي تنتهي إلي بناء الفعل الجماعي الموجه للتعامل مع تناقضات الوضع السائد ؛ ولا يكون ذلك إلا من خلال تقديم وطرح آليات التغيير الجذري وتقديم البدائل الجرئية بشكل عميق وهيكلي على مستوى الواقع المادي والرمزي للمجتمع ؛ بعد تغيير المنظومة البائدة بمنظومة جديدة تتضمن تثبيت المواطنة والحقوق المتساوية أولا بغض النظر عن الإنتماء السياسي والديني والقبلي والجهوي والثقافي وفق ترتيبات دستورية وقانونية جديدة تحدد نوع الدولة المدنية الديموقراطية الدستورية الحديثة ونظام الحكم فيها وكيفية تداول انتقالها ؛ وإقرار الهُوية الوطنية الجامعة ، فالهوية الوطنية هي الدستور الضمني غير المكتوب وغير المعلن ولكنه كائن مٌتجسد في نفوس أبناء الوطن الواحد ؛وكما أن هذا الأمر يتطلب خلق آلية عليا لإِدَارَةِ التَّنَوُّع بطرق انسانية؛ مع ضمان تفعيل قضايا العدالة الانتقالية لتصفية تركة الماضي، وتحقيق العدالة الإجتماعية وقدسية حقوق الإنسان وإقامة العلاقات الخارجية المرتكزة على المصالح المتبادلة، وايجاد نظامًا تعليميًا مواكب للتطور والنهضة التقنية والتكنلوجيا …..الخ.

“5”

إنَّ عملية البناء والإنتقال السياسي هي عملية سياسية مُتَدَرِّجَةٌ تسمح بالتحول من نظامًا دكتاتوريًا إلى نظامٍ ديموقراطيٍ تعدديٍ، يكون قائمًا على حٌرية الإختيار والشرعية الشعبية والمشروعية الدستورية المعبر عنها بانتخابات حرة ونزيهة وشفافة كاستحقاق دستوري ؛ وتمتد المرحلة الانتقالية عادةً سنواتٍ وتُتوج بانتخاب هيئات دستورية منبثقة عن إرادة شعبية حقيقية ؛ وتمتلك سلطات سيادية محددة بنص الدستور ؛ فهناك عوامل تساعد على تيسير العملية الانتقالية وتسريع وتيرتها ؛ منها الحالة الاقتصادية للبلد ووجود تقاليد ديموقراطية سابقة يمكن أنْ يستفاد منها لإنجاز الأنموذج المنشود ؛ وتَتبع المرحلة الانتقالية بمرحلة تسمى مرحلة تعزيز الديمقراطية؛ هدفها الاطمئنان على متانة البناء الديمقراطي الناشئ وسد الثغرات التي يُمكن أن تعود منها الدكتاتورية والاستبداد مرة أخرى ؛ ففي بعض الأحيان ترافق عملية الانتقال السياسي عملية مصالحة وطنية هدفها إزالة آثار الماضي وحفظ الذاكرة السياسية.

بطبيعة الحال تقوم الدولة الدستورية الحديثة على أسس وركائز عدَّة تقع المواطنة في القلب منها ، والأفراد الأحرار ينشؤون الدولة بتعاقدهم على صياغة “العقد الإجتماعي” الناظم لشؤون عيشهم المٌشترك وفق مبادئ وقيم راسخة وعادلة تتيح للجميع المشاركة في السلطة والمساهمة في اتخاذ القرار الوطني وضمان أخذ نصيبه من ثروة بلاده وفق معيار الكثافة السكانية بعيدًا عن الممحاكات والسجالات والعنف المسلح.

“6”

على أي حال يمكننا القول بأن محاولات الاستشفاء من الواقع البائس المٌمتد لقرونٍ مٌتطاولةٍ قد ظل إمعان مٌعاند في مواجهة أي حلٍ جراء التحايُّل والمٌرواغة التي درجت عليها نخبوية دويلة 1956م الضالعة في إعاقتها لأي بادرة تنهي الصراع ؛ وتقويضها لأي أطروحة تقود لفتح مسارٍ جديدٍ وكتابة مستقبلٍ وضاءٍ ؛ فلذا فلم تكُن خيبات الفشل العليلة ودمارها الذي لحق بالبلاد ناجم عن توابع العوائق والتغولات فحسب ؛ ولا حتى هي ممارسات وليدة اللحظة ومحض الصدفة ؛ وإنما هي سياسات ممنهجة لعقلية متعالية متغطرسة وفئة ظلت تستميت في المحافظة على حكمها للبلاد والاستئثأر بمواردها منفردة مستخدمة في ذلك وسائلها الملتوية ومناوراتها المخادعة وتكتيكاتها الماكرة وعرقلتها المعهودة لأي جهود مخلصة ووأدها لأي نوايا صادقة تحول دون تحقيق رغبات السودانيين والسودانيات في الحرية والكرامة وتجفيف تطلعاتهم في العيش الكريم والرفاه ؛ فلم تبدئ هذه الطغمة أي ليونة في تموقفها ولم تقدم أي مرونة في تموضعها ؛ كلا بل ظلت ممانعة لمشاركتها القرار الوطني والسيادي فجعلت السودان ماركة مسجلة بإسمها لوحدها ؛ ولكن فلتعلم هذه العصابة المندحرة والمٌهزومة التي تسيدت المشهد حين غفلة من الزمان فقد انقضت تلك العهود للأبد وبلا رجعة ؛ وبعد الآن نحن لسنا بحاجة لإجتراح حلول التجزئة وترحيل الأزمات وتدوير النفايات مرة أخرى ؛ فالحل فقط يكمن في قوة السلاح “والجغم” بجسارة واقدام أشاوس قوات الدعم السريع والتنظيمات الثورية الحرة المتحالفة معه وكافة المساندين للتحول الديمقراطي والحكم المدني برفقة قوى الثورى والتغيير وحركات الكفاح المسلح الشرفاء فقط غير المتحالفين مع الفلول ولا عزاء لعملاء الكيزان الجدد ؛ فإنَّ إرادة جماهير شعبنا ترفض ورفضت مرارًا وتكرارًا الإنقياد لأي إعادة او انتاج لأي واقع أو وضعًا يعيد للأذهان أي مشهد قبل تاريخ الخامس عشر من شهر أبريل للأبد.

“7”

إنَّ الرؤية الثاقبة والمبادرة النابهة التي تقدم بها قائد قوات الدعم السريع في هذا الظرف الدقيق والحرج من تاريخ بلادنا للحل الشامل وتأسيس الدولة السُّودانية الجديدة قد وضعت نقطة تلاقٍ ومنصة انطلاق ولبنة بناء لتعزيز فرص التعايش المشترك بين مجاميع البلاد السياسية والإجتماعية والثقافية في بوتقة واحدة للمحافظة على السودان وطنًا موحدًا ودولة رائدة تقوم على أُسس متينة وروابط متجذرة قوامها العقد الإجتماعي الجديد؛ وسبيلها إستحسان إدارة التنوع الثر والتعدد الفريد بصورة غير مسبوقة ؛وغاياتها الوصول لمراحل الحكم الرشيد عبر ترتيبات دستورية جديدة وهدفها بناء عملية سياسية متدرجة تسمح للجميع المشاركة في الحكم والتقاسم العادلة للثروات ؛ وهنا وجب علينا أن نحمد الله كثيرا الذي جعلنا نحضر ونشارك ونقاتل في صفوف الأشاوس لدك حصون الظلم والمحسوبية وتحطيم قلاع مليشيا البرهان الفلولية التي كانت قائمة ومشيدة على أشلاء وجثث المقهورين والمستضعفين من كافة مناطق السودان وشهداء فض الإعتصام ؛ وفي هذا السياق إذ نتقدم بعاطر التحايا والمجد لكافة الذين ينظرون إلينا بعيونهم المجروحة وقلوبهم الدامية ونقول لهم قد مضى وقت منح الحقوق طوعًا وحان الوقت لأخذها كرهًا ؛ وهاهي قد دنت لحظات الإنتصار الأكبر وهزيمة مافيا الحركة الإسلامية ؛ وقريبًا سوف نحتفل معًا وبكل اللغات والسحنات من الوسط والشمال والجنوب والشرق والغرب في بهو القصر الجمهوري المنيف اعلانًا لبداية تدشين العهد الجديد في دولة المؤسسات المدنية الديموقراطية الدستورية وإنهاء مأزق الحكم في السودان للأبد.

فكان لزامًا علينا أن نترحم على كافة شهداء قوات الدعم السريع والمتطوعين للقتال في صفوفه بضراوة وشراسة واستبسال لوأد إنقلاب مليشيا البرهان وفلوله ؛ وكما أن قوات الدعم السريع وحلفائها يقاتلون الآن انابة عن الشعب في هذه الحرب المصيرية التي فرضها علينا الفلول ؛ فإنَّنا عازمون ومصممون أكثر من أي وقتٍ مضى لهزيمة آخر مقار التسلط والجبروت مهما كان ثمن التضحيات.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *