الدكتور النور حمد: “الجيش” مليشيا حزبية، يسيطر عليها إسلاميون “متطرفون” يخلطون العمل “العسكري” بتأييد سماوي متوقع .!!

41
الدكتور النور حمد، الباحث والكاتب والمفكر السياسي.
  • الدكتور النور حمد، الباحث والكاتب والمفكر السياسي..
  • الحرب هي المعبر الذي يسوق الشعوب إلى حالة التعافي المطلوبة.
  • الجيش لم يوفر الأمن ولا لمواطن واحد في الحرب التي فضحت وعرت أكذوبة الحماية.
  • الحرب آخر طلقة في كنانة الحركة الإسلامية وضباطها الذين أصبحوا أباطرة للمال والأعمال.
  • الجيش لم يحقق منذ الاستقلال أي نصر عسكري حاسم على أي حركة حاملة للسلاح.
  • الجيش مليشيا حزبية يسيطر عليها إسلاميون متطرفون يخلطون العمل العسكري بتأييد سماوي متوقع.
  • ثلة من المهرجين تقود الجيش يستثمرون إعلاميا في الجهلة كسبا للتأييد.

شدد الكاتب والمفكر والقيادي بالحزب الجمهوري النور حمد في حوار ل (راينو ) على أنه لن يكون هناك نصر حاسم في حرب 15 أبريل بين الجيش والدعم السريع في السودان، معتبرا أن جانبا منها حرب وكالة تسهم فيها قوى خارجية من الإقليم مؤكدا أن الجيش هو العلة التي أقعدت نهضة السودان، منوها إلى أن السياسيين في كل الانقلابات العسكرية التي حدثت في السودان هم من جر الجيش لاستلام السلطة، واستدرك: لكن للجيش أيضا علله البنيوية وشهوته للحكم وتاريخه الطويل منذ العهد الخديوي الذي جعل منه عدوا للشعب…

  • حوار: راينو ..
  • في تقديرك ما سبب عدم استقرار السودان واندلاع الحرب الحالية؟

اتسم الأداء السياسي للقوى السودانية المختلفة، منذ الاستقلال وإلى اليوم بسوء إدارة للدولة، وبالنظر إلى موارد الدولة كغنيمة يحتكرها الممسكون بمفاصل السلطة والثروة وقد نتج من ذلك فساد مؤسسي كبير، في قسمة السلطة والثروة. كما نتج عنه فشل ذريع في التنمية الاقتصادية. وإذا أضفنا إلى ذلك سوء إدارة التنوع، وتضليل للجمهور باسم الدين، سواء من القوى الطائفية، ومن جماعة الإسلام السياسي، والنزوع إلى الانقلابات العسكرية كوسيلة لاحتكار السلطة، وهو عمل شارك فيه اليمين واليسار السوداني معا، فإن كل ذلك ما كان ليقود أصلا إلا إلى كارثة الحرب الضروس الجارية الآن.

  • وإلى أي مدى تشكل حرب 15 ابريل نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية، ومعالجة كافة القضايا؟

هذه الحرب سوف تشكل منعطفا تاريخيا في مسيرة الدولة السودانية لحقبة ما بعد الاستقلال فحقبة ما بعد الاستقلال كانت في جملتها، وماتزال، حقبة سوداء اتسمت بالظلم وبالفشل وبالتهريج السياسي، وبالتراجع المستمر في كل شيء، عبر ما يقارب السبعون عاما. ويقول التاريخ إن حقب الفشل قد تستمر في حياة الشعوب، في بعض الحيين، لزمان طويل جدا، لكنها تصطدم في النهاية بحائط صد ينهيها. وغالبا ما تكون الحرب هي المعبر الذي يسوق الشعوب، التي فقدت نخبها البوصلة، الى حالة التعافي المطلوبة. يحدث ذلك بعد أن يستقين المنخرطين في الحرب أنها لا تأتي بالحل. فكل ما تفعله الحرب هي أنها توقظ العقول والضمائر التي أنامها أصحابها لوقت طويل، لتقوم بفعل ما ماطلت في القيام به منذ البداية. باختصار شديد، هذه الحرب هي آلام المخاض المر لميلاد وطن جديد غير ذلك الذي عرفناه منذ الاستقلال. لكن قد يطول هذا المخاض جدا وقد يقصر. ولن يقصر هذا المخاض المؤلم مالم تعترف النخب العسكرية والسياسية التي أدارته أنها أجرمت في حقه…

  • ثمة تحولات كبرى حدثت في الحرب، أبرزها تحول النقاش من أجندة إصلاح الجيش ودمج الدعم السريع إلى الحديث عن تأسيس وبناء جيش جديد ما هي دوافع ذلك وإمكانية تحقيقه؟

كان الجيش هو العلة التي أقعدت نهضة هذا البلد وكان السياسيون في كل الانقلابات العسكرية التي حدثت في السودان هم من جر الجيش لاستلام السلطة. لكن، للجيش أيضا علله البنيوية وشهوته للحكم وتاريخه الطويل منذ العهد الخديوي الذي جعل منه عدوا للشعب. وجعل أفراده يشعرون بأنهم فئة خاصة وأنهم أعلى قدرا من المدنيين الذين يدفعون لهم رواتبهم وأنهم هم الأحق بإدارة شؤون البلاد، بحجة أنهم هم الذين يحمونها ويوفرون لها أمنها. و-بحمد الله- فضحت هذه الحرب أكذوبة الحماية هذه وعرتها تعرية ما بعدها تعرية. فالجيش لم يوفر الأمن ولا لمواطن واحد في هذه الحرب وكل القوى الأخرى التي جعلها تحت قبضه عبر سنوات حكم الميزان كالشرطة والأمن والدفاع المدني ابتلعتها الأرض مع انطلاق أول رصاصة وجعلت المواطنين يواجهون مصيرهم. أيضا، هذا الجيش الذي لم يقتل منذ الاستقلال سوى مواطنيه تحول قادته إلى أباطرة مال وإلى عصابة ناهبة للموارد، ودونكم حديث الفريق ياسر العطا عن المسالخ والمخابرات المصرية. لقد أنشأ الجيش الذي سيطرت عليه الحركة الإسلامية عبر العقود الماضية دولة موازية لا سلطة لوزارة المالية ولا للمراجع العام سلطة رقابية عليها. جيش يعمل في تهريب الذهب وغيره عبر مختلف المنافذ البرية والجوية. جيش ترك مهامه وأصبح ضباطه مديرين لشركات تتاجر في المواد المواد الغذائية. وقد شاركت قوات الدعم السريع التي أنشأها الجيش في كل هذه الصفات…

  • وفي تقديرك ما الحل؟

خلاصة القول، لن يكون الحل بدمج الدعم السريع في الجيش، ولا دمج الحركات المسلحة فيه، وإنما بإنشاء جيش جديد تماما؛ جيش غير مؤدلج ليس له أي دور في السياسة ولا في إدارة شؤون البلاد جيش يخضع تمويله لتشريعات البرلمان المنتخب. وتخضع قراراته المتعلقة بالسلم والحرب لوزير الدفاع المدني، ولرئيس الوزراء. جيش مهني يجري تدريبه على مفاهيم وأسس جديدة وله عقيدة يحكمها الدستور والنظام الديموقراطي، تنحصر في الدفاع عن حدود البلاد وسمائها ومائها.

  • فتحت الحرب أبوابا واسعة للنقاش بين السودانيين والنخب الفكرية على وجه الخصوص إلى أي مدى يسهم ذلك في بلورة وبناء مشروع وطني بأجندة جديدة لصالح كل السودانيين؟

هذا هو المفترض أن يحدث، وهو إدارة حوار موسع حول بلورة مشروع وطني جديد للبناء الشامل متعاف تماما من علل الماضي المتمثلة في الاستقطاب والشقاق. لكن، لقد زادت هذه الحرب من حدة الاستقطاب. فهذه الحرب هي آخر طلقة في كنانة الحركة الإسلامية وضباطها الذين أصبحوا أباطرة للمال والأعمال، في إبقاء السلطة في أيديهم. ولذلك، فإن المعركة فيها معركة كسر عظام. ولقد بلغ الاستقطاب الآن قمته بفعل الشحن الإعلامي. ولذلك، قد تطول هذه الحرب جدا، وقد تقصر. لكن لن يتاح المجال قط لبلورة مشروع وطني نهضوي، إلا بإعادة السلطة للمدنيين وإبعاد السلاح تماما عن صراع السياسة..

  • منذ بداية الحرب في ١٥ أبريل الماضي وبعد قرب إكمالها لعام كيف تقييم الميزان العسكري… لمن التفوق ميدانيا، وما هو التكتيك العسكري الذي اتبعه الدعم في الحرب؟

تؤكد كل التقارير الدولية والإقليمية، أن أداء قوات الدعم السريع كان أفضل بكثير من أداء الجيش، منذ انطلاق الرصاصة الأولى. فقد قضت قوات الدعم السريع منذ شهور القتال الأولى على مزية امتلاك الجيش للمدرعات. حاصرت قوات الدعم السريع كل معسكرات الجيش وانتصرت في كل معركة دارت بينها وبين الجيش في المدن الثلاث. يضاف إلى ذلك أن قوات الدعم السريع احتلت مساحات شاسعة في دارفور، وأسقطت العديد من معسكرات الجيش. كما تمددت في سهل الجزيرة بمحاذاة ضفتي النيل الأزرق، الشرقية والغربية. لكن، بصورة عامة، يمكن القول، إن الحرب في العاصمة ماتزال سجالا بين الطرفين. فبعد أن كانت أحياء أمدرمان القديمة تفصل بين الجيش في محلية كرري في شمال أمدرمان، وبين معسكر المهندسين في جنوب أمدرمان، أصبحت أكثرية هذه المنطقة في قبضة الجيش. وأصبحت قوات الدعم السريع منحصرة في منطقة الملازمين حول مباني الإذاعة والتلفزيون، وحي الموردة. وقد يتغير هذا الوضع في أي وقت. لم تستطع قوات الدعم السريع تحييد سلاح الطيران الذي أخذ نشاطه يزداد في الآونة الأخيرة. عموما، لم يستطع أي من الطرفين فرض سيطرة كاملة على مدينة، وحتى لو سيطر أي طرف من الطرفين على أمدرمان فلن تكون تلك نهاية هذه الحرب. هذه الحرب تجري في نطاق واسع من قطر كبير المساحة وغالبا ما لا يستطيع أي فريق فيها تحقيق نصر عسكري حاسم. لذلك دعونا منذ البداية للتفاوض، لكن الجيش الواقع تحت سيطرة الإسلاميين ظل رافضا للتفاوض بغير شروط، وهذا ما وافقت عليه قوات الدعم السريع منذ البداية. ولا بد من القول هنا إن الجيش السودان لم يحقق قط، منذ الاستقلال، أي نصر عسكري حاسم على أي حركة حاملة للسلاح. وكل الحركات المسلحة التي حاربها الجيش بما في ذلك حركة قرنق قد كانت أقل عدة وعتاد من قوات الدعم السريع. يطول الزمن أو يقصر ستنتهي هذه الحرب بالتفاوض. فتحقيق نصر هنا ونصر هناك، هو عملا دعائيا وقتيا لا أهمية له…

  • اتفق الكثير من المراقبين على أن الدعم السريع حقق انتصارات باهرة عسكريا وميدانيا، برأيك لماذا يجر الجيش الحرب لحرب أهلية ويعمل للتجييش؟

قلنا مرارا هذا الجيش لم يعد جيشا، وإنما مليشيا حزبية يسيطر عليها إسلاميو أكثريتهم من المتطرفين لذلك هو لا يستخدمون العقلانية في حساباتهم كما يستخدمها قادة الجيوش المهنيين المحترفين، وإنما يخلطون العمل العسكري بتأييد سماوي متوقع. هم موقنون، خاب فألهم، باستعادة السلطة من جديد لتكون لهم وحدهم دون شريك. لذلك، لا يفكرون إلى في النصر. ومن أجل ذلك يماطلون لشراء الوقت أملا في تعديل ميزان القوة العسكرية. ولأن الحرب فضحت أنهم وصلوا بتخبطهم لجعل الجيش جيشا بلا مشاة، اتجهوا إلى تجييش المواطنين وزرع الفتن وإثارة النعرات العنصرية والجهوية، لجر أهل الوسط والشمال النيلي لحمل السلاح. ولم يحققوا نجاحا يذكر في هذا. وسيحاول الإسلاميون وقادة الجيش الخاضعين لسلطتهم فعل كل منكر وقبيح ليحققوا نصرا حاسما. لكن في اعتقادي أن هذا النصر لن يتحقق طال الزمن أم قصر. سيفقدون السلطة التي احتكروها لخمسة وثلاثين عاما مرة وإلى الأبد. فهذه حقبة غاربة طواها الزمن فيما يطوي من مراحل الشر، ولن تعود كما يودون.

  • البعض يرى أن هيمنة قوات الدعم السريع على الأرض في العاصمة الخرطوم تصطدم بنيران سلاح الجو… والسبيل هو الاتجاه للتفاوض؟

أصلا لن يكون هناك نصر حاسم في هذه الحرب، فهي في جانب منها حرب وكالة تسهم فيها قوى خارجية من الإقليم. وسوف يعمل كل فاعل فيها على تقوية الطرف الذي يخدم أجندته. والمعركة ليست منحصرة في الخرطوم. هذه معركة تجري في نطاق واسع جدا. نعم يمكن أن يجعل سلاح الطيران العاصمة مكانا مزعجا جدا لقوات الدعم السريع، لكن لن يحسم سلاح الطيران المعارك التي تجري على نطاق واسع جدا في مختلف أرجاء البلاد. ومتى حسم سلاح الطيران أيا من المعارك الداخلية؟ فقد ظل يقصف دارفور وجبال النوبة لسنوات طويلة وها هي غالبية جبال النوبة في قبضة حركة عبد العزيز الحلو. الجيش يقوده الآن ثلة من المهرجين الذين يستثمرون إعلاميا في الجهلة كسبا للتأييد، وهذا لن يفيدهم في شيء. أفضل شيئا يمكن علمه الآن هو أن تقف هذه الحرب الآن، بلا أي شرط من أي جانب، لتعاد للمدنيين سلطتهم التي سرقت منهم، ونبدأ في إبراء الجراح وإعادة إعمار هذا الخراب الفظيع.

  • ما هو الجديد في التفاوض وما هي العقبات التي تحول دون تقدم حقيقي في أجندة التفاوض وما هي أبرز الأجندة التي تسعون لتحقيقها؟

لا أعتقد أن هناك جديدا، نفس المماطلة والمراوغة ومحاولات شراء الزمن من قبل الجيش. ولا أتوقع شيئا مفيدا من الوسطاء فهم أصحاب أجندة متضاربة في الصراع السوداني.

  • كيف تنظرون إلى تصريحات قادة الجيش وعدائهم للمجتمع الدولي من فولكر إلى بوتو والإيقاد وغيرها؟

هذه رهونات وجاهلات الإسلاميين المعهودة، وهي استمرار لعنترياتهما الجوفاء التي ما قتلت يوما بعوضة. فقد استمرت لأكثر من ثلاثة عقود ولم نجن منها شيئا سوى حبس السودان في قمقم المقاطعة الدولية، والعقوبات إلى أضرت بالبلاد وحبستها في خانة الكساح المقعد، في حين أخذت الأمم من حولنا تثب وثبا.

  • ما مدى صحة أن الجيش ما هو إلا كتيبة تتبع للحركة الإسلامية بدليل سيطرته على قيادتها؟

هذا صحيح جدا وقد قلته مرارا.

  • ثمة انحيازات صارخة فضحت مواقف المثقفين بالاصطفاف للجهة والقبيلة وقد تفاجأ الكثير بمواقف عشاري وعبد الله علي إبراهيم ومحمد جلال والواثق كمير لجانب الجيش، رغم أنهم محسوبون على مواقف الثورة تاريخيا وليبراليين؟

رغم احترامي الكبير لهؤلاء الإخوة، فإنني أرى أن هذا سوء تقدير كبير للأمور من جانبهم. لقد كان الأفضل لهم، من وجهة نظري، أن يقفوا في الحياد. ولقد حق للذين استغربوا موقفهم هذا أن يستغربوا، لأن هؤلاء الإخوة الأكاديميين والمثقفين قد سمعوا، كما سمع غيرهم، من يتحدثون باسم الجيش الذين ظلوا يتوعدون القوى المدنية، بالويل والثبور وعظائم الأمور عقب انتصارهم على الدعم السريع. فهؤلاء أشعلوا الحرب بعد أن وقف الدعم السريع مع الاتفاق الإطاري وأعلن عدم رغبته في تولي السلطة. لذلك، هم يرون أن القضاء على الدعم السريع هو الحاجز الذي لا مناص من عبوره للقضاء على الثورة، وعلى جملة الحراك المدني. ولا أدري هل فات على هؤلاء الإخوة أن هذا الجيش ينفذ ما تراه الحركة الإسلامية، وهو أن تظل لوحدها الممسكة بالسلطة والمحتكرة لموارد البلاد والحارسة لذلك بقوة السلاح والقبضة الأمنية؟ موقف هؤلاء موقف عاطفي بحت، ولم يقم على تحليل عقلاني دقيق للسياق ومآلاته المحتملة. هذه عاطفة وطنية جرى توجيهها نحو جيش وطني متوهم، لم يعد هناك أصلا. إنها، باختصار، صرخة في وادي الصمت.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *