السماني بشير يكتب: حرب التأسيس الجديد أم التثبيت للقديم؟

40

بعد حرب 15 أبريل اتضحت العيوب الهيكلية للجيش السوداني، وأصبح الكثير من السودانيين في حالة خيبة ودهشة من الوضع الكارثي الذي وصل إليه جيش البلاد، التي كانت قيادته تنشغل بالحكم أكثر من التأهيل والتدريب.

إن استمرار الحرب في عواصم المدن الكبيرة أفرز انتهاكات واسعة مارسها الجيش السوداني ضد المدنيين، شملت قصف الطيران واستهداف العمال وطلاب الجامعات والخلاوي بحجة الانتماء للدعم السريع. إضافة إلى ذلك، فإن تصريحات كبار قادة الجيش تؤكد بوضوح ما كان يردده قادة النضال المسلح ولم تفتحه الطبقة السياسية في نقاشات السياسة واقتراح الحلول، وهو أن الجيش حزب سياسي يهتم بالسلطة والثروة أكثر من كونه مؤسسة عسكرية تحمي الشعب وتدافع عنه.

أصبح الرأي العام مجبورًا على نقاشات الترتيبات الأمنية وضرورة تأسيس وبناء مؤسسة عسكرية تضمن حماية العقد الاجتماعي.

كان هذا التفكير محتكرا في غرف التفاوض، وعملت قيادة الجيش على الإحالة دون مشاركة الرأي العام في نقاشات التأسيس والبناء، وتخوين كل من تطرق لفتح أجندة إعادة بناء هيكل الدولة السودانية لتصبح دولة تنموية وعادلة. كما تجنبت المؤسسة العسكرية طوال فترة تغولها على الحكم المعالجة الجذرية لقضايا الحرب والسلام، واعتمدت الحل العسكري كمنهجية للتعامل مع من يرفع المطالب السياسية في وجهها.

ما يؤكد حقيقة أن الجيش حزب سياسي له حواضنه الاجتماعية ومحفزاته العرقية هو طبيعة الخطاب الذي ردد مناصروه وأبواقه الإعلامية في حرب 15 أبريل. خطاب أدهش كل المراقبين للصراع السياسي، وانصهرت تيارات كانت قد أشعلت الحركة السياسية لوقت طويل من عمر دولة 56 بخطابات قطيعة كانت تُظهر تطرفها ضد الجيش، باعتباره جيشا مؤدلجا تقوده الحركة الإسلامية. كل ذلك اختفى بإعلان الدعم السريع “رؤية الحل الشامل” التي تتشابه إلى حد ما مع رؤية الحركة الشعبية للسودان الجديد. هذه الأجندة أحرجت تلك القوى التي تخفي نفسها تحت شعارات الاختلاف الأيديولوجي، وفضحت حقيقة الصراع الاجتماعي، ووضعتها في مرافعات تهدف إلى حماية الكتلة العسكرية كقوة دفاع تحمي امتيازات النخب السياسية لدولة ما بعد الاستعمار.

بهذا السقوط الأخلاقي أكد الجيش حقيقة انحيازه الاجتماعي، وأنه حزب يتقن العملية السياسية ويحتكرها وفق خطط الدفاع عن مصالح عرقية وجهوية أو مناطقية محددة.

ثمة واقع جديد سيفرض نفسه بقوة على أجندة النقاش السياسي ولا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال. إن ما قام به الدعم السريع من خلال وضعه لشروط الحل التي تبدأ بتأسيس وبناء جيش مهني موحد، يضع جميع السودانيين في مسؤولية حماية العقد الاجتماعي واقتلاع جذور الحرب وأسبابها.

هذا التحول وضع الحركة السياسية في نقاشات مستمرة حول ما كان يعرف بملف الترتيبات الأمنية، إذ كان هذا الملف محتكرا داخل دولاب السرية والمختصين. أما الآن فتحول إلى أجندة اصطفاف سياسي عريض لا يمكن القفز عليه أو تجاوزه.

وبالتالي فإن قضية تأسيس جيش قومي ومهني موحد، تمثل الخطوة الأولى نحو بناء الدولة السودانية الجديدة. هذا أو الانهيار الشامل للدولة والوقوع في براثن الحرب الأهلية.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *