الباشا محمد طبيق يكتب: رهانات البرهان الخاسرة.

190

لن ينسى الشعب السوداني دق طبول حرب 15/أبريل 2023م، وخطابات البرهان في الزواج الجماعي، وتخريجه لبعض قواته الخاصة بمعسكرات «حطاب والمرخيات» ولا خطابات الكباشي في كادوقلي وخطابات ياسر العطا خايب الرجا، ولا حتى خطابات الإسلاميين في إفطارات رمضان وتوعدهم بإشعال الحرب، أمثال أنس عمر والناجي عبدالله والحاج آدم يوسف وغيرهم. كانت تلك الخطابات مؤشرات واضحة لكل مراقب ومحلل بأن هناك حرب دروس قادمة.

ومن خلال هذه الحيثيات وقبلها راهنت اللجنة الأمنية بقيادة ابن عوف وصلاح قوش وجزء من قيادات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي على الفهلوة السياسية للانحناء للعاصفة وهندسة الهبوط الناعم لابتلاع ثورة ديسمبر، ولكن خسر الرهان الأول وسقط ابن عوف وصعد البرهان للمشهد وبدأ مسلسل الكذب والخداع وعمل على كسب الزمن لتفريغ الشارع. ولكن كانت إرادة الثوار أقوى، حيث حطمت كل الخطط الأمنية والسياسية وظل الشارع مشتعلا حتى فض الاعتصام. وكان هذا هو الرهان الخاسر الأكبر؛ فالبرهان وظله علي كرتي وأدواته الكباشي والعطا وجهاز المخابرات العامة ظنوا أن فض الاعتصام سيكون رصاصة الرحمة الأخيرة لإخماد نار ثورة ديسمبر وقبرها. ولكن خسر الرهان، واستمرت هذه المناورات والتكتيكات حتى انقلاب 25/ أكتوبر.

إن فشل انقلاب 25/ أكتوبر هو الذي دفع البرهان والحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي لتنفيذ الخطة (ب) وهي القشة التي قصمت ظهر البعير وأشعلت حرب الخامس عشر أبريل 2023م. فالبرهان وقيادات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية أعدوا العدة للحرب وجيشوا لها الكتائب، وبنوا حساباتهم العسكرية على حسمها في أقل من (6) ساعات. ولكن كانت المفاجاة أكبر حين واجه أشاوس قوات الدعم السريع دبابات وطيران جيش البرهان وكتائب البراء الإرهابية بكل قوة وبسالة وصمود، حيث واجهت «اللاندكروزر» الدبابة ولأول مرة في التاريخ تواجه سيارة لاندكروزر دبابة مصفحة بل وتنتصر عليها في مواجهات عديدة. أي شجاعة هذه وأي صمود وإقدام وأي قلوب يمتلكها أبطال وأشاوس قوات الدعم السريع حتى يحطموا أسطورة جيش المئة عام! لكنها الإرادة والإيمان بالقضية العادلة لإقتلاع دولة الظلم والفساد والعنصرية والجهوية. خسر البرهان رهان الست ساعات واستمرت الحرب وتوالت هزائم جيشه وكتائب البراء الإرهابية، وبعد تحطيم وهزيمة كل المتحركات التي قدمت إلى الخرطوم من «أبوجبيهة والفشقة ونهر النيل وكردفان ودارفور» لهث البرهان إلى منبر جدة منكسرا ومهزوما، فعمل على كسب الوقت لالتقاط أنفاسه وإعداد جيشه، وصدق الوعد الكذوب من رأس الفتنة علي كرتي بأنه سوف يفتح معسكرات التدريب للمجاهدين لتحقيق النصر على قوات الدعم السريع. فكانت المرواغة هي نهج وفده المفاوض، والذي ظهرت فيه تيارات متعددة ومرجعيات مختلفة. خسر رهان كسب الوقت في منبر جدة، وظهرت أصوات من بعض الناشطين واللايفاتية أمثال الإنصرافي وأبورهف وأحمد كسلا ورشان أوشي وعائشة الماجدي وبعض الأقلام الصحفية رافضة للتفاوض وتنادي بالمقاومة الشعبية. وعندما سمع البرهان بهذه الآراء وهو غريق في مستنقع الحرب ويبحث عن طوق نجاة تمسك مباشرة بقشة المقاومة الشعبية، فنفخ شدوقه ونهق وتوعد بهزيمة قوات الدعم السريع. ونتيجة لذلك كانت خطاباته التصعيدية في كل من «جبيت ومدني والقضارف» ولكنه أيضا خسر رهان المقاومة الشعبية بسبب عدم الاستجابة من المواطنين الذين خبروا واكتشفوا أكاذيبه هو وعلي كرتي. بعد أن خسر البرهان رهان المقاومة الشعبية هرول إلى دول «منظمة الإيقاد» وطلب من قادة المنظمة التوسط بينه وبين الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، وقبل أن يجف حبر مخرجات قمة الإيقاد بجيبوتي التقى وزير الخارجية المزور علي الصادق بوزير الخارجية الإيراني، ووعد الأخير بإعادة العلاقات بين «طهران» و«بورتسودان» بعد أن نزح إليها طاقم حكومة الأمر الواقع، وذلك بعد السيطرة شبه الكاملة لقوات الدعم السريع على العاصمة السودانية الخرطوم. فجرى البرهان ميمما قبلته إلى طهران لإعادة العلاقات، وفتح منافذ لجلب السلاح. وكما يقال “المصائب تجمع المصابين”، إيران تعيش في عزلة دولية وحصار وعقوبات وتبحث لها عن موطىء في البحر الأحمر. وبورتسودان تخوض حربًا مهزومة فيها «ستة صفر» وتريد سلاحا بأي طريقة، وبأي ثمن. فكانت النتيجة هي الإملاءات والشروط الإيرانية، وأولها إنشاء قاعدة عسكرية ببورتسودان وإشراف الحرس الثوري الإيراني على أي اتفاق بين البلدين؛ فاستجاب المهزوم البرهان للمطالب الإيرانية وتم مده بمسيرات مهاجر (6)، وبعض الأسلحة لتحقيق انتصار عسكري على الأرض وإخراج قوات الدعم السريع من ولاية الخرطوم. لذلك يجد المتتبع لخطابات هذا المعتوه (البرهان) تغيير في الخطاب بعد كل خطوة؛ فخطابه هذه المرة رافض لأي تفاوض مع قوات الدعم السريع، وقال الخيار العسكري هو الخيار الوحيد، وعلى قوات الدعم السريع إذا إرادت التفاوض أن تخرج من ولايتي الخرطوم والجزيرة .

ومع ذلك لم تحقق قوات البرهان أي انتصار على قوات الدعم السريع حتى الآن، ولم تتمكن من تحرير أي منطقة عسكرية، وتركزت كل أحلامهم في تحرير شارع أوعمارة بسوق أم درمان. وبعد هذا الخسران المبين واقتراب الهزيمة الكُبرى لجيش البرهان وكتائب البراء الإرهابية، والمتردية والنطيحة من مليشيات جبريل ومناوي وطمبور، تحركت بعد القيادات الإسلامية والتقت بالرئيس رجب طيب أردوغان للتدخل في الشأن السوداني. ولكنه رفض التدخل المباشر لأنه يخاف من الفشل، وآثر المناورة بحليفه عبدالحميد الدبيبة، فكانت «المبادرة الليبية» هي الرهان الأخير للبرهان، وقبلها طلبه من الجزائر التدخل في الشأن السوداني ومده بالطائرات الحربية والسلاح، ولكنه لم يتلق أي وعد قاطع بخصوص ذلك. ومن أكبر الخسائر التي صفعت البرهان هي التحفظ المصري على إعادة العلاقات مع إيران، لأن مصر لا تريد أن تزاحمها طهران في نفوذها بالبحر الأحمر لا سيما وهي تتلقى خسائر مالية ضخمة بسبب التوتر الأمني بالبحر الأحمر وهجمات الحوثيين على السُفن التجارية بمضيق باب المندب. وبالتالي أصبحت كل رهانات البرهان خاسرة، والسبب الرئيسي هو عدم امتلاكه لقراره؛ فأصبح مثل لعبة الشطرنج بيد الحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي الذي يعتبر اللاعب الحقيقي في المشهد وما البرهان إلا دمية بلا هادي ولا دليل ولا إرادة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *