التحريض على الحرب في السودان جريمة .. ماذا سيفعل القانونيون؟
“أربعون عاما” كانت المدة التي استغرقتها حرب “البسوس” التي شهدتها الجزيرة العربية بإعتبارها أطول حروب البشرية، وكما يقول التاريخ، اندلعت شرارتها بسبب “التحريض”، وهذا التاريخ الأسود، الأكثر دمويةً، وعنف، وبكل تفاصيله المؤرخة، لم يكن كافياً لأخذ الدروس والعبر، وكأن عهد الجاهلية يعيد نفسه، حيث ما يزال التحريض وخطاب الكراهية والتمييز العنصري والتحريض على القتل مقياساً للوطنية في قاموس النظام الإسلاموي في السودان، الذي حرض على إشعال الحرب الحالية .. فما هي الاجراءات التي قرر الفاعلون القانونيون إتخاذها للحد من التحريض، وإيقاف المحرضين؟
راينو: بلو نيوز الإخبارية-
اجراءات قانونية:
عقب حرب 15 إبريل وقبلها شهدت الساحة السودانية تنامي لخطاب الكراهية والتحريض على القتل بشكل ممنهج ومكثف وظلت وسائل التواصل الاجتماعي مسرحاً لكل ما يوصف بالعبث عبر صفحات لأفراد وتنظيمات عملت على حشد اعداد كبيرة من المتابعين بغرض بث خطاب الكراهية والدعوة لحمل السلاح..
ولمواجهة ذلك بدأت مجموعة من القانونيين السودانيين تحركات لملاحقة مرتكبي جرائم التحريض مستندين في مساعيهم على “8” من مواد القانون الجنائي السوداني السارية حالياً، إضافة إلى أكثر من “12” مادة ومبدأ في القانون الدولي.
وفي هذا الإتجاه كشف عضو هيئة الاتهام في محاكمة انقلاب “1989” المعز حضرة ، إن هنالك جهود للتنسيق مع منظمات وهيئات قانونية وحقوقية دولية لملاحقة مرتكبي جرائم التحريض على الحرب دولياً. وأكد حضرة في تصريحات صحفية إمكانية نجاح تلك الجهود، نظراً لأن عدد من البلدان – خصوصاً في أوروبا – تتيح إمكانية فتح بلاغات في وجه من يقودون خطاب الكراهية، وتجنيد الأطفال، والترويج للقتل تحت مظلة الحرب.
فيما نقل موقع “سكاي نيوز” عن قانونيين سودانيين قولهم إنهم يعتزمون البدء في ملاحقة عدد من الناشطين الإعلاميين والسياسيين، المحرضين على استمرار الحرب الحالية، والتي دخلت شهرها الحادي عشر، وأدت إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين.
مطالبات بقوانين رادعة:
وحول انتشار خطاب الكراهية بصورة مقلقة قالت عضوة محامي الطوارئ وهيئة محامي دارفور المحامية سعاد عبدالكريم إن الاعلام بصورة عامة ووسائل التواصل بشكل خاص لهم دور واضح في انتشار خطاب الكراهية، وطالبت بسن قوانين تلزم شركات الاعلام ومؤسساته بعدم بث خطاب الكراهية وضمان عقاب مرتكبي هذه الجريمة.
وكشفت سعاد في حديثها لـ”راينو” إنهم عبر محامو الطوارئ قاموا برصد واجهات محسوبة على نظام المؤتمر الوطني تقوم بالتحريض على القتل ونشر خطاب الكراهية وساهمت في توسيع نطاق الحرب ونقلها إلى مناطق كانت آمنة بالسودان، تمهيداً لفتح بلاغات ضدهم.
ويذهب المحلل السياسي “محمد عوض البارئ” إلى ما ذهبت إليه “سعاد عبدالكريم” بضرورة سن قوانين وتشريعات تضبط مؤسسات الاعلام وعدم تركها الانسياق خلف الدعوات المفضوحة للتحريض على القتل وحمل السلاح ومعاداة كل من يدعو للسلم، وقال ل”راينو” إن مايحدث الآن يأتي في إطار استنفار النظام البائد لحملة الأقلام المأجورة من منسوبيه والمؤسسات الاعلامية التي تم تفكيكها من قبل لجنة ازالة التمكين، من أجل التخلص من مشروع الثورة والعودة إلى الحكم عبر آخر كرت لهم وهو الحرب الشاملة.
فِعل جنائي:
فيما يذهب المحامي والقانوني طارق كانديك لـ”راينو” الى أن التحريض على الحرب يُعدّ جريمة دولية خطيرة ما تزال تُشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين. وتعمل الدول والمنظمات الدولية على تطوير آليات جديدة لمكافحة هذه الجريمة ومنع وقوعها، إذ الفيصل في ذلك نظام روما الاساسي الذي دخل حيز التنفيذ قي عام ٢٠٠٢ وميثاق الأمم المتحدة.
وأشار كانديك إلى أن المحرضين يمكن أن يكونوا إعلاميين أو سياسيين أو مؤسسات حزب، جمعية، …الخ ليس المهم الأشخاص سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو اعتباريين، المهم في الأمر هو ارتكاب الفعل الجنائي غض النظر عن من يرتكبه.
وبحسب كانديك لقد سبق وأن تصدت المحكمة الجنائية الدولية لمثل هذه الجريمة في أكثر من دعوى على سبيل المثال تمّت محاكمة العديد من قادة ألمانيا النازية بتهمة التحريض على الحرب بعد الحرب العالمية الثانية،كما تمّت محاكمات لذات الجريمة تتعلق بتهمة التحريض على الحرب في يوغوسلافيا السابقة.
ويؤكد المحامي طارق كانديك أن المحكمة الجنائية الدولية هي صاحبة الاختصاص في الجرائم الكبرى على سبيل الحصر وهي الجرائم ضد الإنسانية والابادة الجماعية وجرائم الحرب وجريمة العدوان وانتهاك القانون الجنائي الدولي متى كان القضاء الوطني غير قادر أو غير راغب في التصدي لهذه الجرائم.
ويُعرّف التحريض على الحرب في القانون الدولي بأنه التحريض المباشر والعلني على شن حرب عدوانية أو حرب تخرق المعاهدات الدولية. ويعتبر هذا الفعل جريمة دولية خطيرة تُهدد الأمن والسلم الدوليين. ولعل أن الأساس القانوني لذلك ما نصت عليه المادة “٦” من نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي نصت على حظر التحريض على الحرب كما يُعتبر التحريض عليها جريمة ضد السلام بموجب ميثاق الأمم المتحدة.