“السودان”: إستقبال شهر رمضان المعظم بلا “هدنة”.
تواصل المعارك في العاصمة الخرطوم في أول وثاني أيام الشهر مع تفاقم الأزمة الإنسانية..
- وكالات: بلو نيوز الإخبارية-
تراجعت الآمال في التوصل لوقف لإطلاق النار في شهر رمضان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، واستقبل سكان الخرطوم وأمدرمان اليوم الأول والثاني من الشهر الكريم وسط القصف المتبادل بين طرفي النزاع. وقال شهود عيان إن قوات الجيش هاجمت مواقع قوات الدعم السريع جنوب وشرق الخرطوم وشمال مدينة بحري، كما وردت أنباء عن اشتباكات بين الجانبين في أمدرمان غربي الخرطوم.
وأعلن الجيش السوداني عن السيطرة على مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون في بيان الثلاثاء بعد أن كانت قبضة الدعم السريع لأشهر، وقال إن قواته دمرت سبع آليات عسكرية وشاحنتين لنقل النفط تابعة لقوات الدعم السريع شمال بحري.
وتتواصل المعارك في وقت اعتمد فيه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2724 الذي يدعو طرفي القتال لهدنة عاجلة خلال شهر رمضان ول” إزالة أي عقبات وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق، بما في ذلك عبر الحدود وعبر مختلف النقاط، والامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي”.
- ترحيب وتحذير:
وعن رد الجيش على قرار مجلس الأمن قال مصدر من قوات الدعم السريع لـ SBC فضل حجب اسمه ” إن الجيش لم يلتزم بأي هدنة إنسانية منذ بدء الحرب وهذا بشهادة المسهلين”، ويرى المصدر أن رفض الجيش يعود لتعدد مراكز اتخاذ القرار داخل المؤسسة العسكرية وسيطرة الإسلاميين على القرار واستدل على ذلك قائلاً ” البرهان أشار في تصريحاته لموافقته على الهدنة بينما وزارة الخارجية ومن بعدها ياسر العطا أعلنا صراحة عدم قبول هدنة إنسانية وهذا دليل على أن الحرب تدار من جهات خارجية والجيش غطاء لها للتحكم في السلطة”.
وعند سؤال المصدر عن رأي قيادات الدعم السريع في الشروط التي وضعها الجيش للقبول بتنفيذ الهدنة رد قائلاً ” الجيش ليس في وضع يسمح له بالاشتراطات وهي دليل على عجزه عن استرداد المواقع التي حررها الدعم السريع” مؤكداً في تصريحه لSBC بأن الدعم السريع هو من يحق له وضع الاشتراطات. جدير بالذكر أن حديث المصدر أتى بعد إعلان القوات المسلحة السودانية في بيان السيطرة على مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون. واستعرض الجيش السوداني على حسابه بموقع الفيسبوك مقطع فيديو لقواته من داخل مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون وهم محاطون بعربات قتالية تركتها قوات الدعم السريع عند هروبها بحسب منشور الصفحة.
وكان الفريق أول ركن ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش السوداني، رهن قبول الهدنة بشروط من ضمنها انسحاب قوات الدعم السريع إلى معسكرات حددها الجيش السوداني وبعدها “سيكون الجلوس معهم فقط لتطبيق العدالة والقانون” وبشأن هذا التصريح يقول المصدر محذراً ” على ياسر العطا أن يحافظ على المعسكرات التي يوجد فيها الآن لأنها هدف استراتيجي لقواتنا وسنصلها قريبا جداً” وأضاف بأن قوات الدعم السريع رحبت بالهدنة ” مراعاة للوضع الإنساني الحرج الذي يواجهه الشعب خاصة في ظل بروز بعض المؤشرات عن حدوث مجاعة في السودان”.
- عوائق تنفيذ القرار 2724:
وعن الصعوبات التي تواجه تطبيق الهدنة خلال رمضان يوضح الصحافي والمحلل السياسي، د. مزمل أبو القاسم، أن المطالبة بالهدنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ليس بالأمر الجديد وهي وفق قوله بدأت منذ أيام الحرب الأولى ” لكن نادراً ما يتحول إلى واقع لعدم توافر المقومات التي تضمن نجاحه”. وعن أهمية القرار ومدى التزام طرفي النزاع به، يعلق أبو القاسم ” قرار مجلس الأمن ولد ميتاً ولم يشر لأي آلية لمراقبة وقف الانتهاكات لضمان عدم وقوعها من قبل أي طرف”. وأسفرت محادثات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مايو 2023 في جدة عن أول اتفاق بين الطرفين وشمل التزامات إنسانية أهمها وقف أي هجوم قد يتسبب في أضرار مدنية، وعدم استخدام المواطنين كدروع بشرية. ويقول أبو القاسم إن إعلان جدة أكبر دليل على عدم جدوى الهدن لأن ” القوات المتمردة لم تلتزم بالبنود بل كثفت هجماتها على المستشفيات والمنازل والأعيان المدنية” حسب رأيه.
وقال أبو القاسم إن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو صرح سابقاً في أديس أبابا، بأن من يرتكب الانتهاكات ضد المواطنين هم من اسماهم “الكسابة” الذين يقاتلون في صفوف الدعم السريع مقابل الغنائم التي يحصلون عليها، وبحسب أبو القاسم فإن دقلو تحدث عن صعوبة السيطرة عليهم لعدم إطاعتهم الأوامر وعبّر عن مخاوفه من انقلاب الكسابة على قوات الدعم السريع. ويضيف أبو القاسم أن اعتراف دقلو الاستعانة بمرتزقة من دول أجنبية من العوائق التي تمنع تنفيذ أي هدنة، لأن من مهام الجيش حماية المواطنين من هؤلاء “المرتزقة” حسب وصفه والذين كما قال ” مارسوا السلب والنهب وكل أنواع الانتهاكات على مواطني مدن وقرى ولاية الجزيرة”.
- من المتضرر من الهدنة؟!
ويرى مراقبون أن وقف إطلاق النار في هذه المرحلة لن يكون في مصلحة الجيش السوداني خاصة في ظل انتشار لقوات الدعم السريع داخل مدن وقرى بعض الولايات، وأن الجيش يعلم أن الهدن ستكون في صالح الدعم السريع لذلك رفضها وكثف من هجماته مع بداية شهر رمضان لتحقيق مكاسب ونصر في مواقع استراتيجية ليعزز من صورته ومكانته لدى الشعب السوداني. على الصعيد الإنساني، يؤكد مراقبون أن المواطن السوداني هو المتضرر الأكبر من استمرار المعارك، فهو في حاجة ملحة وعاجلة لتنفيذ الهدنة خاصة الموجودين في مناطق النزاع، حيث يواجهون شبح المجاعة وهم في حاجة ماسة للمساعدات المنقذة للحياة.
يقول الباحث فى مركز الخرطوم للحوار، الرشيد معتصم مدنى، إنه لا أمل في نجاح هدنة لانعدام الثقة بين الطرفين المتحارببن على مستوى الخطاب السياسى والنشاط العسكرى طيلة الفترة السابقة، والتى اقتربت فيها الحرب من بلوغ عامها الأول وكان التصعيد سيد الموقف. وأشار مدني إلى أن تجارب الهدن السابقة والتى كانت برعاية خارجية سعودية أمريكية أثناء المفاوضات في جدة، زادت من الشقة باعتبار عدم الالتزام بالاتفاق والاتهامات المتبادلة بين الطرفين. وعن توقعه للمرحلة القادمة يقول ” المناورة السياسية والانحياز لنداء السلام لتفادي أى ضغوط خارجية وكسب الوقت لاحراز نقاط فى الميدان سيكون العنوان البارز للمرحلة” ويضيف، الحرب لم تعد بنفس زخم الأيام والشهور الأولى، وأصبحت أشبه بالتعقيدات الأمنية منها إلى المواجهة العسكرية المفتوحة بالنسبة للجيش. وينوه مدني إلى أن هجمات قوات الدعم السريع على القرى والمباني غير العسكرية زادت من الدعم الشعبي للمؤسسة العسكرية واضاف قائلاً ” القوات المتمردة أصبحت في مواجهة مع المواطنين أكثر منها مع الجيش ما يجعل الجيش فى موقف يحتم عليه حمل هذه القاعدة الداعمة معه فى أى موقف سياسى أو تفاوضى قادم”.