فوضى انتشار السلاح ينذر بتجدد الصراعات القبلية في كسلا.
وكالات: بلو نيوز الإخبارية-
شهدت ولاية كسلا السودانية في 15 مارس الجاري، عملية تبادل إطلاق نار بين أفراد من حي كادقلي وحي مكرام السكنية، في خطوة غير متوقع لتجدد الصراعات المجتمعية في الولاية.
وجاءت الأحداث عقب سلسلة من أحداث العنف القبلي المستمرة في الأعوام 2020 و2021 و2022، التي حوت اقتتالا قبليا عنيفا خلف أعداد كبيرة من الجرحى والقتلى.
الاشتباك الذي وقع الجمعة لم يسفر عن أي ضحايا أو إصابات، حيث تمكنت القوة الأمنية المكونة من الجيش والشرطة من فرض طوق أمني بين منطقتان سكنيتان واحتواء الأحداث.
لكن السلطات الأمنية لم تقم بالإدلاء عن أي رواية رسمية حتى الآن رغم تضارب وتمدد الإشاعات المتداولة حول حقيقة ما جرى بالمنطقة.
ويرى مراقبون أن الوضع في الإقليم وطوال الأربع سنوات الماضية يمثل “قنبلة موقوتة” نتيجة لعلو صوت خطاب الكراهية والهشاشة الأمنية وسيولة السلاح، ورغم الاستجابة الأمنية السريعة للأحداث “الجمعة” الماضي، إلا أن المخاوف موجودة من تجدد الأحداث نظرا لانتشار السلاح، بجانب تخريج دفعات من قوات تحرير شرق السودان وهي حركة مسلحة جديدة بالولاية.
الناشط المجتمعي في الولاية إدريس نور، والذي قام بزيارة منطقة الاشتباك عقب اندلاعه، روى لراديو تمازج، أنه وقبل زمن الإفطار في حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء، كانت قد دخلت مجموعة من أربعة شباب مسلحين إلى منطقة مكرام بولاية كسلا، وحدثت مشادة كلامية بينهم وبين لجنة الحي مما تطور فيما بعد إلى تبادل الرصاص، وتدخلت مجموعة الأربعة إلى حي كادقلي، وواصلت إطلاق الرصاص من كادقلي تجاه مكرام .
ويضيف أن بعد المغرب تحديدا وصلت قوة مشتركة من الجيش والشرطة، ووقفت في الخط الفاصل بين حي كادقلي ومكرام، وأطلقت الذخائر من الدوشكا في الهواء.
وأكد عدم وجود إصابات بين المجموعتين، وتابع “الأحداث لم تتجدد لأنه قد تم تسليم المتهمين بالدخول لمكرام قبل الساعة الحادية عشرة ليلا للاستخبارات العسكرية”.
وبحسب الناشط المجتمعي، فإن النزاعات الأهلية في شرق السودان “لا جذور حقيقة لها”، قائلا: “ليست نزاعات على أرض أو مسارات رعي أو مواكير وموارد، فكل النزاعات تأخذ طابع الافتعال”. واتهم الناشط الأجهزة أمنية بإدارة تلك النزاعات.
وأضاف “في هذه الفترة ليس من صالح الأجهزة الأمنية أن تنشب نزاعات قبلية لأن شرق السودان الآن من مناطق الأمنة، وتتم إدارة دولاب الدولة كاملا من منه، فالمطار والمعاملات المدنية كافة تعمل من شرق السودان”
من جانبه قال القيادي في حزب التحالف الوطني السوداني بالولاية الطاهر باشري، إن الأحداث التي تجددت بالولاية لها أبعاد سياسية بصرف النظر عن الأسباب المباشرة لها.
ومضى باشري في حديثة لراديو تمازج، أن “جرت العادة في ولاية كسلا أن كافة أحداث العنف التي تندلع لا تستند لأسباب واضحة أو منطقية أو موضوعية، لكنها في النهاية تأجج العنف بين المكونات الموجودة في المنطقة، والتي تعتبر من المناطق الهشة جدا”.
وتابع: “سياسيا لاحظنا أن العنف يتجدد كلما يلوح أو يقترب التوصل لاتفاق بين الأطراف المتنازعة، وكلما نحت الأطراف المتنازعة سياسيا منحى السلام ومضت نحو توقيع اتفاقيات أو هدن”.
وأردف القيادي “بالرغم من أنه ووفق ما وردنا من مصادر قد تم التدخل بسرعة وتدارك الموقف ولم تسجل أي إصابات خطيرة، لكن ما زالت مخاوفنا من تجدد الاشتباكات موجودة خصوصا أنها ترتبط بالفترات الزمنية المرتبطة بالجنوح نحو السلام فبالتالي هي واردة”، مشيرا إلى أن الأحداث لا تتجدد بالضرورة في نفس المنطقة، ومن الممكن أن تشب في منطقة مختلفة، وأن في شرق السودان تتزامن وتترابط الأحداث من ولاية القضارف وحتى بورتسودان.
وقال “في كثير من الأحيان تكون المحركات الأساسية والأسباب المباشرة للنزاع بادرة من أشخاص لا ينتمون للمكونات المتنازعة ولكن تنشب هذه النزاعات في تلك المناطق الهشة، ما يقود لتوسع النزاع بين المكونات، وتكرار نفس الحلقة”.
وتابع: “ما يحمد له أنه ومن التجارب الماضية قد تم تكوين جسم من الشباب من المنطقتين، وهم شباب لا أبعاد سياسية لهم، لكن الجسم موجود ويتحرك وقادر على احتواء الأحداث والحد من آثارها وكذلك الوقاية من تجددها، وكان لهم بالأمس الدور في التواصل مع السلطات والبحث في الأسباب الرئيسية”.
ولفت الناشط المجتمعي عبدالإله خليفة، إلى أن ما حدث يوم “الجمعة” ظل يحدث لغياب تحقق العدالة في أحداث الأعوام الماضية، بجانب ما وصفه بـ “غبن وحقد” بين المكونات القبلية.
وأبان أن ظهور مجموعات مسلحة قامت بتخريج الدفعات الأولى، والمتوقع زيادتها لاحقا في الفترات القادمة من الممكن أن يقرأ في ظل الترصد والاستعداد للأطراف القبلية المتنازعة مسبقا للعمل في تجديد النزاع.
وتابع “تجدد هذه النزاعات أمرا متوقعا، خصوصا أن هذه المجموعات الأهلية المتدربة حاليا قد تدرب تدريبا شبه رسمي على عدد من الأسلحة الثقيلة والخفيفة في ظل عدم الاستقرار الذي تواجهه الدولة السودانية بعد حرب 15 أبريل”.
واختتم قائلا: “لا أعتقد أن الحدث الحالي قد يتمدد لأنه في السياق السياسي شرق السودان يمثل قبلة للسودانيين ومقر حكومة الأمر الواقع وهي ليست مستعدة للدخول في أزمة كهذه، لكن تمكنت الأحقاد والغبائن أن توجه الأمر خارج الإطار المعد له سلفا كما يحدث دائما في شرق السودان”.