محمد الأمين خراشي يكتب: زمنكم فات يا “كاشا”.
حين قامت هذه الحرب، التأسيسية في تاريخ دولتنا، انقسمت “الأمة” السودانية، وسقطت العديد من الأقنعة الوطنية، وتشتت شمل الأحزاب المدنية والجهات العسكرية والجماعات الثورية. انشطر أولا رأس السلطة العسكرية في السودان، ومن ثم تبعه انقسامات أخرى على شاكلة: من ثوري إلى كوز، ومن كوز سابق إلى دعم سريع، ومن مثقف وطني إلى الانحدار لثقافة القبيلة والعرق، وتعسكرت السياسية في السودان ككل. تقريبا تحول الجميع إلى الدفاع عن مصالحه الخاصة. فالذي يدعم الجيش الحالي من الثوار، سببه هو مخاوف وجودية من الدعم السريع الذي يهدد مصالحهم الاجتماعية كمجموعات تنحدر من الشمال أو الوسط أو الشرق. وهنا لا بد من الانتباه إلى أنهم يدركون أن الدعم السريع يهدد مصالح مجموعات بعينها ارتبط تاريخها بالسيطرة على ثروات البلاد، هم يعلمون ذلك، ولكنهم يكسو حجة أخرى بطلاء زائف، إذ يصورون الحرب بوصفها – ليس تهديدا لمصالح قبائل ارتبط تاريخها بالسلطة- وإنما حرب ضد السودانيين والدولة السودانية. في حين أن هناك سودانيين لا يقولوا بذلك.
المهم في الأمر أن الجميع تحول إلى هوية جزئية ما يدافع عنها وينتصر لها. وهذا شمل الكيزان بطبيعة الحال، على سبيل المثال تحول أكثرية شبابهم – المنحدرين من غرب السودان- الذين كان لديهم علاقة بنظام المؤتمر الوطني إلى اختيار الوقوف في صف الدعم السريع والقتال إلى جانبه. وذلك لأنهم فهموا أن المعركة اجتماعية أكثر من كونها سياسية.
ولكن حين تنظر لشخصيتين من مثل “عبدالحميد موسى كاشا” و”الضيف عيسى عليو”، حين تقرأ مواقفهم السياسية وانحيازاتهم بعد الحرب، فلا بد لك من الشعور بالعجب والاستغراب. الإثنان ينحدران من أكبر قبيلة متهمة بكونها حاضنة للدعم السريع، استهدف الجيش الذي يناصرناه أبنائها، طلاب وعمال، وسجون وتصفيات. أيضا جرت مداهمات بيوت لأفراد من القبيلة، والطيران يحلق كل صباح فوق مناطق انتشارها، قبيلة مصنفة كعدو أول للقوات المسلحة السودانية، ويحاولوا استئصالها إن وجدوا طريقة لذلك، وشتموها من أعلى قيادتهم إلى أدناهم وأحقرهم. في ظل وضع كهذا، وكشخص تنحدر من القبيلة “السبة”، أليس لديك رأي؟ ألا يحركك ضميرك الأخلاقي نحو استهداف أبناء عشيرتك من المدنيين الأبرياء؟ أعرف رجل، اسمه “يوسف قجة” كان لما يقارب العقد من الزمان ينتمي لحركة العدل والمساواة، وأسر في معركة “قوز دنقو” الشهيرة، والتي قصم فيها الدعم السريع ظهر الحركات المسلحة. أسر “قجة” في تلك المعركة، وتم إطلاق سراحه بعد عامين. وواصل لاحقا كرفيق في العدل والمساواة، حتى بعد اتفاق جوبا. قامت الحرب، وهو لا زال رفيقا في الحركة. اليوم الثالث من الحرب، قلع كاكي جبريل، وارتدى الجاهزية. استشهد في اليوم نفسه أمام القيادة العامة، وقبلها حدّث صديقه: “لا يمكن أن أرى أبناء أعمامي يحصدون هكذا بالطيران والمدفعية وأنا أتفرج”.
نحن بكل تأكيد لا نطالب أمثال كاشا والضيف بمثل هذا الموقف الشجاع، هم دونه بكل تأكيد، وهم دون شجاعة رجل كالوليد مادبو أيضا، لكن على الأقل، لا نتوقع منهم الوقوف في صف من يعادي ويقتل أهلهم. هل هو خوف أم طمعا أم عدواة شخصية مع حميدتي أم غيرة أم ماذا؟
إن صمتهم بحسب رأيي يعد مباركة لأفعال الجيش بحق أهاليهم، وهنا ربما يتعلق الأمر بالحقد الشخصي، فكاشا والضيف متعلمين، الأول “جابها” من الهند، وترقى في وقت حكم المؤتمر الوطني أكثر من حميدتي وسلطاته توسعت. لذلك ربما هم مصابان ب”لوثة المتعلم” الذي يتعالى بموجبها على البسطاء من الناس أمثال حميدتي. ولكن حميدتي أذكى منهم جميعا، إذ صفر عداد شهاداتهما الجامعية، وبدأ التاريخ من جديد، وشطب أسمائهما من سجلات الذاكرة الاجتماعية المحلية. وبالتالي، فهم ينظرون لأهلهم كأغبياء يتبعون مجنون، طالما لم يضعوا لهما اعتبارا في الفترة السابقة ولم تذكر اسمائهما في المجالس العامة. وهذا حقد سيقتل الحاقد.
الواقع سبقكما بمراحل، وغناييكم مات يا سادة. هذا عصر جديد، الصغار فهموهوه قبل الكبار، وأنتم في الجانب الخاطئ من التاريخ. أولا، إن تعرض الفريق الذي تناصرونه في هذه الحرب، فسيتم التخلص منكم في “أقرب لفة” بحجة أنكم امتداد للدم الجنجويدي، وياسر العطا قالها: “سنتخلص من وجودهم في السودان”، ووقتها لن تجدون حتى “بعد إذنكم أهلنا الفلانيين”. وإن هُزم الجيش، فالعار سيلاحقكم إلى القبر بوصفكم متواطئين في قتل أهلكم وصامتين عن جميع الانتهاكات التي وقعت في حقهم. ثم أنتم، حاليا، بلا سمعة، ولا مكانة، ولا سلطة. مجرد نشطاء تسيل لعابكم على بريق سلطة لن تعود لكم من جديد.