قصف كتيبة “البراء بن مالك” .. خلاف أم خداع؟

88

 

قبل ساعات من قصف إفطار كتيبة “البراء بن مالك” بصالة “إنفنتي” بعطبرة شمالي السودان، نشر قائد الكتيبة “المصباح أبو زيد” الدعوة لإفطار الكتيبة وحدد موقعه بنظام تحديد المواقع، (GPS)، وحضر بكامل البزة العسكرية، بما فيها الواقي من الرصاص.

وتعد كتيبة “البراء بن مالك” المحسوبة على الإسلاميين وقادة النظام السابق من التشكيلات العسكرية التي تقود الحرب مع الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع، لينفتح المشهد على أشكال جديدة من الحرب، وسط تخوفات من انفجار الأوضاع إلى مرحلة تصفية الحسابات عبر مثل هذه العمليات التفجيرية.

 

الخرطوم: بلو نيوز الإخبارية-

  • تشكيك واتهامات:

قتل 6 أشخاص على الأقل وأصيب أكثر من 18 آخرين يوم الثلاثاء الماضي في قصف نفذته طائرة مسيرة على إفطار جماعي لعناصر يتبعون لكتيبة البراء بن مالك داخل صالة إنفينتي بوسط مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمالي السودان

ويعتبر الهجوم الذي استهدف كتيبة البراء بن مالك أول هجوم ينفذ ضد هذه المجموعة العسكرية، خارج ولاية الخرطوم التي تقاتل فيها الكتيبة، وعقب الهجوم مباشرة تواترت ردود الأفعال من واجهات الحركة الإسلامية ومجموعات داعمة لها حول الجهة التي نفذت الهجوم واتهامات وزعت يمينا ويسارا.

أول المغردين حول الحادثة مصطفى تمبور رئيس حركة تحرير السودان المساندة للجيش، الذي ألمح لوجود خلافات داخلية في صفوف الإسلاميين وقال “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقودنا خلافاتنا الداخلية إلى مثل هذه الأحداث التي جرت اليوم بمدينة عطبرة التي راح ضحيتها عدد من الأبطال الذين كان من الممكن أن يشكلوا إضافة للقوات المسلحة وليس خصما لها”…

  • سخرية البعثيين:

فيما اتهمت واجهات محسوبة على التنظيم الإسلامي، حزب البعث العربي الاشتراكي بتنفيذ الهجوم عبر “المسيرة” الأمر الذي نفاه الحزب واعتبره إجهاض لجهود وقف الحرب وتوسيع نطاقها جغرافيا وسفورا في معاداة التعددية وغطاء لإشاعة الإرهاب والتضييق على الحريات

وقال حزب البعث العربي الاشتراكي في بيان إن الرأي العام لم يعر اهتماما للفرية المتعجلة التي أطلقتها الواجهات الإعلامية والأمنية للفلول عقب الإعلان عن تعرض الإفطار الذي نظمته إحدى ميليشياتها بصالة بمدينة عطبرة لهجوم بمسيرة، والتي حملت حزب البعث العربي الاشتراكي تنفيذه “بكتيبة حنين”، التي ظلت ماكينة دعاية الفلول الصفراء تستدعي اسمها كلما دعا تآمرها على الشعب وعلى قوى نضاله السلمي الديمقراطي منذ مصالحتها لدكتاتورية مايو أواخر سبعينيات القرن الماضي.

وأوضح البعث أن أبعاد العملية والعجالة في إطلاق الفرية المعدة مسبقا تتضح في محاولة التستر على الفاعل الحقيقي بإطلاق حملة شعواء على البعث، والتحريض لاعتقال كوادره والإصرار على وجوده في تحالفات وكيانات، فارقها أو ليس طرف فيها، وعلى الحزبية والتعددية بإشاعة جو من الإرهاب ومعاداة الحريات العامة، والمفارقة أيضا، وأضاف البعث “أن من يخطط لتلك الحملة الشعواء ويديرها (حزب) لفظته إرادة الشعب السليمة وأسقطت نظامه المستبد الفاسد، وقاومت أساليبه في العودة للسلطة سواء بالانقلاب في 25 أكتوبر أو بالحرب في 15 أبريل” إلى جانب التجييش الواسع لاستمرار الحرب المدمرة وإجهاض جهود إيقافها عبر التفاوض، وفي إطار التصعيد والتصعيد المضاد بين طرفيها لتوسيع نطاقها جغرافيا، بنقل عملياتها لعطبرة ابتداء بخطاب موغل في العنصرية والجهوية وزرع الكراهية.

  • زيارة وإجراءات:

وبعد يوم واحد من حادثة قصف صالة “إنفينيتي” وصل القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل والتقى ضباط وضباط صف وجنود سلاح المدفعية بعطبرة، ومن مقر المدفعية قال خلال خطاب مقتضب الخميس إن المدفعية “موجودة ومعروف شغلها سنو”

فيما سارعت السلطات الأمنية بولاية نهر النيل الإعلان عن حظر التجوال بالولاية خلال الفترة من الثانية العاشرة مساء وحتى السادسة صباحا، كما أصدرت السلطات قرارا بمنع التجمعات والإفطارات الجماعية وزيادة نقاط التفتيش بالولاية. وقررت الولاية تكثيف التفتيش وزيادة التدقيق بالمعابر مع إحكام المراقبة الأمنية في الأسواق.

تزامن ذلك مع قرارات مفاجئة بتعليق عمل قناتي العربية الحدث وإسكاي نيوز بدعوى عدم المهنية والشفافية، وهو ما عده البعض بداية تعتيم لارتكاب مجازر جديدة في ظل غياب الإعلام المقيد بالأصل بحسب العديد من الصحفيين.

  • الانتقام من المدنيين:

إلى جانب ذلك كثف الطيران الحربي التابع للجيش نشاطه عقب حادثة “عطبرة” وشن غارات جوية استهدفت عدة مواقع بمدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور ومنطقتي مليط والزرق بشمال دارفور، وأشارت مصادر من شمال دارفور إلى أن طائرة حربية حلقت في سماء مدينة الفاشر قبل أن تتجه إلى منطقتي مليط والزرق شمالي المدينة، وذكرت المصادر أن الطائرة أسقطت قذائف في عدة مواقع في محلية مليط ومنطقة الزرق.

وفي سوبا جنوبي الخرطوم قصف طيران الجيش، منطقة سوبا المحطة مربع “1”، راح ضحيته “24” مواطنا بين شهيد ومصاب حسب مصادر ميدانية أشارت في حديثها ل ” فراينو ” إلى أن نشاط الطيران الحربي التابع للجيش السوداني يأتي بسبب الارتباك وسط صفوفه بسبب ما أحدثته العملية الجوية التي استهدفت إفطار “كتيبة البراء بن مالك” وحالة التلاسن الإسفيري بين قيادات الجيش حول التمليش وتفريخ مجموعات عسكرية تدعم الجيش في حربه الحالية.

حيث يدعو مساعد الجيش ياسر العطا إلى الاصطفاف في لجان ماتسوي “المقاومة الشعبية” وبالمقابل يدعو نائب قائد الجيش شمس الدين الكباشي لتقنين المقاومة الشعبية وجمع السلاح في يد الجيش وعدم بث أي فعل يدل على تجيير المقاومة لأي حزب سياسي…

ويذهب المحلل السياسي ايهاب الحسن في حديثه لـ(راينو) إلى أن تصعيد العمليات أو الطلعات الجوية والقصف المكثف بعد الحادثة يعكس بالتأكيد حالة السخط التي يستشعرها الاسلاميون بل ويؤكد عمليا الارتباط بين الجيش والنظام المباد والاسلاميين، فالانتقام لضحايا البراء يقوم به الجيش، خصوصا وان ثمة أحاديث كثيفة عن سيطرة الاسلاميين بالفعل على سلاحين منذ وقت مبكر وهما المدرعات والطيران، واضاف: لذا كان دوما هناك رهان على أن الدعم السريع لن يصمد أمام الجيس لامتلاك الاخير الطيران والمدرعات، وهو ما تناقض تماما بعد اندلاع الحرب.

  • مسألة وقت:

ويرى الباحث والمحلل السياسي طارق النمر “إن الاحتمالات حول الهجوم كثيرة وقد لا تتكشف الآن ويمكن أن يكون الدعم السريع نفذه لخلق فتنة بين الجيش ويمكن يكون الجيش نفسه”، وأضاف في تصريح ل ” راينو ” أن الجيش السوداني وإذا استمر بنفس طريقته الحالية في إدارة الدولة بعقلية الحركة الإسلامية “مسألة وقت وسينهار تماما” في إشارة منه إلى قرارات القبض على قادة تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية، وتقاربه مع إيران وإسرائيل

وأكد “النمر” إن الجيش الذي يستخدمه تنظيم الحركة الإسلامية “في ورطة وتصرفات منسوبي المؤتمر الوطني تدل على تخبطهم وانعدام الخيارات” مشيرا إلى أن الجيش سيجد نفسه محاصرا عالميا وإقليميا، الأمر الذي يجعل قوات الدعم السريع مقبولة لدى المجتمع الدولي والإقليمي وتلقي الدعم حتى في ظل حظر السلاح عن السودان، كما يقول “النمر”…

  • قراءات وتحليلات

بعيدا عن مصير الجيش أو إلى أين يتجه الجيش السوداني المتحكم فيه من قبل النظام المباد، يرى كثيرون أن ما حدث في عطبرة لا يعدو أن يكون سيناريو يكتبه فلول الإسلاميين وعناصرهم في الجيش، وأن الهدف الرئيس لذلك محاولة تصدير إحساس يائس للمجتمعين الدولي والإقليمي بأنه لا علاقة للجيش بالإسلاميين وأنهم على طرفي نقيض أو على خلاف، فضلا عن تعزيز ما تم تصويره بأن ثمة خلافات في كابينة قيادة الجيش بين مثلث الشر بحسب ما يصفهم الكثير (البرهان والكبايش والعطا)، ما يجعل أي محاولة قادمة لإيقاف الحرب مهددة تارة بالإسلاميين وفلول نظامهم أو بأجنحة عسكرية داخل الجيش ترفض وقف الحرب، مما يجعل التسوية أو الحل السياسي يتجه نحو استيعاب الإسلاميين وتلك الأجنحة خوفا من تأثيرهم المحتمل في المشهد بدلا عن اجتثاثهم.

بل ويذهب البعض إلى أن الهدف مما يحدث تكريس وجود انقسام بين الإسلاميين والجيش بما يجعلهم طرفين، مما يتيح لهم الاستئثار بالنسبة الأكبر في التسوية القادمة في مواجهة أي أطراف أخرى، ويسخر البعض ويصورون ذلك بأن الإسلاميين يدخلون المشهد بنصيبين أو (صرفتني) فضلا عن الإغراق الذي تم للأجسام والأطراف السياسية بصناعة حركات واحزاب وتحالفات كرتونية تدين بالولاء للجيش والاسلاميين مما يجعل اي تسوية محتملة لصالح النظام البائد وديكوراته وجيشه، مما يجهض اي توجه حقيقي لوقف الحرب والانتقال المدني الديمقراطي. في مقابل محاولة إضعاف الطرف المدني الذي يمثل الضلع السياسي في الحل القادم بجانب الدعم السريع والجيش أي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) التي بدأت حملات بفتح بلاغات في مواجهة قياداتها لتغيبهم من مشهد الحل السياسي القادم بمفاوضات 18 أبريل القادم وهو ما لا يريده الفلول وجيشهم في السودان.

وتستند التحليلات في تأكيد أن ما يحدث سيناريو يتم الإعداد له، هو اختفاء المصباح قائد كتيبة البراء من المشهد قبيل حادثة الإفطار الذي رفع تحديدا دقيقا لموقعه.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *