سفير السودان السابق لدى الصين .. يكشف مؤامرات الكيزان في وزارة الخارجية واجهزة الدولة الاخري .!!

110
مبنى وزارة الخارجية السودانية.

السفير (جعفر كرار) يكشف مؤامرات الكيزان في وزارة الخارجية و اجهزة الدولة الاخري في فترة حكومتي حمدوك الاولي و الثانية وعرقلتهم للعمل. 

عند بداية عملي كسفير للسودان في الصين، أكد لي كل المسؤولين الصينيين الذين التقيتهم ترحيبهم بالحكومة الانتقالية، وأنهم يدعمون حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ويرغبون في التعامل معها، وتعزيز علاقات الصداقة التاريخية الطويلة مع السودان في العهد الجديد. وأنهم يرحبون بالإصلاحات الاقتصادية في السودان، وسيدعمون حكومة حمدوك اقتصادياً وسياسياً. وبالفعل، وجهت القيادة الصينية كافة الوزارات بمساعدة السودان لإنجاح الفترة الانتقالية، كما أبلغتني قيادة الحزب الشيوعي الصيني ذات الرسالة، وأفادوني بأنهم يقدرون دور وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، ووصفوها بالصديقة القديمة. كما تم تواصل هاتفي بين حمدوك ورئيس الوزراء الصيني لي كه تشيان، وحظيت في هذه الأجواء الصديقة بلقاءات مهمة مع كبار المسؤولين الصينيين، وكانت بعض اللقاءات استثناء خاصاً، فتحت لي كافة الأبواب في بادرة وإشارة واضحة للترحيب بسفير السودان في العهد الجديد.

التقطت كسفير للسودان الإشارات الودودة والصديقة التي أرسلتها الصين لحكومة الفترة الانتقالية، وانتهزت هذه الأجواء الإيجابية، وقمت بعدد كبير من الدراسات في القطاع الاقتصادي والخدمي، مسترشداً برؤية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المعروفة بالأحزمة الخمسة، وكذلك تجربتي الشخصية كمتخصص في الشؤون الصينية، وباحث في مراكز الفكر الصينية. خلال فترة معقولة من المتابعات والدراسات والاجتماعات والاستشارات من أصدقاء وخبراء صينيين، تقدمنا بـ (20) مشروعاً ومقترحاً للجانب الصيني، ولمسنا تأييداً وقبولاً لمعظمها، جميعها تدور حول دبلوماسية التنمية، حيث كان قادة الوزارة والدولة يحثون السفراء على أهمية الالتفات إلى دبلوماسية التنمية. سنتطرق لبعض هذه المشاريع والأفكار، وسنرى كيف استطاعت الدولة العميقة إعاقتها جميعا تقريباً.

1- مشروع نقل مياه النيل من الحديبة بالقرب من الدامر إلى بورتسودان.

2- مشروع إنشاء ميناء حديث على سواحل البحر الأحمر مصاحب بمنطقة اقتصادية حرة.

3- مقترح بإنشاء شركة صيد بحري للاستفادة من ثروات البحر الأحمر السمكية حال كل الدول المشاطئة .

4- مقترح إعادة بناء الأسطول البحري المدني (الخطوط البحرية السودانية) في السودان.

5- إنشاء مناطق صناعية مرتبطة بقطاعي الزراعة والحيوان لتطوير الصناعات المرتبطة بهاذين القطاعين. Agriculture Industrial Park

6 – اقترحت البعثة بناء عدد (8) محطات مياه في ولايات السودان الرئيسية، بالاستفادة من منح سابقة لم يستفد منها السودان.

7- اقترحنا بناء عدد (4) مستشفيات حديثة في أربع ولايات، وافق الجانب الصيني مبدئياً على بنائها، وطلب معلومات.

8- اقترحنا بناء خط سكك حديد سنار – أدري بدعم صيني مريح.

9- خط حديد يربط بابنوسة بجمهورية جنوب السودان.

10- إنشاء محطات للطاقة الشمسية في السودان، ونقل التكنولوجيا والتصنيع المرتبطين بالطاقة الشمسية في السودان.

11- استئناف العمل في بناء مطار الخرطوم الجديد.

12 – بناء جامعة السودان للزراعة.

13- بناء جامعة السودان للسكك الحديدية.

14- بناء أكبر مسلخ في أفريقيا في غرب أمدرمان بتمويل صيني كامل .

15- لكسر احتكار بعض الجهات للتجارة مع الصين، اقترحنا توقيع مذكرة للتعاون بين القطاع الخاص الصيني والسوداني.

هذا جزء من المشاريع والاقتراحات التي وافقت الجهات الصينية على إمكانية المساهمة والنظر في دعمها وتنفيذها. وقد قامت سفارتنا في بكين بعقد اجتماعات وأوراق عمل وموافقات مبدئية ونهائية لبعضها، وتم إرسالها إلى وزارة الخارجية، وقد قامت الوزارة بنقلها ومتابعتها مع كافة الجهات المعنية بنشاط ودقة، تحت الإشراف المباشر لوزيرة الخارجية النشطة مريم المنصورة الصادق المهدي التي تتابع شخصياً الكثير منها بجد.

إلا أن هذه المشاريع، بالرغم من المجهود الكبير الذي قامت به الإدارات المختصة بالوزارة ومتابعة الوزراء المعنيين، إلا أن الدولة الإسلامية العميقة نجحت في منع تقدم وتنفيذ هذه المشاريع رغم أهميتها، مستخدمة وجودها ونفوذها في جهاز الدولة. وسأتحدث هنا عن بعض الأمثلة علها تعكس هذا الوضع الغريب.

هدية الثورة لأهلنا في شرق السودان (نقل مياه النيل إلى الشرق)

اهتمت حكومة الثورة ووزارة الخارجية بهذا المشروع، ووصفت قيادة وزارة الخارجية والمسؤولون في مجلس الوزراء المشروع بأنه (هدية الثورة لأهلنا في شرق السودان)، واستطاعوا أن يتجاوزوا كل المعوقات التي وضعتها الدولة العميقة هنا وهناك. ووافقت وزارة الحكم المحلي بتاريخ 15/12/2020 على المشروع، وتم إرسال الموافقة إلى والي ولاية البحر الأحمر عبد الله شنغراي أوهاج. وظللنا نطارد شنغراي بالتلفونات والواتساب ليعطي موافقته على المشروع المهم الذي سينهي قروناً من العطش في الشرق، دون فائدة. وعندما ضاق من ملاحقتي، قال إن هناك عروضاً أخرى. وفي تقديري، جاءت أحداث إغلاق الشرق تمهيداً للانقلاب لتكشف (عن هذه العروض الأخرى).

بناء شركة صيد بحري حكومية وبناء سفن للبضائع والسلع والصادرات والركاب

وافقت الجهات الصينية المختصة على هذه المشاريع التي كانت ستحسم مسألة تراخي الشركات الأجنبية في نقل صادرات السودان، كما سيكون لنا ولأول مرة شركة صيد بحري مثلنا مثل باقي الدول المشاطئة للبحر الأحمر، يقدر أن دخلها السنوي يفوق عشرات الملايين من الدولارات، كما ستسهم في الأمن الغذائي.

حجبت الدولة الإسلامية العميقة هذه المشاريع، وكان من الطبيعي ألا تصلنا ردود أيضاً على اقتراحنا ببناء ميناء جديد على البحر الأحمر، تحت سلطة سودانية كاملة.

اقتراح وموافقة مبدئية ببناء (4) مستشفيات

لحاجة السودان الماسة لإصلاح النظام الصحي، تقدمنا بطلب للحصول على (4) مستشفيات كبيرة من الصين، على ضوء التزامات الصين المعلنة في وثائق المنتدى الأفريقي الصيني لبناء عدد من مستشفيات الصداقة في الدول الأفريقية. حصلنا على موافقة مبدئية، وطلب الجانب الصيني –مشكوراً- معلومات حول طبيعة هذه المستشفيات والتخصصات ومواقعها وعدد الأسرة للدراسة. تابعنا مع سعادة عمر النجيب، وزير الصحة، الذي اهتم بالموضوع، ووجه بإجراء اللازم. ورغماً عن اهتمامه ومتابعته إلا أن منظومة الإدارة التي يسيطر عليها الإسلاميون علناً وخفية في وزارة الصحة، لم ترسل أي معلومات حتى حدوث الانقلاب.

تكرر ذات الوضع عندما قررنا تحويل منح قديمة لم يستفد منها السودان لبناء عدد من محطات تنفية المياه على نهر النيل في: الخرطوم، وكوستي، والدامر، وعطبرة، ومدن أخرى. حيث لم نتلق أي ردود حول قرار السلطات حولها، وكان المطلوب تحديد مواقع وسعة هذه المحطات لا غير، كي تتم المفاوضات واتخاذ القرار بشأنها، والدفع في اتجاه تنفيذها.

استلهاماً لرؤية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المعروفة بالأحزمة الخمسة، قمنا باقتراح بناء عدد من المناطق الصناعية المرتبطة بالزراعة والحيوان، لتمنح منتجاتنا الزراعية والحيوانية قيمة مضافة، وتسهم في بناء منظومة صناعية مرتبطة بالقطاعين الزراعي والحيواني، مستهدفة أسواق الجوار والخليج والعالم. وقدر خبراء أن عائد هذه المناطق سيفوق عائد تصدير النفط، كما سيخلق عشرات الآلاف من الوظائف، ويحسن من حياة المجتمعات الزراعية. وبالرغم من أهمية هذا المشروع الضخم، واهتمام وزارة الخارجية بالمقترح ومتابعته بشكل لصيق، إلا أن المشروع كان يتعثر في أروقة وأدراج الدولة العميقة. ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن أخطبوط الدولة العميقة في الخدمة المدنية، اتصلت مباشرة بالأخ المناضل إبراهيم الشيخ وزير الصناعة، الذي بدأ على الفور النظر في كيفية التعامل مع الموضوع، لكن سرعان ما قطع الانقلاب عليه الطريق.

أما قصة مسلخ غرب أمدرمان، فهذه قصة أخرى، حيث لم ترد الجهات المختصة على التصاميم المرسلة للجانب الصيني. وقد أبلغني وزير المالية السيد جبريل إبراهيم أن السودان لا يستطيع قبول قروض حالياً. قمنا في السفارة ببذل مجهود مقدر للتحدث مع القيادة الصينية لتحويل القرض الخاص بهذا المشروع المهم، أكثر من (70) مليون دولار أمريكي إلى منحة كاملة وليس قرضاً، وقد وافق الجانب الصيني، في رسالة أخرى تفيد بدعمه للفترة الانتقالية. بعدها طالبت الجهات الصينية المناط بها تنفيذ المشروع على الأرض من شركة (جياد) الإسراع في الرد عليها بخصوص التصاميم للبدء في التنفيذ، بعد أن تم تحويل القرض إلى منحة. وظللنا نطارد (جياد) وغيرها من المؤسسات دون طائل، حتى قيام الانقلاب على الفترة الانتقالية.

كان مصير الجامعات التي تم اقتراحها، وإقامة مشاريع وبنية تصنيعية لألواح وأجهزة الطاقة المتجددة، وبقية المشاريع المشار إليها أعلاه هو ذات المصير، ما عدا جامعة السكك الحديدية التي اهتم بها العطبراويون، وما أدراك ما العطبراويون.

وكسفير سابق للسودان في الصين، أود في نهاية هذا المقال، أن أشير إلى واحد من أكثر الأمثلة وضوحاً ودليلاً على تآمر وجرأة عناصر الدولة العميقة في جهاز الخدمة المدنية، على العمل ضد حكومة الفترة الانتقالية، والعمل عنوة لإسقاطها جهاراً نهاراً.

اتصل بي مستشار رئيس الوزراء للشؤون السياسية آنذاك الأخ ياسر عرمان، نقل لي أن الحكومة الانتقالية تعد لمؤتمر لتنمية الشرق، وقال: “نعلم أن لكم عدداً من المشاريع المهمة لأهلنا في شرق البلاد”. وطلب مني إرسالها جميعاً في أقرب وقت عبر الحقيبة الدبلوماسية، وستنقلها بطبيعة الحال وزارة الخارجية إلى مجلس الوزراء، وطلب الإسراع في ذلك. فعلنا ذلك بعد (48) ساعة فقط، حيث أعددنا المشاريع الخاصة بشرق السودان، وهي (4) مشاريع رئيسية مشار إليها أعلاه، علماً بأن رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية والأخ ياسر عرمان كانوا مهتمين بشكل كبير بإنهاء أسطورة العطش في شرق السودان، وكان من ضمنها مشروع رئيسي لدعم جهود الحكومة الانتقالية وقيادة السكة حديد، لإعادة بناء شبكة السكك الحديدية السودانية، وهو مشروع سكك حديد بورتسودان – أدري، ومشروع ميناء جديد في شرق السودان. تحمس المدير الإداري الصديق العزيز علي حامد، ونقل الحقيبة إلى المطار، وتابعها حتى وصولها إلى مطار الخرطوم. وهناك احتجزت عناصر الدولة العميقة الحقيبة الدبلوماسية لأكثر من (40) يوماً، مما يرجح معرفتهم التامة بمحتوى الحقيبة والغرض منها، وهو أول حادث من نوعه في تاريخ الدبلوماسية السودانية.

لقد جندت الحركة الإسلامية وحلفاؤها كل عضويتها في جهاز الخدمة المدنية لإفشال أي محاولة للإصلاح تقوم بها الحكومة الانتقالية في أي مجال يخطر على بال القارئ، تمهيداً لانقلابها المشؤوم في 25 أكتوبر. ونلاحظ أنه، وبعد تنفيذ الإسلاميين لانقلابهم، عادت كوادرهم للسيطرة الثانية على وزارة الخارجية والسفارات، وبدأت الأموال في التدفق في شرايين الوزارة والسفارات، وكذلك الكوادر التي كانت تحجب عن سفارات الثورة بحجة عدم وجود الأموال. على سبيل المثال، كانت سفارة السودان لدى الصين تعمل لمدة سنة وأربعة أشهر بسكرتير ثالث وسفير فقط، بعد الانقلاب وصل حوالي (6) دبلوماسيين من كافة الدرجات، والحال هكذا في السفارات الأخرى.

وفي تقدير هذا الكاتب، والبلاد تدخل مرحلة جديدة، تسعى فيها إلى لملمة أطرافها، ولم شمل الوطن، وتتقدم في اتجاه إعادة البناء، لا بد أن يعي قادة التغيير أن قوى الدولة العميقة التي بدأت فلولها تملأ الطرقات، لن تسمح بإعادة بلد تم انتزاعه منها بدم وتضحيات غير مسبوقة ومؤلمة، وأن تحرير جهاز الدولة من عناصر الدولة العميقة التي استوطنت هذا الجهاز لأكثر من (30) عاماً شرط أساسي لبناء دولة مدنية ديمقراطية. ولنكون واضحين أكثر، إننا في هذا المقال نعني بـ (عناصر الدولة العميقة) تلك العناصر المعادية للتغيير، أياً كان لونها ومعتقداتها، وفي مقدمتها عناصر النظام البائد المعادية للشعب السوداني.

 

جعفر كرار

سفير السودان السابق لدى الصين.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *