حرب المسيرات بين الجيش والدعم السريع .. هل تغيرت موازين القوى؟.
في تطور جديد للمشهد السوداني، تواصلت حرب المسيرات خارج جغرافيا المعارك المألوفة، وتعرضت الفرقة الثالثة مشاة التابعة للجيش في مدينة شندي بولاية نهر النيل يوم الثلاثاء الماضي، لهجوم بواسطة عدد من الطائرات المسيرة في ثالث عملية من نوعها، في المدن السودانية الواقعة خارج دائرة الحرب.
حيث شهدت مدينة عطبرة قصفا عبر طائرة مسيرة لإفطار كتيبة البراء بن مالك رمضان الماضي وبعدها خلال هذا الشهر شهدت مدينة القضارف حادثة مشابهة حيث استهدفت الطائرة المسيرة مبنى جهاز الأمن والمخابرات بالمدينة…
الاستهداف الأخير لمدينة شندي جاء متزامنا مع زيارة قائد الجيش إلى المدينة، ومتزامنا أيضا مع ما يرشح عن قرب استئناف منبر جدة لإنهاء الحرب والدعوة العاجلة التي وجهها رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية عبد الله حمدوك لطرفي الحرب لاستئناف التفاوض بعد عام من الخراب…
راينو: بلو نيوز الإخبارية-
الخروج عن الدائرة:
بدأت الأحداث تأخذ هذا المنحى التصاعدي في مطلع إبريل الجاري، وكان أول هدف يتم تصويبه خارج مسرح الحرب صالة “انفنيتي” التي كانت تضم إفطارا رمضانيا لكتيبة البراء بن مالك التي تخوض الحرب إلى جانب الجيش السوداني، وسط صمت من السلطات المحلية والقومية التي اكتفت بتأكيد الحادث ومقتل ستة أشخاص وإصابة العشرات، فيما تشي المعلومات المتواترة بأنهم بين 15 و17 قتيلا، وعدد كبير من الجرحى
ثم تبع ذلك بأيام قليلة استهداف مبنى جهاز المخابرات العامة بولاية القضارف بثلاث طائرات مسيرة فيما أكدت سلطات الولاية المحلية وقوع الحادثة وإصابة شخصين دون أن توجه الاتهام لأي جهة، وفي ثالث عملية من نوعها، تعرضت الفرقة الثالثة مشاة التابعة للجيش في مدينة شندي بولاية نهر النيل يوم الثلاثاء الماضي، لهجوم بواسطة عدد من الطائرات المسيرة، وخلف الهجوم حالة من الذعر وسط المواطنين، وناشدت الفرقة الثالثة مشاة – في تعميم صحفي– المواطنين بعدم القلق، وعدم إغلاق الأسواق أو تعطيل العمل بالمدينة، وأكدت على ضرورة سير الحياة بصورة طبيعية، ولم يتطرق التعميم للجهة التي نفذت الهجمات…
- مَن وراء المسيرات؟
ورغما عن صمت الدعم السريع إزاء تلك الحوادث وعدم إعلانها مسؤوليتها عنها، إلا أن استخدام قوات الدعم السريع وامتلاكها للمسيرات لم يعد خافيا، واستخدمتها في المعارك في ولاية الجزيرة، مستهدفة بها قوات الجيش الحكومي الذي يحاول محاصرة الجزيرة من محاور عدة، ليؤكد هذا الاستخدام امتلاك «قوات الدعم السريع» طائرات مسيرة، وهو ما يعد تطورا خطيرا في حرب السودان بحسب الكثيرين، وقد يقلب المعادلات في المعارك الجارية الآن في محاور ولاية الجزيرة التي خطط الجيش لهجوم متعدد المحاور عليها وتقدم من جبهات عدة من شرق الجزيرة ومن جنوبها وغربها، لكن تعرضت لكمائن كبيرة كبدتها خسائر فادحة، واضطرتها للتراجع في المحور الشرقي، لينتقل الدعم السريع من خانة الانتظار للمبادرة مرة أخرى بحشد القوات، وأحكام الحصار على ولاية سنار المجاورة، ويقول الخبراء العسكريون إن سيطرة «الدعم السريع» على ولاية سنار سيكون تطورا بالغ الخطورة، فهي ملتقى طرق لولايات دارفور وكردفان والنيل الأزرق والنيل الأبيض، ولها حدود مع دولتي إثيوبيا وجنوب السودان.
ويرى المحلل والصحفي فيصل محمد صالح في تحليل له، إن انتقال العمليات العسكرية إلى مناطق جديدة وخارج دائرة الحرب المباشرة التي غطت ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، مثلما حدث في عطبرة وولاية نهر النيل على سبيل المثال، يحمل رسالة خطيرة تتمثل في مصدر انطلاق الطائرة المسيرة، فالخبراء العسكريون بحسب فيصل يقولون إن الطائرات المسيرة الموجودة بالسودان لا يتجاوز مداها 50 كيلومترا. وإن صحت هذه المعلومة فإن السؤال يصبح: من أين انطلقت هذه المسيرة ومن أطلقها؟ وأضاف: بحسب الخبراء العسكريين، فإن أقرب وجود لقواعد «قوات الدعم السريع» يبعد كثيرا عن مدينة عطبرة. وبالتالي فإن هناك احتمالين لا يقلان خطورة عن بعضهما، الأول أن «قوات الدعم السريع» اخترقت حدود تأمين ولاية نهر النيل، وصارت لها قواعد على مسافة 50 كيلومترا، أو أقل، من مدينة عطبرة، وهذا نذير خطر كبير، والثاني أن مصدر إطلاق الطائرة المسيرة ليس «قوات الدعم السريع»، وهذا احتمال يفتح أبواب جهنم… لأن الأنظار ستتجه للنيران الصديقة، داخل الجيش أو داخل الحركة الإسلامية. ولن يؤكد هذا الأمر وجود خلافات داخل تحالف الجيش- الحركة الإسلامية، فقط، بل يعني أيضا أن الخلافات وصلت مرحلة خطيرة يمكن أن تدخل فيها تصفيات هنا وهناك…
- رسائل لقائد الجيش:
الصحفي والمحلل السياسي “عبد الناصر الحاج” يرى أن التصعيد عبر الطائرات المسيرة التي ظلت تستهدف أهدافا حيوية بعدد من المدن خارج نطاق الحرب، يمكن تفسيره وفقا لاحتمالين، الأول وجود جهة ترتبط بالجيش وتريد إرسال رسائل مباشرة لقائد الجيش لإخافته من المضي في سكة التفاوض، أو تكون هنالك خلايا مرتبطة بقوات الدعم السريع داخل مناطق الجيش وتريد أيضا إرسال رسائل مباشرة لقائد الجيش بأنه دون التفاوض فلا توجد منطقة آمنة بما في ذلك بورتسودان.
وقال “الحاج” ل ” راينو ” إن الجهود الدولية والإقليمية ما تزال تتواصل بغية دفع طرفي الحرب إلى طاولة التفاوض الذي ينهي الحرب ويسمح بإيصال المساعدات الإنسانية لأكثر من نصف سكان السودان الذين يحاصرهم الجوع والمرض والنقص الحاد في جميع مستلزمات الحياة. ويرى “الحاج” إن هنالك طرفا ثالثا يرفض عملية التفاوض عبر منبر جدة، وهو الطرف المحسوب على النظام البائد والمتغلغل في مفاصل الجيش والأمن وظل يختطف قرار هيئة القيادة في الجيش، وقال: بدا واضحا خلال الفترة الأخيرة أن قيادة الجيش نفسها ليست على قلب رجل واحد فيما يتصل بالموقف من إنهاء الحرب عبر التفاوض. وأضاف “الحاج” أن ذلك ظهر من خلال التصريحات المتضاربة حول الموقف من مليشيات الحركة الإسلامية (كتيبة البراء)، وكذلك الموقف العام من ضبط ما يسمى بالمقاومة الشعبية المسلحة المساندة للجيش.
ويذهب “عبد الناصر الحاج” إلى أن كتيبة البراء عندما تعرضت في رمضان المنصرم لهجمة عبر المسيرات في عطبرة خلال تجمع للإفطار، كانت غالبية الظنون والتفاسير تحوم حول جهة ما، تريد التخلص من تركة النظام البائد المتمثلة في كتيبة البراء، ولكن لم تكن هناك دلائل واضحة تبرهن على أن تيارا من قيادة الجيش هو من قام بذلك لفض الارتباط مع تنظيم الإخوان المسلمين ليكون الذهاب للتفاوض مبررا، كما أن الطرف الآخر المتمثل في قوات الدعم السريع، رغم وجود مصلحة له في التضييق على كتيبة البراء، إلا أن المدى الذي تتحرك فيه نوعية تلك المسيرات الانتحارية، يشير إلى أنها تحركت من منطقة نفوذ وسيطرة الجيش لا الدعم السريع. مشيرا إلى أن استهداف الفرقة الثالثة بشندي أحال بوصلة الرأي العام مرة أخرى لقراءة ما وراء ظاهرة المسيرات بالتزامن مع الترتيب المرتقب لعودة التفاوض عبر منبر جدة…
- تحسين مواقف:
إلا أن الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بكري الجاك أكد على أن دعوة رئيس التنسيقية عبد الله حمدوك لطرفي الحرب تأتي متزامنة مع الترتيبات لاستئناف منبر جدة، وقال الجاك ل ” راينو ” إن التصعيد العسكري، يمكن أن يفسر على أساس أنه محاولة لتحسين الموقف التفاوضي لأي طرف من الطرفين وتغيير ميزان القوى على الأرض، ويمكن أن يفسر على أنه دلالة على وجود متشددين لدى الطرفين لا يرغبون في التفاوض
وعلى خلفية ذلك، رهن المحلل السياسي نور الدين صلاح الدين الذي لا يخفي مساندته للجيش، نجاح جولة المفاوضات المقبلة بتحقيق الجيش انتصارات على الأرض لتقوية موقفه على طاولة التفاوض، عكس قوات الدعم السريع التي يصعب التكهن بما تريد الوصول إليه لارتباطها بقوى خارجية تؤثر على قرارها، وقال ل ” راينو ” إن جولة المفاوضات القادمة لا يعول عليها كثيرا لأنها تعتمد على قوة موقف القوى السياسية، التي تعاني من حالة “تشتت وكيد متبادل” على نفس نهجها القديم والتعامل بفقه “ما أريكم إلا ما أرى” وهذه الحالة تقلل حوافز الجهات الداعمة للضغط في سبيل إنهاء الحرب بشكل أكثر جدية.
من جانبه يرى المحل السياسي فيصل محمد صالح أن نتيجة المعارك الدائرة في الجزيرة وسنار ستحدد اتجاهات الطرفين نحو السلام أو نحو مزيد من القتال، وقال: كان التوقع أن تحقيق الجيش لانتصارات في أم درمان والجزيرة سيعدل ميزان القوى نحو التوازن، ومن ثم يجعل الأجواء مهيأة للتفاوض، أما لو انتهت معركة الجزيرة وسنار لمصلحة «الدعم السريع»، فستتعقد الأجواء لدرجة كبيرة، فقد تتصلب مواقف «الدعم السريع»، وتنأى قيادة الجيش عن التفاوض تحت ضغوط الحلفاء السياسيين خوفا من اتهامها بالضعف.