خطاب الكراهية .. وقود الحرب الاهلية في السودان.
دبنقا: بلو نيوز الإخبارية-
تقرير: عبد المنعم مادبو.
برزت في الأونة الأخيرة افعال شنيعة مصاحبة لمجريات الحرب في السودان كان الشعب السوداني استنكرها في السنوات الاولى للعقد الثاني من الألفية عندما اندلعت الحرب في دولة افريقيا الوسطى المجاورة مثل “القتل بسبب الانتماءات، والتمثيل بالجثث، والاساءة للشخص بعد موته”
ويعزي الخبير في قضايا السلام وفض النزاعات بروفيسور “جمعة كندة كومي” انتقال تلك الافعال والجرائم الى السودان الان لتنامي خطاب الكراهية بصورة ترتقي لأن توصف بالظاهرة- على حد قوله- وقال: ما يشهده السودان الان هو الحرب الاهلية التي يحذر منها الناس ويغذيها خطاب الكراهية، وانها لا يمكن ان تقف الا بإيقاف خطاب الكراهية.
بينما نبه الخبير في حقوق الانسان والقضايا الدولية دكتور “عبد الباقي جبريل” الى ان جرائم القتل التي تشهدها البلاد هذه الايام والفيديوهات المنتشرة لعمليات القتل بسبب الانتماء لاقاليم مختلفة تعد بداية الحرب الاهلية الناتجة عن خطاب الكراهية، وحذر من زيادة وتيرة القتل بين المواطنين في الايام المقبلة على اساس الانتماء المناطقي وليس الانتماء لطرفي الحرب الجيش والدعم السريع.
حرب الكرامة:
وقال بروفيسور كندة في ندوة اقامتها المنظمة الافريقية للحقوق والتنمية بمدينة كمبالا ان في السياق السوداني اذا كان السلاح والآلة العسكرية هي الألة الاساسية التي تعمل على تدمير السودان الان من الناحية المادية والبنية التحيتة وقتل الانفس، فان خطاب الكراهية هو الآلة الأخرى الموازية التي تعمل في تدمير علاقات الانسان وكرامته، وأضاف: أهم ما في خطاب الكراهية انه يعمل على قتل كرامة الإنسان، مشيراً الى انه من المفارقات ان يكون شعار هذه الحرب “حرب الكرامة” وأكد أنه شكل من اشكال التناقض، بأن يستخدم خطاب الكراهية المعني باهدار كرامة الانسان في حرب تسمى حرب الكرامة.
تدمير دوائر العيش المشترك:
يقول بروفيسور كندة ان خطاب الكراهية يعمل بصورة اساسية على تحطيم وتدمير العلاقات الانسانية المشتركة، لجهة ان المجتمع الانساني بطبعه قائم على دوائر العيش المشترك، هذه الدوائر تعني ان هناك مستوى من الاعتراف بالآخر لكي يكون هذا العيش المشترك ممكناً، لكن خطاب الكراهية يهدم هذه الدوائر، وبالتالي تصبح العلاقات الانسانية ودائرة العيش المشترك في اضعف حالاتها.
واضاف نتيجة لخطاب الكراهية في السودان أصبح قتل الانسان في الحرب الدائرة الآن ليس نهاية المطاف وانما هناك غبن يظهره القتال في شكل ممارسات معينة بعد عملية القتل مثل “قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث، والاساءة للقتلى” وذكر ان الحروب المبررة اذا تم فيها الأسر او القتل هناك كرامة للانسان تقع مسئوليتها على عاتق الطرف الآسر او القاتل، لكن هذه الحرب لا تلتزم بهذه الأشياء بسبب تغذية خطاب الكراهية المنتشر.
مشيرا الى انه بسبب خطاب الكراهية وعدم القدرة على ادارة التنوع الذي يمثل مصدر قوة البلد ترتكب اكبر جريمة بشكل يومي في السودان وهي قتل الهوية، وذلك بالتقليل من كرامة او ثقافة مجموعة او منطقة ما، واضاف: يجب ان نعلم ان خطاب الكراهية الذي يمارس الآن سيؤدي الى ابادة الهوية والقضاء على الهويات التي تشكل السودان الذي نحلم به.
مصدرها الدولة:
في السياق السوداني اخطر ما في خطاب الكراهية انه بات ظاهرة مجتمعية مصدرها الدولة ومؤسساتها، ويقول بروفيسور كندة: عندما تتبنى الدولة خطاب الكراهية وتعطيه غطاءً ونوعاً من الحصانة يصبح آلة تهدم كل شئ، واكد ان مؤسسات الدولة السودانية الان باتت المصدر الرئيسي لخطاب الكراهية، وتعطيه حصانة شبه قانونية.
وقال كندة ان السودان الان ليست له حكومة شرعية لكن مؤسسات الدولة يتم استخدامها وتسخيرها في ظل هذه الحرب لممارسة خطاب الكراهية، ونوه الى ان عدم الاعتراف بحكومة البرهان يجب ان لا يجعل الناس يقللون من اهمية استخدام هذه المؤسسات كآليات لنشر خطاب الكراهية وتوفير الحصانة له، واشار الى ان هناك مؤسسات لها علاقة بانتشار ظاهرة خطاب الكراهية في البلاد مثل وسائل الاعلام الرسمية والمسرح اضافة الى القبائل وغيرها، لكن وزير الاعلام الاسبق الصحفي فصل محمد صالح اشار- في ندوة اخرى اقيمت بكمبالا حول مخاطر وانتشار خطاب الكراهية- الى ان خطورة خطاب الكراهية انه ينتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بصورة اساسية، ومن ثم جهازي الاذاعة والتلفزيون لجهة ان حساسية العاملين في هذين الجهازين تجاه خطاب الكراهية قليلة مقارنة بمؤسسات الصحافة المقروءة.
لغات خطاب الكراهية:
ويأخذ خطاب الكراهية اشكالاً متعددة بتعدد اللغات التي تستخدم في ممارسته، وأوضح بروف كندة أنه يمكن ان يكون باللغة المباشرة او لغة الجسد أو الايحاء، وهو يكون كذلك في شكل نشر او تشجيع او تحريض او تبرير، اضافة الى انه احيانا يأتي في صورة احساس داخلي، منبهاً الى ان قطاعات واسعة من المجتمع الان يشاركون في نشر خطاب الكراهية سواء ان كان بوعي او بغير وعي.
لكنه نبه كذلك الى ان خطاب الكراهية ليس فقط كلام مكتوب يُقرأ او يُقال، وانما هو “توجه” وبالتالي نحن في السودان واقعين في فخ التوجه العام الذي يسمى خطاب الكراهية، وهو يبدأ بشعور يتحول الى تعبير وينتهي الى فعل له تأثيرات نفسية واجتماعية وقد تصل الى القتل والتمثيل بالجثث.
التعايش مع خطاب الكراهية:
في السنوات الأخيرة ظل الشعب السوداني متعايشاً مع خطاب الكراهية الذي يمارس بصوره المختلفة وسط المجتمع، ويقول الخبير في حقوق الانسان والقضايا الدولية دكتور عبد الباقي جبريل ان خطاب الكراهية برز للسطح في السودان بعد التوقيع على اتفاقية جوبا لسلام السودان، مشيراً الى ان هناك الكثير من الاقلام الصحفية مارست خطاب الكراهية المغلف بنقد الاتفاقية، واضاف: للاسف لم تتدخل الدولة لاتخاذ اي خطوات ضد خطاب الكراهية في ذلك الوقت رغم خطورته.
بينما يقول دكتور جمعة كندة ان التعايش مع خطاب الكراهية هو احد اسباب انتشاره بهذه الصورة التي ظهرت نتائجها في هذه الحرب، وأضاف: عندما لم يحدث رد فعل جمعي عنيف ايزاء اي شكل من اشكال خطاب الكراهية ذاك يعني انه يجد مقبولية لدى المجتمع السوداني، وتابع: تظهرت الكثير من ممارسات خطاب الكراهية، مفترض تدفعنا للخروج في مظاهرات رافضة لكننا لم نفعل، ما يعني ان ذاك الخطاب يجد قبولاً او على الاقل انه امر عادي، وتابع “الشعب السوداني سواء كان بوعي او غير وعي متعايش مع اسوأ انواع خطاب الكراهية”
ثقافة عدم الاعتراف:
يقول بروف كندة ان الشعب السوداني متجذرة فيه ثقافة الانكار او عدم الاعتراف، في حين ان الحلول الحقيقية للمشاكل المجتمعية دائماً تبدأ من الاعتراف بها، مشيرا الى ان مناهضة خطاب الكراهية تبدأ من الاعتراف، واضاف: لابد ان نعترف نحن كمجتمع ان لدينا ظاهرة خطاب كراهية متجذرة في السودان ويتم استخدامها بصورة متعاظمة، وان هذه قناعة لابد ان تصل لكل الفاعلين في الشعب السوداني، ونوه الى ان ثقافة عدم الاعتراف او الانكار جعلت الشخصية السودانية في حالة انفصام عن الواقع، جزم بأن تنامي ظاهرة خطاب الكراهية وعدم القدرة على ايجاد الحلول لها بسبب ثقافة عدم الاعتراف.
عدم الانتماء للدولة:
ويقر الخبير في قضايا السلام وفض النزاعات بروفيسور جمعة كندة بأنه يؤمن بأن السودان الان بحاجة الى تأسيس جديد وليس اعادة تأسيس لان السودان لم تصل بعد مرحلة الدولة، لجهة انها أضعف من المؤسسات المجتمعية التي هي تقود الدولة الآن وليس العكس، واضاف: هذا يعني ان المجتمع لم يسلم ولاءه للدولة، قاطعاً- في الوقت نفسه- بأن خطاب الكراهية لن ينتهي في السودان الا بعد ان يرتقي الشعب السوداني من مرحلة الولاء للقبيلة والمجتمعات والمناطق الى مرحلة الولاء للدولة، واضاف هذا لن يحدث الا عندما يشعر كل مواطن ان السودان كوطن يمثله، وتابع: بسبب عدم الاحساس بالانتماء للدولة تنشب النزاعات في السودان ذات الابعاد الاقليمة والقبلية، لذلك محاربة خطاب الكراهية يجب ان لا ينظر لها بمعزل عن الازمة السودانية.
مقترحات حلول:
اقترح بروفيسور كندة بأن تقدم كل منظمات المجتمع المدني والقوى الفاعلة والمؤسسات الاعلامية المؤمنة بمناهضة خطاب الكراهية مشروع كبير يقوم على رصد وتحليل الخطابات العامة وتحديد خطاب الكراهية ليتم تقديمها على انها نماذج وتقديمها في تقارير لوسائل الاعلام والمؤسسات الدولية، كما يرى كندة ضرورة انشاء منتدىً وطنياً لمحاربة خطاب الكراهية يكون له سمعة عالمية تجعل تقاريره موثوقة ولديها فرصة ان ترفع للاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية والامم المتحدة غيرها من المؤسسات الدولية.
في الاثناء استبعد دكتور عبد الباقي جبريل نجاعة الحلول الدستورية والقانونية وقال ان العنصرية وخطاب الكراهية متجذرتان في الشعب السوداني بصورة كبيرة وتسخدمان بقصد وبدون قصد، واكد على ان خطاب الكراهية الآن يعد تحدي كبير جدا للمجتمع السوداني ولابد ان يعمل من أجل تجريمه، لكنه نبه الى ان سن مادة في الدستور او القانون لتجريم خطاب الكراهية غير كافي لجهة ان القضية متشعبة تحتاج الى سياسات دولة عامة وخطة عمل تشارك فيها كل قطاعات المجتمع السوداني، واضاف مشكلة العنصرية في السودان ممارسة مجتمعية ليست في مؤسسات الدولة لوحدها، لذلك هي معقدة ومتجذرة في الوجدان السوداني وممارسة بصورة مستمرة في الحياة اليومية.