علي أحمد يكتب: تدمير الحاضر .. تحطيم الماضي .!
علي أحمد يكتب ..
تدمير الحاضر .. تحطيم الماضي .!
كان مشهداً مؤثراً جداً، أن ترى جندياً بسيطاً من قوات الدعم السريع وهو يحمل سطل (جردل) ماء ويطالب زملاؤه بمساعدته ليطفئ النيران المشتعلة في القصر الجمهوري القديم (قصر غوردون) الأثري، الذي ضربه طيران الفلول – أمس الأول– وهو طيران مثقوب العينين ولا بصيرة له، طيران يديره عقل ثأري انتقامي، يدير معركته وحربه الأخيرة بطريقة “يا فيها يا أطفيها”، فيدمر كل شئ، فلا شئ له قيمة عدا (الكرسي)، إذ يريد المخبول البرهان وكيزانه الجلوس على عرش تشتعل تحته النار وتمور فوقه الحِمم، لعنة الله عليه وعلى كيزانه، فبعد أن دمروا حاضر السودان، يعملون الآن دون هوادة على تدمير ماضيه (تاريخه)، فيما الجندي (الدعامي) البسيط يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه بحفنة ماء وجردل.
تأسس القصر عام 1826، أي قبل نحو قرنين من الزمان (200 سنة)، وقتل المهدويون على درجه (سُلمه) حكمدار السودان عن الدولة العثمانية وقتها (1885) الضباط الإنجليزي (تشارلز غوردون).
ليس ذلك فحسب، بل يعتبر القصر الذي يُعدّ تحفة معمارية نادرة رمزاً لاستقلال السودان أيضاً، فقد رفع السودانيون في يناير 1956 على ساريته علم استقلال بلادهم بعد أن أنزلوا العلمين البريطاني والمصري، وكان تلك لحظات وجدانية مهيبة لا تنسى ولا تسقط عن الذاكرة، حيث تصدّر المشهد الرمز السياسي (إسماعيل الأزهري) الذي قاد نحو القصر موكباً جماهيرياً مهيباً ضم أعضاء مجلسّى الشيوخ والنواب.
يضم القصر القديم متحفاً ومكتبة دمرهما طيران البرهان وكيزانه، كما يمثل هذا القصر مصدرًا من مصادر تاريخ السودان الحديث والمعاصر، ورمزًا لسيادته؛ وقد استضاف عبر تاريخه المديد رؤساء وملوك عظماء مثل الرئيس الغاني كوامي نكروما، المصري جمال عبد الناصر، اليوغسلافي جوزيف تيتو، السوفيتي ليونيد بريجنيف، الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، الإمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي، وملكة بريطانيا العظمى إليزابيث الثانية.
طيران الكيزان الذي يقوده المعتوه البرهان، دمر كل هذا التاريح والوجدان و الذاكرة الجمعية من أجل العودة إلى الحكم مرة أخرى، ولم يكتف بذلك بل اقتحمت مليشياتهم الإرهابية مناطق تضم آثاراً لحقبة ما قبل الميلاد في الإقليم الشمالي وتم تجريفها بحثاً عن الذهب والمعادن الأُخرى لتمويل حربهم اللا أخلاقية !!
إن ما يقوم به طيران الجيش، (جيش سناء) لهو وصمة عار في جبين هذه المؤسسة العسكرية العريقة التي تمت مصادرتها من الشعب السوداني لصالح حزب واحد وجماعة مارقة متطرفة وإرهابية.
يعمل الإسلاميون دون أن يرف لهم جفن على تجريف الذاكرة السودانية وتحطيمها من أجل من أجل تحقيق مشروعهم السياسي والفكري وتأسيس دولتهم المتوهمة، لذلك على الشعب السوداني والشعوب المحبة للسلام والحرية والعالم الحر الوقوف صفاً واحداً للحيلولة دون تدمير المزيد من الآثار والعمل على منع هؤلاء الأوباش القتلة وشُذّاذ الآفاق من المضي قُدماً في مشروعهم التدميري العبثي.