السودان بين واقعية التحرير ومنطقية الاستنارة.

143

 

نجم الدين دريسة .. 

“السودان بين واقعية التحرير ومنطقية الاستنارة”.

التحرير يعد من القضايا المهمة والصلبة التي يؤسس عليها الاستنارة وبالتالي تكون الضرورة ملحة جدا للتخلص من الاستبداد وكل سلطات الخوف التي ظلت متمرسة في الارواح وحالة عمي الصدور التي تجعلنا لا نتنفس برئة طبيعية ناهيك عن التفكير.. ربما يبدو بحكم المنطق ان عملية التنوير وفتح نوافذ جديد لارتياد آفاق الاستنارة هي الأولوية القصوي ولكن الواقع ربما يدع التحرير في مرتبة متقدمة علي التنوير وبالتالي تكون الاولوية والحاجة الملحة لمجتمع ظل حبيسا في أنظمة النخب جعلت من الاستبداد حالة يجب التعايش معها وبالتالي يصعب الفكاك عنها لتظل السطوة والسيطرة مستمرة في هذه الحالة مؤكد تكون الحاجة الي الثورة التحريرية ملحة جدا بالرغم ان ثمة علاقة جدلية وطيدة تربط بين المفهومين (التحرر والاستنارة ) أو قل التحرير والتنوير لكنهما في وضع السودان الذي ظل يعاني لقرنين ونيف من الزمان من حالة الاسترقاق الفكري والسياسي والاجتماعي في هذه الحالة يمكننا ان نقول ان المفهمومان مرتبطان عمليا ولكنهما منفصلان موضوعيا بمعني ان التحرير يتقدم علي التنوير .. بالرغم من انك قد تجد حثيثيات المنطق التنويري يذهب دوما تقوم وتستند علي عكس ما ذهبت إليه .. لكننا وبالرجوع الي الثورات التي حدثت في اروبا وامريكا في نهايات القرن الثامن عشرالتي كانت جلها تستهدف اقتلاع الانظمة الاستبدادية القائمة وقتذاك وهي ثورات قادها أشخاص من عامة الناس ربما لم يكونوا علي دراية او معرفة حتي بفلفسة التنوير ولا حتي بالافكار الإجتماعية المرتبطة بمفاهيم العقد الاجتماعي لروسو وهوبز ولا حتي مفاهيم حرية فولتير وبالتالي لم يكن حتي مفهوم التنوير حاضرا بعمق في افئدة قادة التحرر .. ومع الفارق الزمكاني والتطور الكبير الذي شهدته الإنسانية لا سيما الثورة التكنولوجية يصبح الفعل التنويري من الروافع التي تدفع في إتجاه التحرير والعمل من بعد التحرير علي خلق أجهزة مفاهيمية جديدة تكون غاياتها بناء مشروع مدني قائم عقد اجتماعي متفق ومتراضي عليه.

بالنظر إلي المأزق المحيط بنا كشعوب سودانية والتي ظلت حبيسة لاقبية الاستبداد تكون الاهمية قصوي لتحرير الشعب وهو شرط ضروري جدا لان الاستبداد يمنع أصلا اي سوانح لاستنهاض التنوير الفكري بل يحتجزه عبر العنف المادي والرمزي المباشر الممارس ضد المجتمع من قبل السلطة .. واحيانا بالقمع المبطن عن طريق آليات الرقابة والحجر علي علي الحريات الاساسية.. ما يجعل المجتمع خانع وخاضع .. هذا ما يجعلنا نراهن علي حركة التحرير العريض التي يقودها الدعم السريع التي حظيت بتضحياتهم العظيمة ما يجعل الالتفاف حول الثورة الشعبية المسلحة التي تقودها قوات التحرر الوطني ضرورة قصوي للانعتاق المبتغي التي ترتجيه الشعوب السودانية لأن الشروط الموضوعية لانجاح هذه الثورة نضجت تماما وبالتالي يكون الحديث عن تقديم التنوير علي التحرر لا يعدو كونه ترف فكري في الوقت التي ظلت فيه قوي الردة تستقطب حتي دعاة التحرر للقتال في صفها ضد الاطروحات والشعارات التي ظلت تقاتل من اجلها مما يؤكد ان هذه الشعارات نفسها بلا حوامل ثورية بل كانت تتموضع في إطار احتجاجي لتحقيق اهداف ذاتية خاصة وانها حركات اثنية وقبلية في رقعة جغرافية متعددة ومتنوعة ومتباينة الاعراق والثقافات .

ما يحفزنا لطرح هذه القضية المهمة هو ان هذا الشعب قاد ثلاثة هبات شعبية ضد الاستبداد ما يؤكد ان جذوة التحرير ظلت متقدة في تاريخ الحديث القديم ولكن تشكل ثورة 15 أبريل قمة الانتصار لأنها بلغت كل الدوائر والطبقات الإجتماعية.

نجم الدين دريسة .. 

باحث في شئون التنمية والحكم المحلي

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *