فاطمة لقاوة تكتب: عام وشهر من تراجيدا الدماء المتواصل.
فاطمة لقاوة تكتب ..
عام وشهر من تراجيدا الدماء المتواصل.
أهم ما يميز حرب ١٥ أبريل بجانب بشاعتها وقذارة من أشعلوها،إنها أخرجت الشعب السوداني من قوقعة الإنطباعية والإنقياد الأعمى،ولم يعد في مقدور النُخب السياسية والعسكرية اليوم أن تتلاعب بمشاعر الشعب السوداني وأن تلك النُخب لا تستطع إستخدام التزحلق السياسي وفهلوة الأفندية أمام المجتمعات السودانية،التي إستوعبت الدرس جيداً.
حاول مُشعلي الحرب منذ اللحظة الأولى إستدارج عواطف عوام الشعب،وأعلنوا إمكانية حسم المعارك خِلال ٧٢ساعة،وبدأوا بتدمير المرافق الحيوية للدولة السودانية بقصف الطيران والمدافع الثقيلة والدبابات، وإرتكبوا المجازر ضد المُجندين والنفوجين العُزل في معسكرات كرري ،و من ثم أطلقوا المجرمين من داخل السجون، وجلبوا كتائب ظِلهم التي عاثت فساداً،وإرتكبت جرائم مُمنهجة-(سرقات وقتل ونهب وإغتصاب))-ضد المواطنين،بهدف إخافة الشعب السوداني الذي ثار ضدهم وأجبرهم على الإطاحة ببشيرهم،والإنتقام من قائد قوات الدعم السريع الذي ساند الشعب السوداني وحمى ثورته.
رغم خباثة مُشعلي الحرب والداعمين لهم في الخفاء والعلن،ظل الفريق أول محمد حمدان دقلو متقدماً خطوات على الجميع ميدانيا في حسم المعارك،و تضيق دوائره المعلوماتية وحِرمان خِصومه من معرفة تفاصيل خطواته،فكان السقوط الإستخباراتي الكُبير لأعداءه الذين سوقوا لخبر موته وتمشدقوا به كثيرا ،وهم محاصرين في مقارهم العسكرية،مهرولين نحو بورتسودان بحثاً عن طوق نجاة، وجنودهم مهزومين في الميدان.
فاجأهم الفريق أول محمد حمدان دقلو بالظهور متبختراً وهو يقوم بجولات أفريقية وعربية مُعلنة وغير مُعلنة،مؤكداً فيها على إمتلاكه للإرادة الحقيقية في إدارة أزمة الصراع الذي فُرض عليه وعلى الشعب السوداني.
هذة الحرب بينت الفرق الشاسع بين خطابات البرهان الغوغائية،وتصرفاته الصِبيانيه وإضطراب مواقفه وتردده في إتخاذ المواقف الوطنية الصادقة ،مما يؤكد فقدانه للإرادة وعدم إمتلاكه لزمام الأمر ولم يعد في مقدوره إدارة الواقع المأزوم، وإنعكس ذلك سِلباً على جنوده المهزومين ميدانيا،بينما نشاهد ونسمع خطابات الفريق أول محمد حمدان دقلو الواضحة المُتزنه ،التي تخاطب جذور المِشكل السوداني،وتؤكد على شجاعة قائد قوات الدعم السريع الشخصية التي جعلته يقود المعارك الميدانية متقدماً صفوف قواته مُحققاً للنصر منسجماً مع جنوده الذين ينفذون توجيهاته بالطقع النضيف دون هوادة،ونلاحظ شجاعته الآدبية التي مكنته من مخاطبة الشعب السوداني معتذرا عن ما حاق بهم من مأساة في هذة الحرب اللعينة واعداً إياهم بالقصاص العادل ،ووضع الحلول الجذرية للأزمة السودانية.
حاول مُشعلي الحرب إغراق السودان في أتون الحروب الأهلية الشاملة مستخدمين ذات الأساليب القديمة المُتجدده في إدارة صراعاتهم عبر التلاعب بالكرت القبلي، وتزكية نار الفِتنة ،ظناً منهم بأن خيوط اللُعبة ما زالت بأياديهم يحركونها كما يشاءوا ،فكانت أحداث الجنينة الدامية التي أصبحت جهاز إنزار مُبكر لكل شُرفاء القبائل السودانية الذين هبوا نحو نجدة مجتمعاتهم وتحصينها من عبث تُجار الحرب مُشعلي الفِتن،فكانت المصالحات المجتمعية بين الأهالي في كردفان ودارفور نموذج لوعي الشباب السوداني،وإستخدام المجتمعات للدبلوماسية الشعبية،فهمدت نار الفتنة القبلية ،وظهر حِقد عصابة الكيزان على تلك المجتمعات ،فكان عِقابها: البراميل المتفجرة التي قصفتها طائرات البرهان الإنتقامية في كردفان شمالها وجنوبها وغربها،وحصدت تلك الطائرات أرواح الأهالي وماشيتهم في دارفور،ودمرت البنية التحتية في الخرطوم والجزيرة، في جرائم حرب مكتملة الأركان تستوجب العِقاب والمحاسبة.
ظلت أبواق مُشعلي الحرب تعزف على سيمفونية التحشيد القبلي المشروخة حول الفاشر أخر معاقلهم في درافور ،ظَنا منهم بأن تدوير نفايات الأزمات السابقة قد يأتي أُكله،ولكن هيهات!فإن شعب دارفور أوعى من أن يقع في جُب التهلكة مرة أُخرى ،وأن الجميع يدرك طابع الصراع الواضح المعالم بين عصابة الكيزان التي سرقت إسم الجيش السوداني وتقاتل به من أجل العودة للسلطة أو تحقيق شعارها المُحبب”أو ترق كل الدماء”،وبين قوات الدعم السريع التي فُرضت عليها الحرب وتقاتل من أجل تثبيت دعائم التحول المدني الديمقراطي والوصول الى دولة المؤسسات.
كثير ما نسمع التباكي الكذوب على إفرازات الحرب ، من بعض النُخب التي أدمنت الصعود على أكتاف الأخرين من أجل الوصول الى تحقيق أهدافها الحزبية والشخصية،وهم يعلموا بحقيقة هذة الحرب التي جاءت بعد ثلاثين عام من حُكم الإنقاذ الفاسد المُفسد،وأربعة سنين عِجاف عاشها الشعب السوداني تحت مظلة حُكم إنتقالي مُتعثر وضعت أمامه المتاريس وسوق البعض فيه خطاب كراهية مُفرط ،وتلاعبت به أيادي خفية لا تريد إكتمال التغيير الحقيقي الذي سيفقدها الإمتيازات التي ظلت تجنيها طِيلة فترة الحكومات المتعاقبة.
هذا التباكي ما هو إلا ذَر للرماد في عيون الشعب السوداني وتغبيش الحقائق وإستدرار العواطف،من أجل خلط الأوراق لإيجاد فُرص تعيد قبضة الدولة المركزية التي تهالكت قُواها وفقدت السيطرة على نسج المؤامرات وحبكتها ،ولم تعد في مقدورها الصمود و مقاومة تيار الوعي الشبابي المُتقد الذي دفع أشاوس الدعم السريع للإستبسال والقتال وما زالوا يقدموا المزيد من التضحيات.
حرب ١٥أبريل واحدة من حروب التحول التاريخي العظيم،التي هدمت هيكل معبد القبضة المركزية التي سعت فساداً متراكما منذ قُبيل الإستقلال، ويتحمل فيه الوِزر الأكبر عرابين الإنقاذ وابواقهم والمتعاونيين معهم.
هذة الحرب البشعة، فقدنا فيها الأرواح والممتلكات وتراكمت المُعاناة على الشعب السوداني إلاَّ أن بُشريات الإنفراج قد لاحت في الأفق البعيد رغم ضبابية الرؤية.
ولنا عودة بإذن الله